1/2005
د محمد كمال اللبواني
طريقة التوقيف : تم اختطافي من منزلي ليلاً ، فقد حضر شخص يدعي أن زوجته بحاجة إلى إسعاف وهي بحالة خطرة ، وبصفتي طبيب في منطقة ريفية ومن واجبي تلبية حالات الإسعاف ذهبت معه ، وعندما تحركت سيارته المغلقة ( van ) بعيداً عن المنزل قفز من الخلف رجلان مسلحان وكبلوا يدي وربطوا عيني ، وصوبوا أسحلتهم نحوي بل قاموا بتهيئتها وهي مصوبة إلى رأسي ، وفي مفرزة الأمن رفضوا أن ابلغ عائلتي ، وبقيت زوجتي بانتظاري ، طوال الليل ، ثم أبلغت الشرطة عن اختفائي لكن الشرطة رفضوا الاهتمام بالموضوع لأنه حسب قولهم أنه من المحتمل أن يكون رجال الأمن قد أخذوه ، فهذه طريقتهم المعتادة التي يختطفون بها ضحاياهم ليلاً .
لم يعرّف رجال الأمن عن أنفسهم وجاءوا بلباس مدني ولم يبلغوني بمهمتهم ولا بمذكرة التوقيف ولا بحقوقي كموقوف ، مع العلم أنني داومت طول النهار في عيادتي وعدت إلى منزلي ولم أكن متوارياً ولا مطلوباً . ومعروف مكان العمل والإقامة .
مكان التوقيف : زنزانة انفرادية مظلمة قذرة في فرع الريف في المزة ، ثم في فرع التحقيق في الفيحاء طول 2متر عرض أقل من متر بما فيه المرحاض ، فيها بطانيات مبللة بماء آثن وجدران متعفنة ومغلقة تماماً وليس لها أي فتحة للتهوية أو الإنارة ، وليس فيها ضوء .
التحقيق : تم في الفرع بدون محامي .
المحكمة : محكمة أمن الدولة العليا محكمة استثنائية غير دستورية معفاة من أصول المحاكمات وقراراتها غير قابلة للطعن . وجلسات المحاكمة سرية وسريعة ، ولم يسمح لي بالكلام أكثر من عدة دقائق .. رفضت المحكمة إحضار شهود الادعاء أو شهود الدفاع . كل التهم الموجهة لنا كانت حول آراء أبديناها ، وتم تجريمنا بتهم جنائية كبرى ، بناء على انتقادنا لسلوك السلطة الاستبدادي ، وللفساد .
السجن في زنزانة انفرادية بطول 3متر وعرض 2متر فيها مرحاض عربي داخلي وضوء ولها نافذة تهوية ، قضيت فيها طول فترة سجني ثلاث سنوات ولم يسمح لنا بالخروج للباحة إلا بعد قرابة السنة ، حيث سمح لنا بالخروج انفرادياً لمدة ثلاثة أرباع الساعة كل يوم .
الزيارات منعت عدة أشهر ثم سمح بها كل 15 يوم لمدة نصف ساعة بحضور ضابط أمن ، بعد الحصول على موافقة في كل مرة ، من المحكمة وفرع الأمن وهي فقط للأقرباء من الدرجة الأولى .
لم يسمح لنا بالمراسلات ، ولا بالاختلاط بأي من السجناء ، ولا حتى بالكلام مع بعضنا بين الزنزانات ( فقد كانت زنزاناتنا متجاورة ) ، وبقينا محرومين من الوصول إلى وسائل الإعلام سنتين ، حين سمحوا لنا بالراديو فقط في السنة الأخيرة ، أما الكتب فقد كانوا يسمحون بها بشكل متقطع .
سمحوا لي بالرسم في فترة محددة ثم منعوني وصادروا لي 25 لوحة زيتية رسمتها في السجن ورفضوا إعادتها إلي وادعوا فقدانها رغم مطالبتي بإلحاح باستردادها
خرجت من السجن مجرداً من الحقوق المدنية وممنوعاً من السفر ، وتحت مراقبة أمنية لصيقة و رسائل تهديد بالعودة لمدة عشر سنوات هذه المرة إذا طولت لساني وفي مكان لا يعرف به أحد .
تعرضنا للإهانة ، وتعرض بعضنا للضرب ، وصودرت لوحاتي ودفاتري يومها ولم تعد اللوحات بعد ذلك وطلبوا منا عزل المحامين الذين تطوعوا للدفاع عنا ، وعندما رفضنا انقطع الماء لمدة شهر ، وبقينا محرومين من الماء طول هذه المدة ، ولا نحصل إلا على ماء الشرب 10 ليتر في اليوم .
وما يزال التعذيب يمارس في التحقيقات حتى يوم خروجي من السجن حيث قضيت يومين في فرع التحقيق . وهذا حدث بعد تصديق سورية على اتفاقية منع التعذيب بأكثر من شهرين . كانت غرف التحقيق تحتوي على عصي ( خيزران ) ودواليب سيارات ، وكانت أصوات الضرب تسمع في بعض الأحيان . وكانت هناك غرفة فيها وسائل تعذيب بالكهرباء ( هاتف روسي عسكري له مولدة يدوية ) ، كما أنني شاهدت وسائل التعذيب في فرع الريف وفي سجن عدرا وسمعت هناك أصوات التعذيب .
وكان بجوار زنزانتي سجناء أكراد ( اعتقلوا في اعتصام في يوم الطفل للمطالبة بالجنسية ) تعرضوا للضرب المبرح حتى فقدان الوعي من قبل مجموعة عناصر كما ضربوا وعذبوا لمدة خمسة عشر يوماً متواصلاً ، وأثناء وجودهم في الزنزانات ولأنهم تكلموا معي حرموا من ماء الشرب وأجبروا على شرب مياه ملوثة غير صالحة يشاهد فيها الدود بوضوح ، وقد أرسلنا عينة ماء فيها الدود لإدارة السجن ، وما يزال ثلاثة منهم ( أحدهم اسمه خالد محمد علي ) في زنزانات بعرض 70 سم وطول مترين من ضمنها فتحة التواليت ومحرومين من كل شيء .
يعاني المحامي حبيب عيسى 62 سنة محكوم خمس سنوات ، من فتق بحاجة إلى عمل جراحي ، ومن آلام ظهرية مستمرة . ويعاني الدكتور عارف دليلة 64 عاماً ، محكوم عشر سنوات ، من اضطراب في نظم القلب غير منتظم فوق بطيني ، ويتعرض لنوب تسرع خطيرة ، وربما يحتاج لناظم خطي خارجي ، كما يعاني من التهاب وريد خثري متكرر في ساقه .
وما يزال السجن الانفرادي القذر ، وسيلة التعذيب الأساسية كما ما يزال رفاقي عارف دليلة وحبيب عيسى وفواز تلو و وليد البني في زنزانات انفرادية منذ ثلاث سنوات ومحرومين من أبسط حقوق السجين ، كما ما يزال منع الزيارات ، والمنع من الخروج للباحة ومنع وسائل الإعلام ، ومنع الكتب ..إضافة للضرب والإهانة ، أموراً شائعة بل روتينية ، ولم أسمع من سجين أنه لم يتعرض لكل هذه الممارسات مجتمعة ، فهي ممارسة روتينية تطبق على الجميع بانتظام .
و العنصر الأهم في الانتهاكات هو إغلاق السجون ومنع تفتيشها من قبل طرف محايد ، وعدم استقلال القضاء الذي يحكم بتوجيهات أجهزة الأمن ضارباً عرض الحائط بأبسط قواعد العدالة ، وغياب كل أشكال الرقابة والمحاسبة على أجهزة الأمن خصوصاً والسلطة عموماً ، حيث تتابع هذه الأجهزة ممارساتها القمعية والوحشية ، بهدف إدامة سلطان الخوف كحارس للإذعان الذي يسهل استباحة حقوق وأرزاق المواطنين .