12/10/2005

في سياق جهوده المستمرة منذ تأسيسه في العام 2001 لتقصي المعلومات المتعلقة بالمفقودين في السجون والمعتقلات السورية ، من كافة الجنسيات ، عثر ” المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية ” ، وبمحض المصادفة ، على اسم معتقل لبناني لم يسبق أن تمت جدولة اسمه في أي من قوائم المعتقلين والمفقودين في السجون السورية لدى المنظمات الحقوقية المحلية أو الدولية .

وكان ” المجلس ” قد وضع في أرشيفه القديم إلى جانب اسم فادي حبّال ، وهو اسم المعتقل ، عبارة ” سجين سوري إسلامي مجهول المصير” . إلا أن تحقيقا أجراه ” المجلس ” مؤخرا، وعلى مدى شهرين تقريبا ، أظهر أن المعتقل فادي حبال هو لبناني الجنسية من مدينة صيدا ولم يسبق له أو لأي من أفراد أسرته الآخرين أن حصلوا على جنسية أخرى .

وكان من اللافت أن ” المقاومة الإسلامية ” التابعة لحزب الله اللبناني قد نشرت على موقعها الرسمي قبل ست سنوات ( 1999 ) قائمة بأسماء 181 أسيرا لبنانيا في السجون الإسرائيلية من بينهم فادي حبال ، نقلا عن صحيفة ” الديار” اللبنانية [ انظر الرابط أدناه ] !؟

ومن الملاحظ أن حزب الله لم يشر إلى اسم فادي حبال في أي من قوائمه الرسمية التي نشرها لاحقا عن الأسرى اللبنانيين في إسرائيل ، ولم يعد إلى ذكر هذا الاسم مرة أخرى ، رغم أنه كان ينشر عقب كل عملية تبادل للأسرى مع إسرائيل قائمة بمن تبقى منهم رهن الأسر !

في أحدث المعلومات التي توصل إليها ” المجلس ” هذا الأسبوع تبين أن فادي حبال كان في سجن تدمر العسكري صيف العام 2001 عشية نقل العشرات من معتقلي السجن المذكور إلى أماكن أخرى . وقد تبين أنه لم يكن في عداد قائمة المنقولين إلى سجن صيدنايا ذلك الصيف بسبب تردي أوضاعهم الصحية .

وخلال عملية التقصي التي أجراها ” المجلس ” ثبت قطعيا أنه ليس في سجن صيدنايا العسكري ( سجن المزة أغلق في 13 أيلول / سبتمبر 2000 ) . الأمر الذي يعني أنه نقل في ذلك التاريخ من سجن تدمر إلى أحد المعتقلات السرية التابعة لأجهزة المخابرات ، كما سيأتي إيضاحه أدناه.

وبعد الاتصال بذويه في لبنان وإضافة معلوماتهم إلى المعلومات المتوفرة في أرشيف ” المجلس ” ، أصبح بالإمكان تثبيت عناصر قضيته على النحو التالي :
الاسم : فادي الحبال
اسم الأب : أحمد فاروق
مكان وتاريخ الولادة : صيدا ( حنوب لبنان ) 4 نيسان / أبريل 1964
المهنة عند الاعتقال أو الاختطاف : طالب في المدرسة المهنية العاملية ـ بيروت .

خلفية القضية :
بتاريخ السابع عشر من شباط / فبراير 1983 ، وبينما كان يقوم بهمة لوجستية فيما بين طرابلس وبيروت لصالح المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي آنذاك ، اعتقل على حاجز البربارة الواقع بين المدينتين المذكورتين . وكان هذا الحاجز تابعا للجهاز العسكري الخاص بحزب الكتائب . وطبقا لما يستشف من أقوال رئيس مجلس الأقاليم في حزب الكتائب لذوي فادي حبال ، فإن الحزب المذكور اعترف باعتقال فادي لاعتقاده بأنه ” جهادي إسلامي ينشط مع المنظمات الفلسطينية ” .

بقي فادي حبال رهن الاعتقال لدى ” القوات اللبنانية ” ( الجهاز العسكري لحزب الكتائب في ذلك الوقت ) حتى العام 1986 حين قررت الجهة المذكورة تسليم 35 معتقلا من معتقليها المسلمين إلى ” دار الافتاء ” اللبنانية .

وقد أذاع ” راديو صوت لبنان ” الرسمي التابع للحكومة قائمة بأسماء هؤلاء المعتقلين المفرج عنهم . وحين حضر ذوو فادي حبال إلى ” دار الافتاء” لتسلم ابنهم تبين أنه ، مع عدد آخر من هؤلاء ، جرى إنزالهم بالقوة من الباص الذي كان يقلهم إلى ” دار الافتاء ” من قبل أحد الحواجز التابعة لمخابرات الجيش اللبناني في منطقة ” المتحف ” الواقعة على خط التماس بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية ( حسب التسمية التي كانت دارجة آنذاك) .

وقد تأكد ذلك في فترة لاحقة حين ذهبت والدته إلى ” سجن رومية ” ، حيث أخبرها أحد عناصر أمن السجن أن فادي موجود لديهم . وحين ألحت الوالدة على رؤية ابنها ادعى عنصر الأمن أن ” فادي حبال الموجود لديهم مواطن سوري ، وقد جرى تسليمه إلى سلطات بلاده ” ! ولعل هذه المعلومة ، التي كانت موجودة في أرشيفنا القديم ، هي ما دفعتنا إلى وضع عبارة ” إسلامي سوري مجهول المصير ” !

وقد تبين لنا في إحدى مراحل التحقيق أن إيلي حبيقة ، الذي كان مسؤلا آنذاك عن جهاز أمن القوات اللبنانية قبل ما بات يعرف باسم ” انتفاضة سمير جعجع ” ، هو من كان وراء تسليم فادي حبال ، وزملائه الآخرين الذي أنزلوا من الباص على حاجز المتحف بالقوة ، إلى مخابرات الجيش اللبناني .

في سياق التحقيق الذي أجراه ” المجلس ” تبين أن فادي حبال كان في العام 1987 ، أي في العام التالي لإعادة اعتقاله من قبل مخابرات الجيش اللبناني ، معتقلا في الطابق الثاني من سجن المزة العسكري بدمشق قبل أن يوضع في العزل الإنفرادي وينقل إلى تدمر في العام 1989 .

وقد بقي في ” الباحة الثانية ” ( الجناح الثاني ) من هذا السجن حتى صيف العام 2001 حين جرى نقله مع حوالي عشرين معتقلا آخر من اللبنانيين والفلسطينيين ( فتح ـ ياسر عرفات ) والأردنيين ، إلى جهة مجهولة . إلا أن المعلومات المتوفرة تفيد بأن هذه الجهة ” المجهولة ” ليست في واقع الأمر سوى معتقل ” خان أبو الشامات ” السري التابع للمخابرات الجوية ، والذي كان ” المجلس” قد كشف قبل عدة سنوات عن وجوده و عما ترتكب فيه من جرائم .

يأتي الكشف عن قضية فادي حبال في الوقت الذي يستمر فيه ، ومنذ عدة أشهر ، اعتصام أهالي المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية ، أمام مبنى ” الإسكوا ” التابع للأمم المتحدة في بيروت ، مطالبين السلطات اللبنانية والسورية في الكشف عن مصير أبنائهم .

كما ويأتي في وقت تتعالى فيه الأصوات بـ ” تدويل ” قضية هؤلاء من خلال إحالتها إلى لجنة تحقيق دولية يكون من بين أولى مهامها تفتيش السجون والمعتقلات السورية السرية . الأمر الذي ما فتئ ” المجلس ” يطالب به منذ تأسيسه حتى الآن ، باعتباره الحل العملي الوحيد لفتح وإغلاق هذا الملف الإنساني المفجع مرة واحدة وإلى الأبد في ظل استمرار نفي النظام السوري وجود معتقلين لبنانيين في معتقلاته رغم كل الأدلة والقرائن التي تقول عكس ذلك .

يشار إلى أن ” المجلس ” أعد مؤخرا ورقة عمل من أجل تأسيس هيئة لبنانية ـ سورية مستقلة من الشخصيات والهيئات الحقوقية في البلدين ، التي عرف عنها اهتمامها بملف المعتقلين اللبنانيين في سورية ، من أجل متابعة هذه القضية أمام المحافل الدولية ، والعمل على إنشاء لجنة تحقيق دولية على الغرار المشار إليه . ويتابع ” المجلس ” اتصالاته منذ فترة مع الشخصيات والهيئات اللبنانية المعنية لهذا الغرض .

المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية