20/5/2005
أعلن رفعت الأسد أنه سيعود إلى البلاد قريبا ” من أجل مواصلة دوره السياسي والوطني وسط أبناء الشعب السوري لإقامة مجتمع العدل والحرية والسلام ” ، وفق ما جاء في بيان بثته محطته الفضائية ANN التي تبث من لندن .
وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها رسميا عن عودته ” النهائية” رغم أنه عاد إلى البلاد أكثر من مرة للمشاركة في مناسبات عائلية ، كان آخرها صيف العام الماضي حين شارك في مراسم تشييع والدة زوجته الدمشقية ، وفق ما أكدته مصادر عديدة .
ومن المفارقات المذهلة في وقاحتها أن بيان إعلان عودته قد أشار إلى أنه ” ذاهب لتحقيق الوحدة الوطنية لأن الوضع في سوريا خطير”! وتأتي عودته هذه قبيل أقل من ثلاثة أسابيع على انعقاد المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث ” الحاكم ” الذي من المفترض أن يحضره بصفته رئيسا للمحكمة الحزبية .
كما وتأتي بعد أيام قليلة على ما كشفته مصادر صحفية إسبانية من أن ثلاثة اجتماعات قد ضمته إلى ديبلوماسيين أميركيين في مدريد خلال الشهر الماضي شارك فيها ملحق الدفاع والبحرية بالسفارة الأميركية في إسبانيا ، الكابتن دانييل وينسيسلو ، ومستشار الشؤون الإقليمية في السفارة نفسها ، الملحق برادلي رايد .
والأهم من ذلك أنها تأتي بعد أن حسمت واشنطن أمرها ، كما يظهر من تصريحات نائب الناطق باسم الخارجية ، آدم إيرلي ، لجهة أن التغيير المطلوب أميركيا في سورية هو ” الذي يأتي من داخل النظام في دمشق ” ! بيد أن الأهم والأخطرمن هذا وذاك أن عودة جلاد الشعب السوري الأكثر دموية في تاريخ سورية المعاصر ، تأتي في وقت لا يزال فيه الآلاف من ضحاياه وأسرهم مشردين في أصقاع الأرض ومحرومين من رؤية بلادهم .. إلا على الخارطة أو في أحلامهم وكوابيسهم !
من حيث المبدأ ليس لنا إلا الاعتراف بحق أي مواطن بالعودة إلى بلاده ، حتى وإن كان رفعت الأسد نفسه . إلا أن عودة هذا الجلاد تنطوي على مغاز كثيرة وخطيرة ، خصوصا في هذا الوقت الذي تقف فيه سورية عند منعطف خطير في تاريخها :
أولا ـ إنه يعود في إطار ترتيب دولي تقف وراءه واشنطن وتل أبيب وباريس التي بذلت قبل أسابيع قليلة جهودا خارقة لمنع الجنرال ميشيل عون من العودة إلى وطنه ، مع أنه لا تجوز المقارنة بين الرجلين أو بين عودة كل منهما بأي شكل من الأشكال .
وجوهر هذا الترتيب يقوم على أساس تعزيز صفوف أحد مراكز القوى في النظام في مواجهة المراكز الأخرى . أو بتعبير آخر : لإذكاء نار الصراع فيما بين ضواريها على ما تبقى من جيفة السلطة ، بدلا من دعم الشعب السوري من أجل إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي في البلاد .
ومن هذه الزاوية فإن عودته ليست سوى مشروع فتنة كبرى على الشعب السوري ان يحتاط لها جيدا
ثانيا ـ إنه يعود بعد أن نجح في اختراق صفوف المعارضة الديمقراطية الداخلية ، وبناء الجسور مع العديد من رموزها الثقافية والسياسية التي أسقطت من اعتبارها ، وبكل أسف ، تاريخه الدموي والإجرامي بحق الشعب السوري .
ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن عراب هذا الاختراق هو حليفه التاريخي اللواء بهجت سليمان ، ضابط المخابرات العامة الأكثر شهرة من أن يعرّف ! وقد نجح هذا الضابط في ذلك بالنظر للوظيفة ” الخاصة ” الموكلة إليه كمسؤول عن إقامة جسور التواصل بين النظام من جهة والوسط الثقافي والصحفي والحقوقي ” المعارض ” من جهة أخرى .
الأمر الذي تجلى خلال الأيام الماضية بتهافت العديد من رموز هذا الوسط على قناته الفضائية ANN ، وترحيب أحدهم ( المحامي حسن عبد العظيم ) بحزبه ( حزب رفعت الأسد ) للمشاركة في مؤتمر وطني يعمل السيد عبد العظيم وتجمعه ” الوطني الديمقراطي ” على الإعداد له !
ثالثا ـ وهو الأهم بالنسبة لنا كمنظمة حقوقية ، إنه يعود بعد أن فشلت المعارضة السورية بأطيافها كلها في ملاحقته أمام القضاء الأوربي ، رغم أن القضاء الفرنسي كان أعطى منذ العام الماضي ضوءا أخضر بذلك حين ثبتت محكمة الاستئناف الباريسية حكما صادرا ضده لصالح أحد المعارضين السوريين جاء فيه أن هذا المعارض ” يحق له ، بما قدمه من وثائق وأدلة وشهود للمحكمة ، أن يتهم رفعت الأسد بارتكاب جرائم ضد الانسانية ” .
إلا أن أيا من أوساط المعارضة ، وبشكل خاص القوى التي فقدت ضحايا على أيدي هذا الجلاد ومجموعته الإرهابية المسماة ” سرايا الدفاع ” ، لم يبد أي تعاون في تأمين ولو وكالة قانونية واحدة تتيح لهذا المعارض ملاحقة رفعت الأسد الذي كان من المفترض أن يكون الآن في أحد السجون الإسبانية أو الفرنسية
وليس في طريقه للوقوف عند المقابر الجماعية لضحاياه قائلا ” ها أنا قد عدت سالما غانما رغم أنف كل أحزابكم السياسية ومنظماتكم الحقوقية المشغولة بسجن أبو غريب والفلوجة ” ! ومن هذه الزاوية ،إن عودة هذا الجلاد ، وبهذه الطريقة ، تشكل هزيمة كبيرة للمعارضة السورية ، بأحزابها ومنظماتها الحقوقية ، إلا إذا كان البعض منها يفكر بمقاضاته أمام …محكمة أمن الدولة في السورية وقاضيها فايز النوري قبل أن ” يضبضب ” مسروقاته ويهرب بها وفق ما أشار إليه بعض وسائل الإعلام!!!!
عفوك شعب سورية العظيم ، فقد أثبتنا دوما أننا غير جديرين بالدفاع عن حقوق ضحاياك ولا بالانتماء لدمائهم !