3/1/2008

يبدو أن المسؤولين عن الإنترنت عندنا مصرون دائماً وأبداً على إشعارنا بالقرف بدلاً من تحسين جودة خدمات الشبكة العنكبوتية.

من السخف القول أن حجب موقع Facebook العالمي كان مفاجئاً. بل إن الحجب أصبح من بديهيات الإنترنت في سورية. حتى أننا حين نفشل في تصفّح أي موقع، بغض النظر عن محتواه، ولأي سبب كان، فإن أول ما نفكر به هو أن الموقع قد حُجب، وذلك قبل أن يتبادر إلى أذهاننا أية احتمالات تقنية أخرى تسببت في عدم تحميل الصفحة.

لكن الجديد في الأمر الآن هو أن الحجب أصبح يطال مواقع اجتماعية كالـ Facebook . وهذا الموقع، لمن ليس لديه فكرة عن عنه، هو عبارة عن ساحة اجتماعية مخصصة للتواصل بين البشر حول العالم أسسه طالب جامعي أمريكي عام 2004 وتطوّر بسرعة ليتحول إلى أحد أهم مواقع التواصل وإنشاء المجموعات الإلكترونية ذات التوجهات المشتركة بعدد مشتركين يفوق الـ 60 مليون مستخدم حول العالم، منهم بضعة آلاف سوريين.

لن نأتي بشيء جديد عندما نقول أنه أصبح واضحاً أن توجه الحجب لا يطال، سوى بخجل، المواقع الإباحية الشهيرة التي يبدو أنها لا تشكل خطراً على شباب سورية مقارنة بالخطر الداهم لمجموعات على الـ Facebook تهتم بـ “دمشق عاصمة الثقافة العربية” و “مهرجان دمشق السينمائي” أو مجموعات هدفها محاربة الطائفية وجرائم الشرف” وغيرها.

يبدو أن منتدى “شببلك” (الذي حُجب أيضاً مؤخراً، قبل أن يعاد فتحه بعد حذفه للمواد التي حجب بسبب نشرها) أكثر خطراً من مواقع عربية تروج للدعارة وسفاح القربى وتجارة الرقيق. وكأنهم يقولون لنا اكتبوا في منتديات الأدب الإيروسي باللغة العربية، والتي تتكاثر كالفطور، بدلاً من الحديث عن فن النحت في مجموعة الفنان فارس الحلو على الـ Facebook.

التبرير شبه الرسمي المتوافر لعملية الحجب هذه والذي تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، وأوردته غالبها في باب الطرائف، هو أن هذا الموقع يستخدم لتسلل إسرائيلي وللتعرف على أمزجة السوريين وطرق تفكيرهم وأنماط حياتهم.

يا للعار… من الصعب أن نصدق أن المسؤول عن الحجب أميٌّ في المعلوماتية… أو لا يفقه شيئاً عن الإعلام الإلكتروني. لنصدق أنه قد غاب عن ذهنه وجود مئات المواقع الإلكترونية التي يمكن من خلالها التعرف على أمزجة السوريين. ولن يفيده هذا الحجب في شيء سوى بالإمعان في تشويه صورة بلدنا في أعيننا أولاً وأعين الآخرين ثانياً كونه لا يحتمل الفكر والكلمة، فما بالكم بالعمل والنشاط على أرض الواقع.

لكن هذا الحجب بالتأكيد سينجح (مع غيره من قرارات بهذا المستوى من الغباء) في جر اسم سورية أيضاً وأيضاً إلى ذيل قائمة تقرير التنمية البشرية في العام المقبل بعد أن حققت هذا العام وبجدارة المرتبة 108. عزّ على بُلهاء الحجب وغيرهم (ممن لأفعالهم بالغ الأثر على مثل هذه التصنيفات) أن تسبقنا زامبيا وهندوراس ومنغوليا إلى ذيل القائمة! ولتذهب إلى الجحيم خطط التحديث والتطوير ونشر المعلوماتية (دون معلومات) والمقررات الباهتة للمؤتمر الدولي لتكنولوجيا المعلومات الذي لم يجف حبر مقرراته وتوصياته بعد والذي عُقد في اللاذقية منذ أسابيع دون دعوة قسم الحاسوب في جامعة تشرين!!!!

يبدو أنهم لا يستفيدون من مثل هذه المؤتمرات سوى باستيراد طرق وبرامج جديدة لتشديد الحجب. فلربما نستفيد من خبرة السودان في حجب المواقع التي تتحدث عن دارفور وتفيدنا في نقل التجربة، بعد تحويلها إلى نمط اقتصاد السوق “الاجتماعي الموجه”!. متعامين عن أنهم مهما فعلوا، لا بد من خيار في الفضاء المعلوماتي للتعبير عن أفكارنا وأحلامنا وأمزجتنا بطريقة، لا زالت عقولهم الصغيرة غير مؤهلة بعد لمجاراتنا بطرق تنفيذها.

لكن للأمر وجه إيجابي، أن هذا الرقيب، يدرك بكل ملكاته العقلية أن وسائل الإعلام السورية الرسمية، بما فيها التلفزيون والإذاعة والصحف….إلخ ومواقعها على الإنترنت لا تعبر عن أمزجة الشارع السوري، وإلا لكان حجبها حرصاً على الوطن من المتربصين ضدنا خلف المنتديات الشبابية التي تحولت إلى المتنفس شبه الوحيد للشباب السوري في الداخل. إذن فلنغلق كل ما يعبر عن شخصيتنا وهويتنا ولنمثّل دور الآغبياء كي نخدع العدو. ولنوهمه أننا متخلفون ولنلغي خدمة الإنترنت من أساسها.

فلتفهموا… يا من تخشون الكلمة وتهابون الأفكار الحرة… أننا لا نريد من يحمي وطننا سورية من برامج ومواقع و تفكير..