24/9/2006

الكاتب بسام القاضي

المقطع الأول من العنوان هو عنوان الصفحة الأخيرة من كراس مصور أصدرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة بعنوان “اتفاقيات دولية وأطفال”، سعى عبر صفحاته الملونة بالدم الأحمر القاني أن يقدم بالصورة ومقاطع الاتفاقيات الدولية دليلا حاسما على همجية إسرائيل في حربها المدمرة الأخيرة على لبنان. الصفحة الأخيرة التي حملت مقطعا من القرار الدولي 53/25 المتعلق بثقافة السلام واللاعنف، تعلوه صورتين لأطفال إسرائيليين يكتبون على الصواريخ الذاهبة لقتل الأطفال في لبنان “إهداءاتهم”.

ولعل التركيز على الاتفاقيات الدولية وعلاقتها مع الخروقات المتعلقة بالحروب، وبالسياسة بشكل عام، باتت حاجة ضرورية في ظل غياب المعايير القانونية الإنسانية في الكثير من بقاع العالم، الساخنة منها والباردة. وفي هذا الإطار، فإن كراساً كهذا قد يكون مهما فعلاً.

لكن المفاجئ، بل الصاعق إن صحت الصفة، هو تلك الصور التي اعتمدها الكراس في برهانه على تلك الهمجية! ولن نعيد هنا وضع تلك الصور، فالكراس متوفر لدى الهيئة، ويمكن لمن يرغب أن يطلبه إذا كانت قد فاتته أي من الصور الفظيعة التي لم تقصر وسائل الإعلام عن نشرها، ضاربة عرض الحائط بنصوص الاتفاقيات ذاتها التي تضمنها الكراس!

وحتى لا يكون حديثنا نظريا فقط، في ظل إصرارنا على عدم نشر تلك الصور، فقد نصت الفقرة المنشورة على الصفحة الأخيرة، من القرار الدولي 53/25 على :”إن الأمم المتحدة إذ تشدد على أن ثقافة السلام واللاعنف، ينبغي أن ينبع ترويجها من الكبار وأن تغرس في الأطفال…”! ولعلنا لا نحسن القراءة، لكننا لم نقرأ في النص المذكور، ولا في القرار المنشور على موقعنا، ولا في أية اتفاقية دولية أو إقليمية أن نشر صور على هذا القدر من العنف والبشاعة، للدلالة على همجية الآخر وخرقه للاتفاقيات الدولية، يدخل في إطار “نشر ثقافة السلام واللاعنف”! أو يساهم في نبذ العنف! أو يحمي أطفالنا من العنف! ونحن نتحدث هنا عن صور وجوه أطفال محترقة، وجثث مشوهة ومنتفخة، ودم يملأ الوجوه، وأشلاء مبعثرة، وجثامين لأطفال يعرضون على الكاميرا بأبشع أسلوب ممكن!! وهذه الصور احتلت مساحة /15/ صورة من أصل /27/ صورة تضمنها الكراس بما فيه غلافيه!

وبكل صراحة نوجه سؤالنا إلى خبراء وخبيرات الهيئة السورية لشؤون الأسرة، الذين واللواتي يدرسون ويناقشون ويعقدون الندوات والمؤتمرات ويعدون الاستراتيجيات، عن رأيهن بهذا الأمر! ليقلن لنا علناً إن نشر هذه الصور يخدم ثقافة اللاعنف! أو يساهم في حماية الأطفال من العنف! بل فقط ليقولوا لنا، خبراء نفسيين واجتماعيين وقانونيين وإعلاميين، إن هذا الكراس ليس تكريساً آخر للعنف تحتى مسمى مناقض تماماً لمضمونه؟!

نعم! وبكل أسى نقولها: إن الكراس لم يفعل سوى أن مارس بعض ما يدينه! أي أنه لم يأخذ بالحسبان أن أغلب الصور التي نشرها ضمن هذا الكراس، لاتنتمي ولا تنسجم، ولا يقرها أي بند من الاتفاقيات الدولية التي نص عليها الكراس! ولا أية شرعة لحقوق الإنسان! ولا أية دراسة في علم النفس أو علم الاجتماع! بل شكل الكراس فقط مسارعة غير مفهومة للدخول في اللعبة ذاتها التي دخلت فيها الكثير من وسائل الإعلام العربية! وإذا كان هذا مفهوماً، دون أن يكون مقبولا بشكل من الأشكال في وسائل الإعلام، فإنه من المفارق حقا أن تقوم به الهيئة السورية لشؤون الأسرة، التي يشكل العمل على نشر ثقافة السلام واللاعنف، ومكافحة كافة أشكال العنف ضد الأطفال، وعلى رأسها العنف الإعلامي، أحد أهم بنود أعمالها! ولا نفهم إطلاقاً كيف تنجر الجهة التي يفترض أن تكون الأكثر معرفة وخبرة، والأكثر حرصا على حقوق الطفل بمختلف تجلياتها، إلى مثل هذا الخطأ؟!

وأيضا هنا لن نعيد ما قلناه في افتتاحية سابقة (اقرأ الافتتاحية: نداء إلى الإعلام العربي: أوقفوا بث هذه الصور االمريعة!)، لكننا نود فعلا أن لا يبقى هذا الأمر مجال تجاذب لأسباب ليست مصلحة الطفل العليا بإطلاق في أي مستوى من مستوياتها. بل فقط مصلحة أخرى هي مناقضة كلياً لمصلحة الطفل، بل على حسابه مباشرة! ولا أظن أن أحداً سيقول إن هذه الصور يمكن لها أن تشجب العنف! بل في الواقع إنها تخلق، إضافة إلى كل التشوهات التي سبق أن تحدثنا عنها مراراً، حقداً آخر!