12/5/2007

ليس بالغريب على أشخاص من أمثال محمود عيسى أن يرهنوا أنفسهم لعشق الوطن، فهو المناضل العنيد لهدف نبيل يحمله على أكتافه أينما حل، متجاوزاً حدود آلامه الخاصة محلقاً عبر السحاب دون كلل، وكيف لا وهو المجبول بحب الحرية وعشق الوطن، ففي اعتقاله الأول صارع من أجل الحرية والعدالة لوطنه ولمواطنه، فكان صراعاً شريفاً يحمل في طياته تحدي الاستبداد الجاثم على جسد الوطن.

وفي اعتقاله الثاني كانت تهمته أنه طالبَ، ومعه الكثير من المثقفين السوريين واللبنانيين لتلاحم سوريا ولبنان خارج ألاعيب السياسة والسياسيين متخوفين على ما يربط هذين البلدين من تداخل وتمازج في الهموم، لحرية وطنين لهما نشيدٌ واحدٌ كلماته معبّرة عن حقيقة الترابط التاريخي والجغرافي بينهما.

لكن النظام السياسي في سورية لم يتحمل تخوف المثقفين هذا، معتبراً نفسه هو من يحدد العلاقات مابين البلدين على أساس احتكاره لهموم الناس وهموم الوطن، فأشهر في وجوه المثقفين السوريين تهم إضعاف الشعور القومي لخروجهم عن مملكة الحصر تلك .

إن اعتقال ميشيل كيلو ومحمود عيسى وملاحقة سليمان الشمر وخليل حسين بتهمة خروجهم عن مملكة الحصر تجعلنا نذِّكر النظام السياسي في سوريا ببعض بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وقع وصادق عليه:

أ- “2- تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيّز على أساس الوقائع، وفقاً للقانون ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة من أي جهة أو لأي سبب.
6- يكفل مبدأ استقلال السلطة القضائية لهذه السلطة ويتطلب منها أن تضمن سير الإجراءات القضائية بعدالة، واحترام حقوق الأطراف.”
“إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة 30\40 تشرين الأول 1984، ورقم 146 في 13 كانون الأول 1985”

ب- الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم متساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
“المادة\7\ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 15\12\1948، والمادتين \14\، و\15\من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كانون الأول 1966”

ج- لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، ونظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه.
“المادة \10\الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 15\12\1948”

الأستاذ محمود عيسى:

  • من مواليد مدينة بانياس عام 1963.
  • يحمل أجازة في الآداب قسم اللغة الانكليزية .
  • يدرس حالياً في كلية الحقوق وهو في السنة ثالثة.
  • معتقل سابق من 1992 إلى 2000 بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي.
    وهو محروم من الحقوق المدنية وحق الوظيفة بسبب اعتقاله، ومحاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا في دمشق، على خلفية انتمائه لحزب العمل الشيوعي المعارض والمحظور.
  • متزوج وله ولدين.
  • يعمل في مجال الترجمة وهو من الكتاب في صحيفة الآن التي يصدرها حزب العمل الشيوعي.
  • مقيم في محافظة حمص.
  • اعتقل على خلفية التوقيع على إعلان دمشق بيروت، وهو عريضة وقعها نحو 300 مثقف سوري ولبناني دعت إلى تطبيع العلاقات بين بلديهم.
  • أخلي سبيله بتاريخ 25-9-2006 على أن تستمر محاكمته طليقاً.
  • بتاريخ 23/10/2006 تم إعادة توقيفه من منزله في حمص من قبل الأمن الجنائي إثر إصدار مذكرات قبض ونقل بحقه مع كل من: سليمان الشمر وخليل حسين، المتوارين حالياً، وذلك بعد صدور قرار اتهام بحق النشطاء الثلاثة، تنفيذاً لقرار قاضي التحقيق الثاني بدمشق بتاريخ 19/10/2006 .

ويواجه عيسى التهم التالية بحقه:

    • 1- جناية إضعاف الشعور القومي وإثارة النعرات الطائفية والقومية والمذهبية وفق أحكام المادة 285

    • 2- جناية تعريض سورية لأعمال عدائية وفق أحكام المادة278 من قانون العقوبات السوري.

    3- الظن عليه من جنحتي إذاعة أنباء كاذبة والذم والقدح وفق أحكام المواد 307 -376 من قانون العقوبات.
  • لقد فوجئ الجميع بتحول مسار محاكمة الموقعين على إعلان بيروت – دمشق من التهدئة إلى التصعيد المفاجئ وغير المبرر فبعدما أفرج عن محمود عيسى وسليمان الشمر وخليل حسين في 25/9/2006 على أن تستمر محاكمتهم وهم طلقاء، وبعد إصدار قرار بالإفراج عن ميشيل كيلو حصل تحول دراماتيكي بعدم تنفيذ القرار القاضي بإخلاء سبيل كيلو بل وجهت له تهم جديدة بالإضافة إلى تهم للمذكورين أعلاه وشرع بإلقاء القبض عليهم مرة أخرى في ظل جو من عدم الوضوح وتضارب الأخبار حول خلافات بين الرئاسة ومتنفذين في الأجهزة الأمنية، مما يدل بوضوح على تبعية المؤسسة القضائية للمتنفذين في الأجهزة الأمنية.
  • طالبت النيابة العامة تجريم كيلو وعيسى وفق التهم المنسوبة إليه سابقاً وهي جناية إضعاف الشعور القومي وجنحة إثارة النعرات الطائفية سنداً للمواد /285 – 307 – 376/ من قانون العقوبات إضافة لتهمة خاصة بعيسى وهي جنحة القيام بأعمال لم تجزها الحكومة من شأنها تعريض سوريا لخطر أعمال عدائية سنداً للمادة /278 / من قانون العقوبات.
    وتنص المادة 285 وما يشابهها إلى أن: كل سوري قام أثناء الحرب أو توقع حدوثها بدعاوى تؤدي إلى إضعاف الشعور القومي وإثارة نعرات طائفية عوقب بين الأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبد.
  • ومن الجدير بالذكر أن هذه المحاكمة هي غير محاكمة كيلو وعيسى أمام القضاء العسكري والتي يحاكمان أمامها بتهمة الترويج لإعلان بيروت – دمشق وفق البند الثالث -الفقرة ب من المادة 150 من قانون العقوبات العسكري.
  • وفي جلسة الدفاع تاريخ 6/5/2007 وعندما طالب أ. محمود عيسى بالسماح له بتقديم دفاعه، حذره رئيس المحكمة من التطرق إلى مواضيع سياسية، وكرر ذلك مراراً بينما كان عيسى يقرأ مقدمة مذكرته، التي هزّت ضمائر الحاضرين بوصفه لطريقة اعتقاله الأخيرة قبيل ساعة الإفطار في رمضان الماضي، تلك الطريقة الفظّة باقتحام منزله، والتي تكررت مرتين خلال العام الماضي، أمام ذهول طفله نجم البالغ من العمر 4 سنوات، وكيف رجت زوجته عناصر الأمن بالسماح له بارتداء قميصه. متسائلا : أين حرمة المنازل، أين حقوق الإنسان والمواطن التي كفلها الدستور السوري وصادقت عليها سورية. ومعبراً عن صدمته من تناقض ذلك كله مع القوانين والحقوق التي يتابع دراستها الجامعية وهو في السجن، ومذكراً بأنه يقف للأسف مرة بعد أخرى (نظراً لاعتقاله السابق لسنوات طويلة بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي) ليتهم في وطنيته التي ناضل طوال حياته من أجل رفعتها، وليس من حق أحد إصدار صكوك بملكيتها. ومختتما حديثه : بأن قضيته في إعلان بيروت/ دمشق هي ببساطة قضية رأي، وأنتم تعلمون بأن الرأي قبل شجاعة الشجعان كما قال شاعرنا العربي، وهذا هو دأب أصحاب الرأي في كل مكان وكل زمان (…) وإثر تصفيق الحضور ومقاطعة رئيس المحكمة، اختصر عيسى قراءة أوراقه وتقدم بها إلى المحكمة.

    غداً بتاريخ 13-5-2007 تصدر محكمة الجنايات الثانية في دمشق الحكم بحق ميشيل كيلو ومحمود عيسى فهل يكون هذا الحكم استمراراً لإمعان النظام في انتهاك حق حرية الرأي والتعبير في سورية؟ أم تستطيع أن تتجاوز فكرة حصرها للتعبير عن هموم المواطن والوطن كي يعطى للمفكر والصحفي والمجتمع المدني دوراً للمشاركة في صنع مصيره بحرية؟ مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية يطالب الحكومة السورية ومحكمة الجنايات الثانية التابعة لهذه الحكومة غداً بإصدار حكم بالإفراج الفوري عن ميشيل كيلو ومحمود عيسى، على اعتبار التهم الملفقة لهم هي تهم سياسية لا علاقة لها بالتهم التي وجهت لهم من قبل قاضي التحقيق الثاني بدمشق بتاريخ 19/10/2006 ، ووقف أي ملاحقة قضائية بحقهم .

    مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية