12/2004

الانتماء كلمة بسيطة المعنى ومعقدة بآن معاً, وهذا يعود إلى المجال الذي تستعمل فيه, إلا أن مدلولها في حياة الطفل يتجلى عبر مشاركته الأخرين, فللطفل منبران يعمقان فيه الإحساس بالإنتماء, أولهما الأسرة وثانيهما الحصة الدرسية, وقد يضاف إليهما ما سواهما، سواء كان الشارع أو الأقران الذين يشاركونه اللعب أو غير ذلك, فإن حراكه الاجتماعي في هذه الأماكن مسبوق بأثر البيت أولاً والحصة الدرسية ثانياً, فالطفل ينبغي أن يكون في البيت جزءاً من كلٍّ عام لا هو الأقل ولا هو الأكثر, شأنه في ذلك شأن العازف في فرقة موسيقية مندمج مع مجموعة العازفين، ومع ذلك له كيانه وشخصيته الموسيقية الخاصة.

إن الاعتراف بشخصية الفرد واستعداداته من الحاجات التي إذا ما توافرت له سارت حياته في يسر واطمئنان, ونلمس ذلك في المواقف التي نرى أنفسنا فيها محل تقدير الأخرين, فتتضاعف جهودنا في الأعمال التي نقوم بها, ويصبح إدراكنا لمسؤولياتنا حيال أعمالنا أعمق، فأساس المجال التعاوني أن يشعر كل فرد بالحاجة إلى الآخرين، إذ أن كل مجال تعاوني يتطلب أن يكون هناك شعور متبادل بالحاجة بين الأفراد الذين يشتركون فيه, وبما أن مجال المناقشة مجال تعاوني فينبغي إذاً أن يشعر كل فرد مشترك فيه بالحاجة إلى الفرد الآخر.

والدخول إلى عالم الطفل من قبل أحد أفراد أسرته ينبغي أن يكون منطلقاً من هذا الإدراك حتى وإن لم يعبر عنه الطفل، إلاّ أنه – من المؤكد – سيتقبله إذا جاء مواكباً لتطلعاته أو حاجاته، وهنا يجب أن نلاحظ أن عالم الطفل جدّي يتمثل لنا أنه غير ذلك، وفي الحصة الدرسية على المربين أن يحترموا الخبرة التي يمر بها التلميذ بدلاً من النتائج التي يحصل عليها, أي التدقيق على الأسلوب وطريقة معالجة التلاميذ للموضوع واختيار الوسائل؛ بصرف النظر عمّا إذا كانت النتائج سليمة أو خاطئة، فالأسلوب الصحيح والطريقة الموضوعية سيمكنان التلميذ من الوصول إلى نتائج صحيحة حتى لو أخطأ في البداية، إذ ما من خبرة تعليمية إلاّ ويشترك فيها المدرس والتلميذ إلى جانب المادة التي تتوسط بينهما ,وعلى هذه الأركان الثلاثة تقوم كل عملية تربوية.

وقد تختلف هذه المقومات الثلاثة من مرحلة إلى أخرى, ولكن العلاقة بينهما تكاد تكون ثابتة, من هنا جاء قول (جلبرت هايت): “في الواقع إنني أؤمن أن عملية التدريس فناً وليست علماً”.

فخير البشرية وسعادتها يتوقفان على نوع العلاقة بين الناس، والأسرة كأحد الأسس التي يقوم عليها المجتمع؛ لا تكون أسرة إلا إذا كان كل واحد له موضع في ترتيب الأسرة, وحسب الترتيب عليه واجبات وله حقوق بما في ذلك الأطفال, والطفل يتعلم معاشرة المجتمع من خلال معاشرته لأفراد أسرته, وتلك المعاشرة هي التي تمكنه من فهم نفسه ونفسية من حوله.

إذاً علينا أن نعمق ثقته بنفسه، ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا عاملناه على أنه شخصية مستقلة لها وجهات نظر ومطالب واحتياجات وحقوق تختلف عن وجهات نظرنا ورغباتنا, فليس بالضرورة أن ما نراه يناسبه يكون كذلك, وبإمكاننا أن نلاحظ ذلك بدقة أكثر وهو يلعب, والمراقبة وحدها لاتكفي من حيث أن اللعب في حياة الأطفال هو فعالية حياتية تامة وقائمة بذاتها وهو كباقي فعاليات الأطفال يبدأ بسن مبكرة.

نساء سورية