27/4/2008

نشر موقع “سيريانيوز”، في إطار “مواضيع الحوار” مادة بعنوان: “المطلّقة الحاضنة ومأساة النفقة والسكن في القانون السوري”، وهي في الإجمال مادة تناقش موضوع النفقة وسكن الحاضن آخذة بالحسبان جملة اعتبارات صحيحة. إلا أن المادة تضمنت إشارة إلى أن: “لكن في المقابل يحذّر بعض الحقوقيين من الإسراف في التركيز على حقوق المرأة، الأم والمطلقة والحاضنة،

وزيادة الأعباء على كاهل الأب، فمعظم الآباء في مجتمعنا لن يكونوا قادرين على تأمين مسكنين، أحدهما لطليقته والأولاد، والآخر لنفسه ولزوجته الجديدة على الأغلب، كما قد يصعب على الكثير من الآباء المطلقين في مجتمعنا أن يلتزموا بمصروف منزلين، منزل الطليقة والأولاد، ومنزل الزوجة الجديدة وأولادها أيضاً.”. وهو ما نرغب بالتعليق عليه.

إذ إن هذا الرأي يستند كليا على اعتبار أن الرجل هو “السيد” الذي لا تمس امتيازاته، ومن ثم فإنه لا بد من الأخذ بالحسبان الظروف الحالية الصعبة لهذه “السيادة”! فالواقع أن مشكلة سكن الحاضن والنفقة لا تتعلق أبدا بالإسراف في التركيز على حقوق المرأة، وهي صيغة باطلة طبعا من وجهة نظر حقوق الإنسان والمواطنة، إذ تتضمن القول بأنه لا بأس من اضطهاد المرأة والتمييز ضدها إذا كان غير ذلك سيتبب بوضع صعب للرجل؟ وهو قول مستغرب من حقوقين يفترض أن تكون المساواة بين البشر، بغض النظر عن العرق والدين والجنس..، هي أساس كل عدالة.

مشكلة سكن الحاضن تتعلق أصلا بموقع المرأة من الأسرة. فهي، وفق القوانين السورية، مجرد خادمة منجبة. وليس أدل على ذلك من أنها عند الطلاق، والنفقة وسكن الحاضن لا تكون إلا عند الطلاق، ترمى خارج البيت دون أن يكون لها أي حق فيما بنته طوال مدة زواجها، حتى إن كان يوما واحدا. والذين يحتجون بأن الكثير من هؤلاء النساء عاطلات عن العمل نقول أن العمل المنزلي يساوي، إذا قيمناه نقديا، أكثر مما يحصل كبار المدراء والوزراء في سورية. وبالتالي فهذه حجة مردودة عليهم.

من جهة أخرى، فإن سكن الحاضن ليس، في الأصل، موضوعاً متعلقا بالمرأة. بل هو موضوع متعلق بحقوق الطفل. وإذا كان المشرع السوري ما زال يرى المرأة “خادمة منجبة ومربية”، وبالتالي فإن الحضانة هي حقها مبدئيا ما لم يجر الطعن بذلك، فإن التشريع الأفضل هو الذي يدرس وضع كل من المرأة والرجل بالنسبة لإمكانية حضن وتربية الطفل، باعتبار أن مصلحة الطفل هي المصلحة العليا التي يجب أن تؤخذ هنا، وبالتالي فإن المرأة ليست بالضرورة هي من تحضن. والسكن المطلوب هنا ليس للمرأة بصفتها امرأة حتى تحسب عليها، بل هو للأطفال ولمن تقوم خلال فترة محددة بحضانتهم.

والنظر إلى الأمر على أنه “تكليف” إضافي على الرجل، مثير للريبة فعلا من جهة أنه يقول بأن الرجل معفي من مسؤولياته تجاه أطفاله الذين يفرض عليهم القانون السوري أن يلتحقوا بأبيهم بمجرد بلوغهم سن الحضانة. فهل يتوقف الأب عن أن يكون أبا عند الطلاق؟ أفليس عليه مسؤولية مادية وأخلاقية تجاه كل يوميات نمو وحياة هؤلاء الأطفال الذين كان له، في أغلب الأحيان، كل القرار في إنجابهم؟!

ومع ذلك، فإننا نرى أن على التشريع الذي يفرض تأمين سكن للحاضن أن يأخذ بالحسبان جملة العوامل المتعلقة بذلك، بضمنها أن المرأة والرجل عاملين أم لا، ومقدار دخل كل منهما، ومقدار ملكية كل منهما، واحتياجات الطفل الواقعية (وليس المبالغ المضحكة التي يحكم بها الآن). ولكن أيضا سيبقى هذا كله ناقصا ما لم يجر إلغاء التمييز الفادح ضد المرأة المطلقة بحيث يصير من حقها أن تحصل على نصف ممتلكات ما بعد الزوجية، بغض النظر عن أية ظروف أخرى. وحين يشرع ذلك فعلا، تصير إمكانية التسوية العادلة لموضوع سكن الحاضن والنفقة أمرا ممكنا.

أما التذرع الدائم بما يقع على كاهل الرجال من أعباء إضافية فهو أمر نافل. لأن الرجال، وبضمنهم الحقوقيون المشار إليهم في المادة الأساس، لا يأخذون بالحسبان مايقع على كاهل المرأة حينما يرمون يمين الطلاق ثلاثا، ولا حين يتزوجون مثنى وثلاث ورباع، ولا حين يطردون المرأة التي كانت زوجة إلى الشارع دون أي قرش أو مقشة..

إن الحل الصحيح والوحيد هو الحل القائم على حق الإنسانة المرأة في أن تكون متساوية مع الإنسان الرجل في الحقوق والواجبات في كافة مناحي الحياة، وأن تشرع وتنشأ محاكم أسرة لا تنستند إلى “آراء” فلان وفلان، بل إلى خلاصة ما توصلت إليه البشرية، بجميع فروعها، من تقدم في علوم النفس والاجتماع والسلوك، والقانون أيضا.