24/4/2005

يقول الخبر أن مجلس النواب الإسباني أٌقر تعديلاً لقانون الأحوال الشخصية الإسباني “يجعل إجبارياً تقاسم العمل المنزلي بين المرأة والرجل والعناية بالأطفال والآباء ومن هم في نطاق مسؤوليتهما”، وفق ما أوردت وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء في 21/4/2005.

إنه انتصار جديد، لكن ليس “انتصاراً جديداً للمرأة” كما أشار خبر آخر يشير إلى التعديل المذكور. بل هو انتصار للأسرة. وهذا أهم بما لا يقاس من ذاك.

فمهما تغيرت الظروف، وطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، وطبيعة علاقة كل منهما، وكليهما معاً مع المجتمع، ستبقى الأسرة، حتى وقت طويل لاحق على الأقل، هي المؤسسة الذي يتم من خلالها بناء الجيل الجديد. أو ما يعرف اختصاراً بتربية الأطفال.

فهذا الجنس، أي الجنس البشري، يحتاج مواليده الجدد إلى عدد سنوات طويلاً جداً ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم. وهذه الفترة الطويلة هي مسؤولية الأسرة. ليس وحدها طبعاً، بل بمشاركة فاعلة وداعمة من المجتمع ومؤسساته.

وهي مشاركة تزداد أهميتها يوماً إثر آخر مع تزايد الحرية داخل المجتمع، ومع تشابك الأفكار والتصورات عبر العالم بوساطة الفضائيات وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، ومع تقدم وعي دور المجتمع في تربية أعضاءه الجدد..

وإذا كان لم يعد يمكن للأسرة أن تقوم بمهامها بدون مشاركة فاعلة من المجتمع (أي بتوفير المجتمع للأسرة كل ما يلزم لتربية الأطفال بشكل سهل وفي متناول اليد، كالحضانات النظيفة والصحية والرخيصة، والمراكز الصحية المناسبة من حيث الخدمة والتكاليف، والمطاعم والمغاسل والملاعب و.. الجيدة والرخيصة أيضاً..)، فإنه لم يعد يمكن، أيضاً، للأسرة أن تستمر بتشكيلة العلاقة بين الرجل والمرأة، وبين الأب والأم، وبين كليهما والأبناء، على النحو الذي كان سائداً.

وبعيداً عن تبرير القمع والظلم الذين تعرضت لهما المرأة طوال آلاف السنين الماضية، إلا أن واقع دور كل منهما لعب دوراً أساسياً في جعل هذا الظلم وذاك القمع ممكنين. بينما تغير الآن واقع هذا الدور فيما يخص كلاً منهما.

فلم يعد الرجل هو الوحيد القادر على تأمين دخل الأسرة (والدخل هنا يعني تأمين كافة المستلزمات التي تحتاجها الأسرة لتنجز مهامها بحد أدنى، وهي مستلزمات تتكاثر بسرعة كل يوم، ويتحول الكثير منها يومياً من حقل الكماليات والرفاهية إلى حقل الضروريات والحاجة). بل لم يعد يستطيع، عموماً، تأمين هذا الدخل بعمله وحده. إذ صارت تكاليف المعيشة في بلدان العالم كافة، وفي الريف كما في المدينة، تحتاج إلى عمل الرجل والمرأة حتى يتمكنا، وربما بشق الأنفس، من تأمين هذه المستلزمات. وصار لا بد للمرأة من العمل المأجور حتى يمكن للأسرة أن تقوم بمهامها التي نادراً ما يكون للأب والأم معاً إلا حصة قليلة فيها. بينما تأخذ عملية تربية الأطفال، بمختلف مناحيها، الحصة الكبيرة.

لذلك صار تعديل العلاقة بين الرجل والمرأة في البيت، أي بين الأم والأب، أمراً ملحاً وضرورياً. فالمرأة التي صارت تمضي وقتاً خارج المنزل في العمل، لم تعد قادرة على إنجاز مهام البيت وحدها. ولم يعد من المناسب أن تقوم بذلك حتى إن تمكنت منه.

ورغم أن هناك اتجاه لتقدير عمل المرأة في المنزل، وهو العمل الذي يجري إهماله عادة، سواء من الرجل أو من المجتمع ككل، عاداً ذلك من المهام “الطبيعية” للمرأة.

وهذا التقدير يقدم فائدة مهمة على صعيد الوعي. إلا أن ما يتجه إليه هذا التعديل الجديد في قانون الأحوال الشخصية الإسباني، يبدو أكثر عملية وفائدة.

فبدلاً من “تقدير” العمل غير المأجور الذي تقوم به المرأة في المنزل، وهو تقدير يفتقد إلى آلية مناسبة لترجمته عملياً، يعتمد التعديل هذا على واقع أن الأسرة لا بد لها من الكثير من العمل “غير المأجور” لتتمكن من تأمين دورها.

ولذلك، يعتمد هذا التعديل على إلزام طرفي الأسرة الأساسين:
المرأة والرجل، أو الأب والأم، على تقاسم هذا العمل “غير المأجور” عملياً.

وهذا التقاسم، وإن كان يخفف الكثير من الأعباء عن المرأة بالتأكيد، إلا أنه يقدم فائدة أهم هي أن المرأة- الأم والرجل- الأب يصيران أقدر على بناء أسرتهما نظراً لتوفر آلية تقوم على التشارك، لا على التقاسم، في تحقيق هذا البناء.

والأسرة التي تقوم على التشارك يمكنها أن تقوم بالعمل ذاته الذي تقوم به الأسرة التي تقوم على التقاسم، إنما بجهد أقل بكثير، وبأعباء مادية ونفسية أقل بكثير، وبنتائج أفضل كماً ونوعاًً.

لذلك، قلنا في البداية إن تعديلاً كهذا هو انتصار للأسرة أكثر مما هو انتصار للمرأة. أي أنه خطوة متقدمة لمصلحة جميع الأطراف، الرجل والمرأة. وطبعاً الأطفال والمجتمع.

لسنا نعرف كيف سيلزِم هذا التعديلُ الأزواجَ على التشارك في العمل المنزلي. لكن ما نعرفه جيداً، أن بلدنا من بين البلدان التي تحتاج بشدة قانون كهذا، في ظل تدني الدخل الذي يجبر المرأة والرجل على عمل مأجور خارج المنزل يستهلك الكثير من الوقت والطاقة، وتكاليف معيشة مرهقة، ونقص شديد في نوع وكم المؤسسات المجتمعية المساندة للأسرة، وبالتالي وجود حجم عمل منزلي “مجاني” هائل في كل بيت من بيوتنا.

نساء سورية