30/4/2009

بسام القاضي

هدى بن عامر، التي كانت أمينة المؤتمر الشعبي في بنغازي (ليبيا)، وتعرضت للكثير من الانتقادات أثناء توليها ذلك المنصب، صارت أول امرأة تتولى رئاسة “البرلمان العربي الانتقالي” الذي انشأ عام 2004 بقرار صادر عن قمة الجزائر. وقالت وكالات الأنباء أن هدى بن عامر تولت رئاسة الاتحاد بعد “انتخابها بالتزكية” إثر استقالة محمد جاسم الصقر، وسحب البرلماني المصري مصطفى الفقي ترشيحه لمنصب الرئاسة لصالح بن عامر.

هدى بن عامربالطبع لا يمكن اعتبار هذا التولي “نصرا للمرأة” كما يحلو للبعض أن يقول. فمرة أخرى يجري هنا “تعيين” من نوع خاص إذ لم تجر في الواقع أية انتخابات، كما أن قرار تأسيس البرلمان بحد ذاته يقول في مادته الثانية: “يتم انتخاب أعضاء البرلمان الانتقالي من بين أعضاء ومن قبل المجلس النيابي أو ما يماثله في كل دولة عضو، مع مراعاة تمثيل المرأة”. فما هو مقصود هنا “مراعاة” تمثيل المرأة! وهي المراعاة التي ترجمت نفسها بحقيقة أن النساء اللواتي تواجدن في البرلمان تم تخصيصهن بـ”الحقائب” المعتادة: لجنة الشؤون الإجتماعية (سلوى المصري من الاردن رئيسة، وفادية الديب من سورية مقررة).

إلا أن ما نود التعليق هنا عليه هو تصريح السيدة هدى الذي نقلته عنها وكالة الأنباء الجزائرية، والذي صرحت فيه مباشرة عقب تزكيتها بأن هذه التزكية تعد “أفضل رد على كل الاتهامات التي يوجهها البعض للعرب بأنهم يمارسون تمييزا ضد النساء”!

ربما يجدر تذكير السيدة هدى بن عامر أن أول من يوجه “كل تلك الاتهامات” هم بنات وأبناء هذه المنطقة أنفسهم! أي ضحايا ذلك التمييز والعنف والاستغلال والقتل! إلا إذا كانت السيدة هدى قد قررت أن تنضم إلى “قبيلة” الزاعقين بتخوين كل من يخالفهن/م الرأي! وان هؤلاء الذين يكيلون الاتهامات هم أحرص الناس على مجتمعاتهم من “دودها” الخاص الذي نخر فيها حتى لم يبق لـ”دود” آخر ما يلتهمه أصلا! فما يفعلونه هو تشخيص الداء والبحث عن الدواء، بدلا من ترك “غرغريناه” الخاصة تتآكله! وأن بلدها نفسه، ليبيا، يمارس كافة أشكال التمييز ضد المرأة، مثله في ذلك مثل جميع البلدان الأخرى، فهو يحرمها من كامل حقوقها كإنسانة في قانون الأحوال الشخصية، ويحولها إلى جارية وتابعة للرجل مهمتها هي خدمته وتمتيعه وإنجاب الأطفال له! كما أنها تعاني مما تعانيه البلدان الأخرى من التمييز في الوظائف والعمل، وحرمانها من حقها في منح جنسيتها لأطفالها، وتطليقها تعسفيا مع حرمانها من أية مشاركة في “الحصيلة المادية للزواج”! إلا أن إحدى أكبر المفارقات هي واقع أن السيدة هدى نسيت أن بلدها نفسه كان قد أصدر أحد أكثر القرارات التمييزية ضد المرأة غرابة، حين قرر أنه لا يحق للمرأة الليبية تحت سن الأربعين أن تسافر خارج بلدها بدون “محرم”! والذي تم إلغاؤه لاحقا بسبب من الضغط الكبير الذي شكله المجتمع المدني في ليبيا وخارجها ضد هذا القرار الغريب!

وفي ليبيا أيضا، حيث بلد السيدة هدى، مثل أغلب البلدان العربية، ما تزال المرأة محرومة من حقها الاساسي بمنح جنسيتها لأطفالها! بل ربما تفوقت ليبيا على غيره بهذا المجال حين صدر قرار بأن “غير الليبيين” لا يستفيدون من التعليم المجاني، وهو ما أدى إلى طرد أطفال المرأة الليبية المتزوجة من غير ليبي من المدارس! (ليبيا اليوم )

والكثير غير ذلك، رغم أن “الوثيقة الخضراء” (التي تعد بمثابة دستور) هي إحدى الوثائق النادرة في المنطقة العربية على هذا المستوى، التي تنص صراحة عى المساواة بين الرجل والمرأة: “إن أبناء المجتمع الجماهيري متساوون رجالا ونساء في كل ما هو، إنساني ولأن التفريق في الحقوق بين الرجل والمرأة ظلم صارخ ليس له ما يبرره”. لكن الدساتير في هذه المنطقة، على ما يبدو، هي مجل مانشيتات عريضة لا يهم أن أغلب القوانين المتعلقة بالمرأة تتعارض معها!

هذه المزايدات التي بتنا نسمعها دائما من النساء في هذه المنطقة من العالم حين يتبوأن منصبا هاما، والتي لدينا منها في سورية بعض النماذج المثيرة فعلا، تشكل إحدى أهم تجليات مدى سيطرة الثقافة الذكورية التي تسعى جاهدة لإخفاء حقيقة تبعية المرأة للرجل، والتمييز الفادح الواقع عليه في كافة مجالات الحياة، والتهميش المستمر لها. رغم أن النساء اللواتي يصلن إلى مستوى “صنع القرار” لا يحتجن أن يخرجن علينا بمثل هذه التصريحات، لولا أن ثقافتهن الذكورية هي التي “تفرض” عليهن توقيع صك البراءة لمجمع الذكور الحاكمين، في تأكيد فظ عن مدى الاستلاب الذي تصل إليها هؤلاء النساء عبر تأكيد أن “تزكيتهن” أو “تعيينهن” في منصب ما، يساوي تخلص المرأة من عبوديتها القانونية والاقتصادية والمجتمعية، ويساوي تمتعها بحقوقها وتخلصها من العنف والتمييز ضدها.

ما على السيدة هدى، وغيرا في المناصب الشتى في المنطقة، هو أن يتوقفن عن مثل هذه المزايدات الذكورية، وأن يعملن فعلا على استغلال هذه المناصب لمحاولة إجراء تغيير إيجابي ما. أو، على الأقل، من أجل السعي إلى تثبيت الاعتراف بهذا العنف والتمييز، كمقدمة أساسية للبدء بالبحث في آليات للخروج من هذا الواقع المظلم.