26/6/2005

بقلم: بسام القاضي

لماذا المساواة؟! يبدو سؤالا قديماً.
بل قد يرى الكثيرون أنه صار سؤالا نافلاً في عالم اليوم. إذ طرح الموضوع ونوقش كثيرا في مختلف الأماكن والمستويات ووسائل الاتصال. حتى أن المسألة حسمت تقريباً إلى فريقين:
الأول يدعو إلى المساواة وفق المفاهيم الحديثة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوقية. والثاني يعد المساواة هي ما تم إنجازه سابقاً. بينما تشكل المفاهيم الحديثة غزوا ثقافياً لنا.

ما نود الإشارة إليه هنا ليس هذا الخلاف، بل تحديدا تلك المبررات التي تساق للبرهان على حق المرأة بالمساواة. وهي براهين يعتمدها الفريق الأول بكثرة.

وهي تستند دائما إلى تقديم الحجج على أن المرأة قادرة على القيام بما يقوم به الرجل، بل والتفوق عليه أحياناً! وهي صيغ نادرا ما نفتقدها في مختلف المقالات التي تتحدث حول هذا الأمر.

الخطأ، برأينا، هو هذا البرهان تحديداً. فمسألة المساواة لا تتعلق أبدا بقدرة المرأة على القيام بما يقوم به الرجل. وأصلاً، يبدو من غير الطبيعي أن تستطيع المرأة القيام بكل ما يقوم به الرجل.

كما من غير الطبيعي أن يستطيع الرجل أن يقوم بكل ما تقوم به المرأة. والأمر لا يتعلق فقط بتلك الأمثلة المتعلقة بالقوة العضلية الذكورية الكاسحة، ولا بالميزة الخاصة بإمكانية المرأة على الحمل.. بل يتعلق بالكثير من أوجه الحياة المختلفة: النفسية والاقتصادية والاجتماعية.

يبدو لنا أنه من الطبيعي أن تؤدي الاختلافات البيولوجية إلى قدر غير متساو من الاختلافات في الإمكانيات الاجتماعية والنفسية. ونقول “اختلاف”. والاختلاف غير خاضع لمقياس الأكثر والأقل، ولا الصح والخطأ. كما أن الصفات الشخصية البيولوجية الخاصة بكل فرد على حدة، ذكرا كان أو أنثى، تلعب هذا القدر أو ذاك من التأثير على إمكانيات هذا الفرد أو ذاك في حياته برمتها.

وإذاً فإن الانطلاق في فكرة المساواة من القاعدة المعتادة هذه، أي تأكيد قدرة المرأة على القيام بما يقوم به الرجل، يبدو لنا انطلاقاً خاطئاً.

ففكرة المساواة بين الرجل والمرأة لم يكن من الممكن أن تطرح، أو أن تلقى أي صدى ذو معنى، قبل بضعة قرون من الزمان. ولذلك لا نجد في تاريخ الشعوب أي حديث ذو معنى عن هذه المساواة. فهذه فكرة نشأت بناء على معطيين أساسيين:

الأول: التغيرات الاقتصادية التي جلبها الإنتاج الآلي الضخم (الراسمالية) والتي أدت إلى تحطيم الاقتصاد المنزلي، وبالتالي إلى تمييز العمل وفق إمكانيات الشخص الذي يقوم به. وهو ما أدى عمليا إلى نزع الصفات الأخلاقية عن الأشخاص، وتعريتهم بصفتهم قوة عمل وحسب. هذه التغيرات أدت إلى أن كل إمكانية هي حاجة اقتصادية لها مكانها في العمل.

والثاني: وهو ناجم عن الأول، أن التغيرات تلك، وخاصة بعد استقرار النظام الرأسمالي نسبياً، فتحت، لأول مرة في التاريخ، إمكانية وعي فكرة المساواة هذه، كفكرة من أفكار من تطور الفهم البشري لحقوق الإنسان. أي تطور الحضارة.

وهذين المعطيين هما ما نستند عليه في القول إن المساواة ليست نابعة من تساوي إمكانيات الرجل والمرأة. بل نابعة من درجة التطور الحضاري التي وصلناها، والتي تسمح لنا بتحييد قسم كبير من موانع هذه المساوة (الخدمات الاجتماعية المختلفة من دور الحضانة والمدارس والمطاعم و..

إضافة إلى التقدم الصحي وما أفرزه من خدمات تحيد المعيقات المتعلقة بالدورة الشهرية والحمل.. إضافة إلى تغير اعتماد العمل من العمل العضلي إلى العضلي البسيط والذهني..). وهذه الدرجة تتضمن أيضاً وعينا الخاص الجديد بكل ما يتعلق بحقوق الإنسان، وبضمنها مفهوم مساواة المرأة بالرجل.

هذه المساواة، إذا، تستند إلى وعي حضاري جديد يعتمد الإنسان أساساً. وليس أية صفات ثانوية أخرى كاللون أو اللغة أو الدين أو الجنس.

المسألة إذا أن مطلب مساواة المرأة بالرجل تعتمد كليا على مبدأ أن كليهما ينتمي إلى الجنس البيولوجي نفسه: الجنس البشري. أي أن كليهما ينتمي إلى “الإنسان”. وأي تمييز يستند إلى أية صفات ثانوية في هذا الجنس، هو تمييز مضاد ومناهض لحقوق الإنسان. وكل ما تبقى هو مجرد إضافات على هذه القاعدة الأساسية.

ويبدو لنا أن تأكيد أولوية هذه القاعدة في مطلب المساواة، ليس من باب المحاججة ولا الرفاهية الثقافية، بل لأنه السبب البسيط والحضاري الذي يجب أن يكون معيارا في مجمل تفكيرنا. كما أن عقودا من النضال من أجل المساواة، في مختلف بلدان العالم، أكدت أن جميع الحجج الثانوية قابلة للنقض دائماً، وليس دائما دون وجه حق.

أما أن المرأة والرجل، كليهما ينتميان إلى “الإنسان”، ولا يجوز التمييز بين أي من المنتمين لهذا الجنس، إلا على أساس الكفاءات الفردية، فهي الحجة الأساس التي لا يمكن لأحد نقضها دون أن يقع في تناقض أساسي مع وجوده ذاته.

نساء سورية