5/2/2005

في الوقت الذي لم تزل تتفاعل فيه قضية إعادة اعتقال الصحفي السوري ـ الإسباني تيسير علوني مرة أخرى وسط استمرار تصلب السلطات الإسبانية إزاء الضغوط التي تتعرض لها على خلفية القضية من أجل إطلاق سراحه ، كشف مصدر سوري رسمي لـ ” المجلس ” عن معلومات خطيرة بشأن علاقة المخابرات السورية في ذلك ، فضلا عن دور هذه المخابرات بالتخلص من أحد أشقائه الضباط الذي كان طيارا في سلاح الجو السوري . وقد وصف المصدر معلوماته هذه بأنها ” مؤكدة ولا مجال للطعن في صحة مضمونها بشكل عام رغم أن بعض تفاصيلها المتشعبة بحاجة إلى مزيد من المتابعة والتحقق ” . وفي هذا الإطار أكد المصدر على أن المخابرات الإسبانية ” لا تمتلك أي وثيقة يمكن أن تدين تيسير من وجهة نظرها إلا ما حصلت عليه من المخابرات السورية صيف العام 2003 حول علاقته المزعومة بتنظيم الطليعة المقاتلة الذي اعتبر في وقت سابق جناحا لحركة الإخوان المسلمين في سورية ” . وأوضح المصدر ” إن القاضي بالتاثار غارثون الذي يتولى ملف علوني زار سورية سرا صيف العام 2003 في إطار التعاون الأمني بين الحكومتين السورية والإسبانية ، مزودا بكتاب رسمي من خارجية هذه الأخيرة من أجل تسهيل مهمته في الحصول على ملف علوني من المخابرات السورية ، حيث اجتمع بعدد من ضباط المخابرات العسكرية السورية الذين زودوه بملف عن تيسير كان أعده كل من العميد عبود قدح رئيس فرع المخابرات العسكرية الأسبق في محافظة دير الزور ( مسقط رأس تيسير ) واللواء مصطفى التاجر رئيس الفرع 235 (فرع فلسطين ) في هذا الجهاز الأمني” . وأضاف المصدر ” إن الخارجية الإسبانية كانت قد أرسلت كتابا إلى وزير الخارجية السورية فاروق الشرع تطلب فيه التعاون مع القاضي غارثون قبل زيارته السرية إلى دمشق ، حيث أحال الشرع هذا الطلب عبر الجهات المختصة إلى مكتب الأمن القومي المسؤول عن أجهزة المخابرات في سورية ” . وقال المصدر : ” إن الملف الذي حصل عليه غارثون في نهاية الزيارة ، والذي لا يعرف ما إذا كان حقيقيا أم مفبركا ، يتضمن محضر تحقيق مع أحد عناصر الإخوان المسلمين كان يقيم في ألمانيا سابقا وعاد إلى سورية أواخر العام 2002 عبر السعودية إثر صفقة أمنية مع المخابرات السورية ، حيث زودته القنصلية السورية في جدة ، بأمر من الوزير فاروق الشرع ، بوثيقة سفر صالحة للاستعمال مرة واحدة . ويدعي العنصر الإخواني ” التائب ” في محضر التحقيق معه بأن تيسير كان على علاقة وثيقة بالجناح الراديكالي في حركة الإخوان المسلمين بألمانيا ” . ولفت المصدر إلى أن الملف الذي حصل عليه غارثون ” يتضمن تقريرا من إعداد العميد عبود قدح يشير إلى أن تيسير علوني ، الذي فر من سورية أوائل الثمانينيات بعد أن تقرر اعتقاله في إطار الحملة ضد الإخوان المسلمين ، كان إحدى حلقات الاتصال الأساسية بين تنظيم الطليعة المقاتلة والقيادة العراقية السابقة ، حيث كان يتولى تسهيل عبور الدعم اللوجستي من هذه الأخيرة إلى المقاتلين الإسلاميين السوريين ” . لكن المصدر لفت الانتباه إلى أن هذا الملف ” قد يكون مفبركا من قبل المخابرات السورية ” . ودعم المصدر رأيه هذا بالإشارة إلى أن ” الحكومة السورية ، وبعد أن التزمت التعاون الأمني مع الحكومة الأميركية ، إثر أحداث 11 أيلول / سبتمبر الإرهابية ، قامت بتوظيف هذا التعاون في عمليات انتقامية ثأرية من المعارضين الإسلاميين السوريين الهاربين في الخارج .
وأخذت بتلفيق التهم لهم وفبركة الملفات التي تدينهم بالعلاقة مع منظمة القاعدة .
وقد ضربت بذلك عصفورين بحجر واحد : محاصرة خصومها الإسلاميين وتلويث سمعتهم من جهة ، وكسب شهادة حسن سلوك من الإدارة الأميركية من جهة أخرى .
وقد اكتشفت الإدارة الأميركية هذا الأمر في وقت لاحق حين لاحظت من خلال تحقيقاتها الخاصة ، مع بعض معتقلي غوانتانامو وآخرين في مناطق أخرى لا سيما في أفغانستان ، أن تسعة أعشار الملفات التي حصلت عليها من سورية لا أساس لها من الصحة ، وتمت فبركتها من قبل المخابرات السورية لأسباب ثأرية ” .

وفي سياق متصل ، كشف المصدر عن أن ” العقيد الطيار جرير علوني ، شقيق تيسر ، تمت تصفيته قبل بضع سنوات بحادث تقني مفتعل ، فيما طرد شقيقه أمير ، وهو ضابط في القوى البرية السورية ، من خدمته لأسباب سياسية ” . وأوضح المصدر ” أن اللواء عز الدين اسماعيل ، الذي كان أحد كبار ضباط إدارة المخابرات الجوية المسؤولين عن أمن القواعد الجوية قبل أن يصبح رئيسا لهذه الإدارة في وقت لاحق ، دبر ـ بالتعاون مع أحد الضباط الفنيين في القاعدة الجوية التي كان جرير تابعا لها ـ مؤامرة للتخلص من العقيد جرير من خلال تعطيل جهاز الملاحة الجوية في طائرته ، وهو ما أودى بحياته خلال إحدى طلعاته التدريبية الروتينية بعد تحطم طائرته الحربية ” .
وقد وعد المصدر بتوفير معطيات أكثر تفصيلا حول ذلك خلال الأسابيع القليلة القادمة .

من ناحية أخرى ، وفي جانب آخر يتصل بالتعاون الأمني الإسباني ـ السوري ، كشف مصدر يعمل في السفارة السورية في مدريد أن ” السبب الحقيقي لامتناع السلطات الإسبانية عن منح زميلنا الصحفي مازن ياغي حق اللجوء السياسي ، رغم مضي حوالي أربع سنوات على إقامته في إسبانيا ، ورغم صدور مذكرة اعتقال رسمية بحقه من قبل المخابرات السورية ، يعود إلى التعاون الأمني الوثيق بين البلدين ” .
وأشار إلى ” أن المخابرات الإسبانية شددت من مراقبتها لمازن مؤخرا ، لا سيما بعد مشاركته باسم المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير في الندوة الدولية التي عقدت مؤخرا في مدريد من أجل المطالبة بإطلاق سراح الصحفي علوني ” .

يشار في هذا الخصوص إلى أن الزميل مازن ياغي كان على وشك أن يسلم إلى المخابرات السورية قبل أكثر من عام لولا التدخل المكثف والعاجل من قبل عدد من المنظمات الدولية ، لا سيما منظمة العفو الدولية و ” مراسلون بلا حدود ” ، حيث أبرمت صفقة بين حكومة أزنار السابقة والحكومة السورية تقضي بتسليمه إلى السلطات السورية مقابل قيام هذه الأخيرة بتقديم معلومات حول اثنين من كبار تجار الأسلحة والمخدرات السوريين معتقلين في إسبانيا بتهمة ” الاتجار بالأسلحة والمخدرات لصالح شبكة دولية كان يديرها اللواء مصطفى التاجر ” قبل وفاته ، مقتولا على الأرجح ، نهاية صيف العام 2003 في مزرعة المنصورة التي يملكها شرقي مدينة حلب السورية .
كما أن المخابرات الإسبانية طلبت بشكل صريح من الزميل مازن التعاون مع رفعت الأسد مقابل منحه حق اللجوء السياسي .
إلا أن رفضه القيام بذلك هو ما حرمه من الحصول على هذا الحق حتى الآن . وكان ياغي قد فضح هذا السلوك المشين للمخابرات الإسبانية في مقابلة مطولة أجرتها معه صحيفة ” ألموندو ” ـ الصحيفة الأكبر في إسبانيا ، ولم تنف الجهة المعنية ما جاء فيها ، بل التزمت ولا تزال تلتزم الصمت إزاء الاتهامات التي وجهها لها ، لكنها تفعل من وراء الكواليس كل ما بإمكانه فعله للحيلولة دون حصوله على حق اللجوء !!