6/7/2006

الكاتب رهادة عبدوش

كثيرة هي الاحتفاليات في بلادنا، والمؤتمرات وورش العمل التي تبذخ لأجلها أموال تكاد تغطي عملياً الحاجيات الأساسية التي من أجلها تطلق هذه الاحتفاليات والمؤتمرات وورش العمل. وهذا لم يعد بخاف على أحد. بل حديث متكرر في أوساط عدة.

ورغم هذا الواقع، ما زلنا ننظر إلى هذه النشاطات على أنها ضرورية لإنجاز بعض المهام، خاصة اللقاءات والنقاشات التي قد تساهم في تطوير الرأي، وبالتالي تطوير تطبيقاته على الواقع. وكذلك تلك التي قد تؤدي إلى إيصال الفرقاء إلى نقطة التقاء تساهم في إلزام المسؤولين بفعل شيء مناسب أو اتخاذ قرار ضروري.

أما أن تكون بعض تلك اللقاءات والمناسبات مجرد (وجهنة)، بمعنى أن تصير تصويراً لحالة غير حقيقية من ضحكات وسلامات وتوافقات وإنجازات “ضخمة”، فهذه قضية أخرى!

وهنا دور الإعلام الحقيقي في تسليط الضوء على الايجابيات منها والسلبيات. الإيجابيات بهدف الترويج لها وإظهارها وتعزيزها وتطويرها، والسلبيات بهدف التنبه لها ودراستها والبحث عن أسبابها وسبل تلافيها. فلا يكون الإعلام شريكاً في ذلك التزلف والضحك على اللحى! وهذا يبرز مدى صدقه ومدى أحقيته في أن يكون صوتاً للآخر.

والبعض لا يدرك أهمية هذا الدور، أو لا يريد أن يدرك أهميته، لا يرون فيه سوى “عداء” شخصي! فهو، بالرغم من أنه أظهر وجوههم الجميلة، لكنه عرّج على بعض “الشامات”! وهذا ليس لأنهم يعتبرون عملهم كاملاً (ولا كمال في العمل)، بل (بحسب رأيهم) بسبب وجود “دوافع شخصية” خلف هذا النقد أو ذاك! وربما أن المنتقدين شركاء أيضاً في “المؤامرة”!

للأسف أن هذا ما حدث عندما التقطنا في موقع “نساء سورية” (اقرأ المقالة..) بعض النقاط السلبية في احتفالية يوم الطفل العالمي التي أقيمت في ملعب العباسيين بدمشق. حيث وجهت إحدى الجهات المنظمة لهذه الاحتفالية، إلى كاتبة الموضوع اتهامات صريحة أن ما كتبته من سلبيات رأتها في الاحتفالية، مع أنها قليلة بالنسبة للايجابيات، كتبته بدوافع شخصية وضغينة مبيته! والغريب أن المقالة، بدءا من عنوانها، مروراً بالصور المنشورة ضمنها، وحتى السطور الأخيرة فيها تظهر أهمية الاحتفالية ودورها! لكن الجهة المعنية لم تر سوى تلك الأسطر التي تشير إلى سلبيات اعترت الاحتفالية! ولكان مما يسرنا لو أنهم قرؤوه وناقشونا به! أو اعترضوا عليه من باب أننا أخطأنا في رؤية هذا الأمر أو ذاك، أو فهمه أو تقدير أسبابه! لكن لا. لقد قرؤوه فقط على أساس أنه (هجوم مبيت) ضدهم! ويعلم الله أية أهداف شريرة في نفوسنا ضدهم وضد عملهم!

لا بأس. لن نحمل الموضوع أكثر مما يحتمل. لكننا نؤكد مرة أخرى أننا نعمل جدياً على ما نتابعه ونكتب عنه. وحين نمدح أو ننتقد لا نضع نصب أعيننا، بإطلاق، مدى “رضى” أو “زعل” فلان أو فلانة، شخصاً كان أم جهة! بل نعتمد فقط مدى اقترابنا أو ابتعادنا عما نراه صحيحاً. ودافعنا في ذلك أن لا تكون احتفالاتنا، أو أي من نشاطاتنا، مجرد صور خيالية تبعث على الفرح والاطمئنان بأن كل شيء كامل.

يجب أن نتقبل النقد أياً كان. حتى حين يكون فعلاً لأهداف “مبيتة”. فإذا كنا نعمل حقاً من أجل المجتمع، فإن أول واجباتنا هو السعي وراء أية ملاحظة مهما كانت وأياً كانت دوافعها. فلعل ملاحظة لا يقصد بها سوى الإساءة، تقدم لنا تطويراً لا يخطر على بال. ويمكننا في “نساء سورية” أن نؤكد أن مثل هذا النقد “المبيت” لعلب دوراً إيجابياً في تطوير عملنا أضعاف ما لعب النقد الآخر. لأنه كان عارياً وواضحاً وحاداً بما يكفي ليمنحنا فرصة رؤيته جيداً وبوضوح ساعدنا على تجاوز هذا الخطأ أو ذاك.

ولعل انتقاداً من هذا النوع يكون، أحياناً، أهم من عشرات من الندوات والأوراق المصاغة “منهجياً”! وهذا، طبعاً، لا يعني أن ما نقدمه من نقد، أو يقدمه غيرنا، هو صحيح دائماً. لكن الصحيح بإطلاق هو أن الخطأ لا يرد عليه إلا بالحجة والبرهان. لا بالتشكيك الذي ولى زمنه، وبات يعيب قائله فقط دون أن يترك أي أثر على الموجه إليه.

وبكل الأحوال، نؤكد مرة أخرى أنه لن يكون مما يشغلنا أبداً استرضاء هذه الجهة أو تلك تحت أي مسمى. فنحن نرى أن رؤية السلبيات هي البوابة الأهم لتطوير الإيجابيات وتأكيدها وترسيخها. ولن نكون أبداً في جوقة المصفقين إلا حين نعتقد حقاً أن شيئاً ما يستحق أن نتعب أيدينا بالتصفيق! وحتى في هذه الحال، سيكون هناك متسع دائماً لنرى، ونقول علنا ما نراه من سلبيات.