10/2/2006

بقلم: بسام القاضي

يبدو أن الدور (النظري) للجمعيات المدنية، خاصة الناشطة في قضايا المرأة والطفولة، استطاع أن يسود لفترة طويلة سابقة. تحت ضغط واقع الحاجة الشديدة لتأسيس نظري في هذه المجالات، وتحت ضغط قصور الكثير من القوانين التمييزية ضد المرأة والطفولة، والتي تعتمد الذكر سيداً شبه مطلق، بالتناقض مع الدستور السوري، ومع الاتفاقيات العالمية التي وقعت عليها سورية، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأيضا بالتعارض مع جوهر وروح الشرائع السماوية التي اعتدت بالإنسان، لا بالذكر، ولا بالسيد.

إلا أن غياب الجانب الآخر، الجانب الميداني، يبدو لنا غياباً يصير أكثر خطورة مع كل يوم. إذ من الواضح أن عناية قليلة جداً، إذا وجدت، تعطى لهذا الجانب. والمقصود بالجانب الميداني، كل ما ينضوي تحت توسيع البنية التنظيمية لهذه الجمعيات، وإقامة فعاليات مختلفة تتجاوز الاحتفاليات وتستهدف العلاقة المباشرة مع الناس. وهي مساحة واسعة من العمل في الواقع لا يمكن تحديدها بأسطر. وخاضعة إلى إمكانيات كل جهة على حدة، والإمكانيات المشتركة لهذه الجهات.

وإذ نعتقد أن هناك ظروفاً موضوعية عدة ساهمت في هذا القصور، وبعضها ما يزال يساهم بهذه الدرجة أو تلك، إلا أننا نعتقد أن إمكانيات هذه الجهات على العمل لم تستنفذ بحيث يمكن إلقاء اللوم كله على الواقع. وبعضها ما يزال بعيدا جداً عن استنفاذ إمكانياته. وهذا يتضمن إمكانيات الواقع المتاح أيضاً. ذلك أن غياب قانون جمعيات ديمقراطي وعصري، والتدخلات المختلفة في عمل الجمعيات، والحصار المادي.. وغيرها هي معوقات لمستوى من العمل مازال بعيد إلى حد ما عن المستوى الذي نعمل به. وما يزال أمامنا طريق طويل قبل أن نصطدم به جدياً.

ولا نعتقد أننا نعبر عن تفاؤل غير مبرر في هذا الأمر. أو نرسم صورة مفارقة للواقع. وهو ما لمسناه عمليا خلال الأشهر الماضية. كما أنه من الضروري إعادة التذكير بمقولة بسيطة وشهيرة هي أنه لو كان الواقع على ما يرام، لما كانت هناك حاجة لعملنا أصلا.

إذا لا نرى مبررا لتضخيم المعوقات ووضعها في صورة أنها تمنعنا من القيام بأي عمل.

وإذ نوجه هذا النقد، فإننا لا نستثني موقع “نساء سورية” من بعض أوجه هذا القصور. إلا أن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى أن هذا القصور بات شديد الخطورة في واقع لم تعد فيه الكلمات وحدها تفعل الكثير بعد أن تراكمت الكثير من المشاكل خلال عقود طويلة تغير فيها الواقع الاقتصادي، وواقع العلاقات الاجتماعية بين الناس من حيث الأساس، دون أن يرافق ذلك تغير مقنون في العلاقات ذاتها وفي حقوق وواجبات كل من الأطراف المعنية.

وفي واقع يتكاثر فيه الذين يعتقدون أن العمل المجتمعي برمته، وخاصة العمل في قضايا المرأة والطفولة، هو احتكار حصري لهم. وكل من يتعدى على هذا (الاحتكار) يجب أن يهاجَم بشدة وقسوة وصلت عند البعض حد إطلاق اتهامات لا تعبر سوى عن العقل المغلق الذي يحملونه، وعن غياب أي حس تاريخي بما يعتري العالم من تغيرات تشير أولا إلى أن أحدا لم يعد يستطيع أن يحتكر المعرفة أيا كانت الصفات التي يطلقها على نفسه.

وشديد الخطورة أيضا لأن إنذارات مهمة تظهر اليوم في المجتمع تشير إلى أن أزمات متعددة تتراكب.. قانونية واجتماعية وفكرية، وتحتاج إلى فعل ميداني للعمل عليها وتفكيكها كأزمات..

ونحن نعتقد أن ما يلجأ إليه البعض من اتهامات يكيلها لمن يعمل في قضايا المجتمع من خارج مظلتهم، هي أمر طبيعي في مجتمع أمضى زمنا طويلا في إهمال قضاياه الاجتماعية لصالح السياسة والاقتصاد.. ولا يجب أن نذهب إلى تلك الساحات التي لا تؤدي إلى نتيجة سوى أن تضيع علينا الجهد والإمكانيات وتغرقنا في متاهات المهاترات. بل إن واجبنا هو أن نستمر في العمل مركزين دائما على أن الحوار هو مبدأنا الأساسي في هذا العمل.

وإذ نقول الحوار، نعني كل من يرغب بالمشاركة في هذا الحوار دون إقصاء أحد حتى أولئك الذين يعملون على إقصائنا. فواحد من أسس عملنا يقوم على أن غياب مثل هذا الحوار لزمن طويل راكم الكثير من سوء فهم الأطراف جمعيها بعضها لبعض. وأدى إلى اصطفافات نادرا ما عبرت عن اختلافات جوهرية في الآراء. ولا يضير ذلك بشيء أن يكون هناك من لا يمكنه الارتقاء إلى مستوى الحوار. فذلك قائم أيضا في جميع المجتعات وعلى مر التاريخ.

ووجود هذا البعض المغلق والرافض لأي شكل من أشكال الحوار لا يجب أن يغمض أعيننا أو يدعنا نهمل أن جهات كثيرة أخرى، وأفرادا، لم ترتق إلى مستوى الحوار وحسب، بل قدمت وتقدم إضافات هامة في معالجات مسؤولة وعميقة لقضايا مجتمعنا.. مساهمات نعتقد أنه سيكون لها بالغ الأثر في صياغة حلول أو مشاريع حلول أكثر ملاءمة لواقعنا، وأكثر ثباتاً واستقراراً.