3/7/2005

ليست الجهات والمؤسسات الرسمية وحدها التي لا تحتمل النقد. بل يبدو أيضا أن الكثير من منظمات المجتمع المدني، منظمات وجمعيات ولجان وتجمعات، ترفض أي شكل من أشكال نقد عملها، محتجة دائما بأن ذلك يصب في خانة الذين لا يريدون لها أن تكون! أو مرجعة الأمر، في أحسن الأحوال، إلى أنها ما تزال جديدة ولا يجب نقدها الآن!

والغريب أن هذه المنظمات التي عانت الأمرين من حرمانها من حق التعبير علانية عن رأيها، تمارس ذات الحرمان بحق الآخرين. سوى أنها لا تمتلك الأدوات الملائمة “لتنفيذ” هذا الحرمان. فتكتفي، مجبرة بإقصائه وحرمانه من “رعايتها” المعنوية.

كلنا يعرف ظروف الواقع، الحي والقانوني، التي حرمت مجتمعنا من إمكانية تكوين وترسيخ تراث في العمل المؤسساتي الديمقراطي. إلا أن هذا لم يعد كافيا لتبرير واقع حال منظمات هذا المجتمع، بعد خمس سنين تقريباً من بدء استعادتها لحيويتها بهذا القدر أو ذاك. وخاصة منذ عامين تقريباً.

هذا عدا عن أن المسائل الأساسية في عملها تكاد لا تتعلق بهذا الظرف قدر تعلقها بمدى مأسسة عملها من انفلاشه و”شخصانيته” التي تلحقه بهذا الشخص أو ذاك، دون العمل على تحويل المبادرات الشخصية إلى قواعد وآليات عمل تعمل على تنظيم هذا العمل واستثماره في طاقته القصوى.

وغياب المؤسساتية هذا، يبدو أنه أهم ما يعتري اليوم هذه المنظمات. وهو، في الوقت ذاته، أكثر ما تحتاجه. ويتجلى هذا الغياب في ممارسات يومية على كافة الصعد. إذ يكفي أن “يزعل” فرد ما من آخر، أو من جهة أخرى، حتى يتم إقصاء هذا الفرد أو الجهة! ويكفي أن يفكر أحد بأن الأمر يجب أن يكون على هذا النحو، حتى يصير كل ما يختلف معه “خاطئ” وخارج السياق! وربما الأهم في ذلك،

أن كثرة من هذه التجمعات والمنظمات تدور حول شخص واحد أو قلة قليلة من الأشخاص، لا يشكلون قيادة بالمعنى الدقيق للكلمة أكثر مما يشكلون “احتكاراً قيادياً”. احتكارا يتم التعبير عنه ببساطة “بدعم” من يرضون عنه، وتهميش من لا يرضون عنه. مع أن المرضي عنهم وغير المرضي عنهم يكادون يتشابهون في أنهم خارج سياق أي تراكم خبرات. وهذه الأخيرة التي تحتاجها منظمات هذا المجتمع حاجة ماسة، هي أكثر ما يظهر غياب المؤسساتية فيها.

إذ يبدو أن (السفرات، والورشات، والظهور الإعلامي وغير الإعلامي..) جميعها من نصيب هؤلاء القياديين والقياديات فقط! وفي أحسن الأحوال من نصيب من “يعجبهم”! دون أن يكون هناك أية آلية واضحة لا لتدريب الآخرين وإدماجهم في العمل، ولا لانتخاب وفرز الكفاءات المناسبة! كما أن هذه الجهات التي كثيرا ما تطالب الآخرين بالديمقراطية والشفافية،

لم تقدم لنا أمثلة عن هذه الديمقراطية والشفافية! إذ نكاد لا نسمع عن اجتماعات دورية نظامية! وفي حال عقد اجتماع ما، فإنها يكون أشبه بالاجتماعات السرية! ولا يتمكن أحد من معرفة ما دار بها إلا إذا كان هناك من لم يعجبه شيء فيها، وشرع يتحدث به علنا من باب “الجكر”! كما لا يبدو أن هناك من يفكر بمناقشة تقرير مالي، أيا كان محتواه! عدا عن أن فكرة نشره علنا تبدو فكرة أقرب إلى الخيال! في الوقت الذي تكاد كلمة “شفافية” لا تفارق خطاب أي منها!

يبدو لنا أن الشروع في ترجمة مفاهيم الديمقراطية والمأسسة في عمل منظمات المجتمع المدني بات حاجة ضرورية وأساسية. ليس فقط لتقديم مثال حي وعياني عما تطالب به. بل أولاً لتجاوز حالة الشلل الناجمة عن أشكال الاحتكار الكثيرة السائدة اليوم، التي تحرم الكثير من الكفاءات الكامنة من إمكانية اكتساب الخبرات ومراكمتها، كما تحرمها من أوجه الظهور المختلفة التي تساهم مساهمة فاعلة في الاستفادة من هذه الكفاءات وصقلها.

ونعتقد أن هذه الترجمة تحتاج أولا إلى “قوننة” عمل هذه الجهات. عبر اجتماعات دورية لا تتأجل بسبب “ظروف شخصية” لهذا أو لذاك. أو تلغى لهذا الاعتبار أو ذاك. ولا بد أن تكون هذه الاجتماعات علنية. ولا تنفع هنا الحجج “الأمنية”. فجميعنا يعرف أن أجهزة الأمن تعرف وتتابع عمل هذه المنظمات والجمعيات أول بأول دون أن يخفى عليها شيء من التفاصيل.

كما تحتاج إلى وضع آليات تمنع احتكار “الامتيازات”. أي تمنع أن تكون حق الحصول على الخبرات والمشاركة في الندوات والورشات والمؤتمرات حكر على بعض أعضائها. وآليات تسمح لذوي الكفاءات بالتقدم في العمل ليس ميدانيا فقط، بل أيضاً في قيادة العمل والمشاركة بصنع قراره.

أما في الجانب المالي، وهو أكثر الجوانب خطورة وإمكانية فساد وإفساد، فلا بد من إيجاد قواعد وآليات ديمقراطية وشفافة، أي علنية حقاً، تسمح لأي كان، وليس للدائرة الضيقة فقط، بالمحاسبة.

ومحاولة تلبيتنا هذه الحاجات لا يمكن لها أن تسير سيرا حسنا ما لم نتخل أولا عن “حساسيتنا” الفائقة نحو النقد. بل إعلان حاجتنا الماسة لهذا النقد ممن أتى وكيفما كان اتجاهه، والتعامل مع هذا النقد بعلانية تامة بعيدا عن أي شكل من أشكال النفي والاتهام. .

نساء سورية