30/4/2005
إذا كان للقانون العادل، والقضاء النزيه الذي يسهر على تنفيذه، دوراً بالغ الأهمية في صياغة العلاقات بين مكونات المجتمع (الأفراد بعضهم ببعض، ومع أجهزة الدولة، والمؤسسات على اختلافها..)، فإنه بات واضحاً أن ذلك ليس سوى أول الطريق باتجاه تحقيق خطوة إلى الأمام في العدالة.
أي على العكس مما يطرح الكثيرون من أنه يجب أن يصل (الناس) إلى مستوى معين من الوعي حتى يقبلون هذا التغيير القانوني أو ذاك. وهو ما يستخدم حجة، على وجه العموم، لرفض مقنّع لمضمون هذا التغيير.
إلا أن ذلك ليس سوى الخطوة الأولى المهمة. أما الخطوة الثانية فهي نشر وعي هذا التغيير وتلك الحقوق على أوسع نطاق. وتأسيس إدماجها في الحياة العادية للناس. وهذه مهمة جهات مختلفة تتكامل في عملها.
منها وسائل الإعلام المختلفة. ومنها استخدام المؤسسات العامة كوسائل إعلام معززة بمكانتها الخدمية (كالمراكز الصحية والوحدات الإرشادية الريفية..).
ومنها أيضاً، وربما يكون أهمها، إدماج هذه المفاهيم في المناهج المدرسية، خاصة ما يتمتع منها بدرجة عالية من الثبات. كإعلان حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، وغيرها..
وفي هذا المجال، تعاني مناهجنا الدراسية، في مختلف المستويات، من قصور شديد في التعاطي مع مفاهيم الحقوق عموماً. إذ تخلو الكتب الدراسية لاثنتي عشرة سنة دراسية متواصلة، تشكل قاعدة التعليم في سورية، من أية إشارة إلى مفاهيم حقوق الإنسان بعامة، وما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي القوانين السورية .
كما تخلو من أية عناية بشرح وتوضيح حقوق المرأة، وكذلك الطفل! بينما تستمر، مع القليل من التعديلات، الصورة القديمة للعلاقات الأساسية في المجتمع، ليس بين الرجل والمرأة وحسب، بل بين الأسرة والطفل، والمواطن والدولة أيضاً.
بالطبع، لا يعني إدراج هذه المفاهيم انتشارها في عقول الطلاب، ومن ثم في ممارساتهم. وهي تحتاج إلى تدريب الكادر التعليمي على التعاطي مع هذه المفاهيم بدرجة عالية من المبادرة، لتلائم البيئات الاجتماعية المختلفة في سورية.
إلا أن هذا الإدراج هو خطوة أولى ضرورية لتأسيس جيل يدمج مفهوم الحقوق في حياته اليومية العادية، ولا يستخدمها بصفتها مساعدة قد لا يحتاجها. يتعامل معها بصفتها نمط حياة يتضمن قبوله ودفاعه عن حقه كما عن حقوق الآخرين.
وليس مجرد أداة تستخدم حين تخدم مصلحته وتهمل حين لا تحققها.
وتأسيس هذا الوعي القائم على أن العلاقات الأساسية في المجتمع تحكمها قوانين تحقق مصلحة المجتمع عبر تحقيقها مصلحة كل من أفرادها، واحترامها حقوقه وخصوصيته، هو ما يفتح الباب أمام تحول التغيرات القانونية من تغيرات في النصوص إلى تغيرات في الحياة.