18 يونيو 2004
أسامة عزا لدين
نامت سوريا وصحت فترة صغيرة من تاريخها لتغطس في أحلام كبيرة لم تكن هذه الأحلام أو التهويمات إلا أوهام عاطلة لعقول أصيبت بالعطالة والجمود والتراجعالواقعي والخيبة نتيجة لتجاوز المسألة السياسية لها وسقطنا في مأزق الشعارات والآمال التي سببت الآلام للوطن ونزت جروحه قيحا……أصبنا بالضعف والوهط والجنون المبطن وارتضينا ماكنا نخاف ذكره …… وأصبح غياب المواطن في المجهول جزءا من حياتنا … وبقي شعبنا خائفا مرعوبا جائعا عريانا فاقد الثقة بنفسه وبأسياده القدامى الجدد. قزمت الشعارات والكلمات الطنانة الرنانة الغريبة منها والمبهمة عقولنا وسممت حياتنا.في زمن يصبح فيه ضابط صف امني يعادل عشرة شهادات دكتوراه بينما المواطن البائس رقم في زنازينهم بدون اسم أو هوية تمارس بحقه كل قذارات الأمراض النفسية التي يعاني منها الجلاد وحواشيه غير امن على نفسه وأمواله وعائلته…. الأمثلة كثيرة وأكثر من إن تعد وتحصى العنصر الأساسي لهذا الفشل هو ذلك التيار المتسلط والمخرب للأرض والعرض المستنزف لكل الخيرات الوطنية والمهمش للقيم والمفاهيم الضابطة للإيقاع الاجتماعي … بينما على الجدران وفي المؤسسات الحكومية والسيارات وغيرها شعارات لوطن مهشم يبحث عن الزمن الضائع في متاهات الأقبية لأجهزة القرون الوسطية وفي أروقة الدوائر الرسمية .
مسكونين بوسواس غريب وكريه ومخيف في إن معا هو وسواس الاجهزه المتخلفة…الخوف من الصديق والقريب الخوف من الكلام من الجار والدار من فلتات العقل والاستعاذة من الشيطان.العسف عام والكل فيه وعلى درجات.
لماذا؟
من اجل أهداف لم تتحقق أومن اجل رخاء لن يأتي أو من اجل نهب المؤسسات العامة كل مواطن يتساءل من اجل أي أمل نعيش وندفع الثمن قهرا واعتداءا وظلما من اجل سيارات تهدر يتبارز فيها على أرصفة الشوارع أبناء أصحاب الأقبية ومن حولهم أم من اجل ملايين سرقت تنتظرهم في بنوك من يدعون عداوتهم وهي وحدها كافية لتؤمن الخبز والحليب لكل أطفال الوطن لعشرات الأعوام. من اجل أي هدف عظيم نعيش؟
فقدت إنسانيتنا أمام بوط عسكري ومسدس امني وأصبحت الأفكار التي كانت مقبولة قبل نصف قرن باهتة بدون مضمون وساهم في تشويهها وإجهاضها الموتورون من أجهزة السلطة والقمع والانتهاز لم نكتشف ذلك جليا بل اكتشفناه واقعيا وتاريخيا وإذا كان هناك من يحاول أن يخوض التجربة التعليلية والتبريرية في فهم هذه الحالة مبتعدا عن المعطيات الواقعية والموجودة على الأرض فهو يعاكس الحقيقة والتاريخ ويبتعد عن المنطق والضمير وهو يصف بشكل أو بأخر مع الأجهزة الأمنية التي خملت فترة وجيزة حتى رأت ضالتها في أحداث الشمال أو في مناطق أخرى وحري بهؤلاء إن يطالبوا بابتعاد هذه الكوارث غير الوطنية\بنتائج أعمالها\ عن التدخل في الحركة المدنية الاجتماعية للوطن ليتحرر من خوفه منها ومن قمعها ومن اللاقانون التي تفرضه على الوطن منذ عقود ولتعود لدورها في خدمة الوطن والمجتمع ضمن القانون لااكثر.
لم يكن النظام الاستبدادي يوما فرديا فهو نظام اجتماعي ومزيج من المراتب والبيروقراطية في الأجهزة الأمنية والمؤسسات العامة مع آلة قمعية مطلقة الصلاحية في القتل والتعذيب وخرق الأعراف والقوانين وهو مترافق دوما مع التخلف والخوف وان من يحاول تفسير غير ذلك مثل ذلك العضو في مجلس الشعب المعرف بتلوثه مع الاجهزه عندما حاول أن ينشر التهم في مندى الاتاسي في دمشق عن احد المناضلين القابع في سجون النظام منذ فترة بدون دواء أو زيارات مع مسرحية الاختفاء فلولا الأجهزة لما استطاع أن يجلس في كرسي لمجلس معروف كيف تفبرك فيه المقاعد وكيف توهب للأكثر تقديما لخدمات تحتاجها هذه الأجهزة والمعروف عنه أعظم ونتركها إلى وقت أخر.
إن السكوت عن فعل الاستبداد وتحويله إلى حالة مقبولة يمكن التعايش معها وطرح شعارات مضحكة أما أن تكون مع النظام والاستبداد وإما مع الديمقراطية والعمالة ومن غبر المقبول فيها حتى لأكثر العقول تخلفا وغباء وهي سفسطة لمجموعة أفلست تاريخيا واجتماعيا.
إن الديمقراطية بدون وطن وشعب لاتعني شيئا وكذلك الاستبداد مع وطن وشعب تعني الخلف والقمع والإرهاب والجوع والمرض والمنافي والسجون … إن الوطنية هي تحصين الوطن من الفاسدين واللصوص والبلطجة وتخليص الثقافة من التسلط الإيديولوجي الأحادي الجانب المفروضة أما الديمقراطية فهي خضوع الكل للقانون وفي حركة ديناميكية مع تحرير القطاع الخاص والعام والتعبير متحررا من هيمنة فئة محدودة ليخضع الكل فيها للقانون الوضعي التي تصوغه مؤسسة تشريعية حقيقية بدون وصاية أو إملاء من الأجهزة القمعية صاحبة التفنن الغريب في تكييف خيارات تخدم مصالحها الضيقة فقط.
التطور والحضارة والازدهار لايمكن خلقه من واقع غير متكافئ كما أن تفعيل الدور الأمني يخلق شرخا في ماتبقى من لحمة الوطن وتهدد وحدته وكيانه وتضعف منعته .إن انحسار الفهم الواقعي لدى الأجهزة من تهميش اطر المجتمع وتركيع الرأي الأخر منها يبرز التهديد الحقيقي للوطن ولن تكن الممارسات المتخلفة حلا مع كل مايرافقها من بلطجة معنوية وجسدية ضد كل معارض لتخلفهم مستخدمين شعارات طنانة مثل من ليس مع الأمن فهو ضد الوطن لم يكن الوطن يوما نظاما بعينه الوطن هو كل الأطياف وكلها تبحث بمنظورها لدفع المجتمع نحو الأفضل وهي ليست الأقبية ولا الجلادين ولا أدوات التعذيب وتجويع الآخرين من الرأي الأخر وهي ليست إقطاعيات لسلب الأموال العامة توهب لهذا وذاك من المقربين وإذا كان أفق الأجهزة لايتجاوز مصالحهم التافهة التي تمزجها ظلما مع الوطن وتبطش بكل من يتساءل عن تراكم الثروات وعن غياب القانون وشرخ الوطن فهو ليس غريبا فقط ولكنه مشبوها أيضا ويصب في إطار إضعاف الوطن ومسخه كواقع جغرافي واجتماعي.
إذا كان التخلف هو نتاج الاستبداد أو إن الاستبداد هو نتاج التخلف فلا فرق عندنا لكن لاالتخلف ولا الاستبداد هو مطمحنا ولا طموح الوطن والمواطن.
إلغاء القوانين التي عفي عنها الزمن مثل قوانين الطوارئ المستخدمة كسيف مسلط على الرأي الاخرهي المدخل الضروري لحلحلة الجمود ولتفعيل الحراك السياسي وهو البداية لكل تطور حقيقي ما عدا ذلك هو من قبيل الضحك على الذقون وذر الرماد في العيون. كما أن من المطالب الضرورية إطلاق سراح كافة معتقلي الرأي ووقف التدخلات الأمنية المشبوهة والمقصود منها شرخ الوطن وتركيع المناضلين من أبناء شعبنا الذي يتحملها بصبر أيوب