أكتوبر 2007

“صبحي أحمد غازي، 29 سنة غرق متأثرا بجراحه في مصرف النشرتي في دائرة مركز سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ بعد قيام أفراد الشرطة بمحاولة إلقاء القبض عليه وإجباره، من فرط العنف الذي استخدم معه، على إلقاء نفسه في المصرف، ثم قاموا بقذفه بالحجارة ولم يحاول أي منهم تقديم العون له وهم يرونه يلفظ أنفاسه الأخيرة أمامهم.. وقد بان جليا بعد استخراج الجثة أن بها جرح قطعي بالرأس”.

كان صبحي ينوي أن يخطب بعد عيد الفطر، لكن رجال الداخلية المصرية كان لهم رأي آخر.. لم يعد صبحي حيا ليحكي لنا ما حدث يوم أن زرنا القرية في الثاني من أكتوبر 2007.. لكن أبيه وإخوته لازالوا على قيد الحياة ليحكوا ما حدث، وكذلك الشابين اللذان فقدا عيونهما بطلقات الرش من بنادق الشرطة أثناء وقوفهما على جانب الطريق يراقبان جنازة صبحي.

الأب:

ما حدش هنا قال لي على اللي حصل وقتها. ما عرفتش غير تاني يوم الصبح بعد ما طلعوا جثة ابني. والضباط عملوا علي تمثيلية. جالي ضابط اسمه وائل الأشوح، رائد، رئيس مباحث، بعد العصر، بعد ابني ما كان مات وهو عارف، جه يسأل عن صبحي، وقال لي ابنك نط في البحر وطلع وعايزين نعرف هو بيقعد عند مين.. العيال راحت البحر وتأكدت إن صبحي مات.. وجت واحدة شافت كل حاجة وحكت لنا من ساعة ما جريوا وراه.. والضابط يبعت لي مخبر يقول لي شوف صبحي بيقعد فين؟؟.. رحت البحر.. تعبت.. رجعوني البيت.. لما ارتحت شويه رجعوني تاني.. كان جنب الترعة.. تحت عنيه أزرق والدم نازل من مناخيره.

من شهر وأنا لا أكل ولا نوم.. بأفكر فيه طول الوقت.. زعلان على الولد.. لو قاتل ما يعملوش فيه كده.. عيشتي كلها سجاير وشاي.. عندي الضغط وبآخد علاج.. بأحس دماغي وجسمي لما الضغط يعلا عليا…
طول الليل قاعد مع نفسي.. هو اللي كان مونسني.. كل اخواته متجوزين ومشغولين بحالهم.. أقعد في أوضتي وهو في دماغي.. صورته قصاد عيني.. متهيألي انه قدامي وهو سليم وقاعد معايا.. وصورته بعد ما طلع من الميه في دماغي.

الواد بيعوم كويس.. لو كانوا سابوه كان طلع وبعدين كانوا ياخدوه في أي وقت.. ما هو قدامهم كل يوم..

السيد أحمد غازي، الأخ الأكبر، يقول:
صبحي راح يوم الحادث لمحمد ابن خاله.. وهو هناك جت الحكومة عايزه محمد.. عشان عليه شهر في وصل أمانة.. صبحي نط من الشباك.. جريوا وراه.. نط في الميه.. صبحي عويم نمرة واحد.. مش ممكن يغرق كده بسهولة.. لما شافوه نط قعدوا يحدفوه بالطوب.. والضابط أحمد زعلوك شد أجزاء المسدس عليه.. وكان معاه المخبر مختار اسماعيل وباسم أحمد محمد وعبد ربه سعد وعلي سليمان حجاج..
أخويا ما ماتش غرقان.. ده طلع من الميه وايده مقفولة على الموبايل ما وقعش منه.. اليد التانية فيها ورقة كان بيكتب فيها أرقام التليفونات.. ولما خرجناه ما طلعش ميه من بطنه ولا حاجة.. هم “الحكومة” عارفه انهم هم اللي موتوه.. لأن ما حدش من المركز حضر استخراج الجثة.. كان وكيل النيابة وحده. ده لما الحكومة بتيجي عشان انبوبة بوتاجاز مسروقة بيجيبوا معاهم عربيتين بوكس.. ليه ماجوش مع وكيل النيابة في استخراج الجثة؟!
أخويا قعد في الميه ييجي 13 ساعة.. من 3 بعد الضهر لحد أربعة الفجر وخرج فيه دم نازل من مناخيره.. دم أحمر.. الضابط رايح جاي علينا في البوكس.. لو أنا مسكت نفسي عنه، هأقدر امسك اخواتي؟؟.. مفروض يتلموا من البلد ويبعدوهم عن هنا.

محمود أحمد غازي، الأخ الثاني، يقول:
كان في منزل ابن خاله.. كان عليه حكم وكان فيه إجراءات تصالح بشأنه.. جت الشرطة تقبض على ابن خاله.. نط من الشباك وحريوا وراه أكتر من كيلو.. حوطوه لحد البحر وحدفوه بالطوب.. حتى لما طلعوه من الميه كان فيه خبطة في وشه وخبطه في راسه من ورا.

لما وصل للبحر عداه عوم.. الشرطة كانت بتزعق: حرامي حرامي.. الناس صدقت.. لما وصل الناحية التانية لقى الناس محاوطاه.. هو في الأصل عويم بس كان تعب من الجري والعوم.. الضابط شد عليه المسدس.. قال له أنا بأغرق.. قالها له أربع مرات.. لما كان بيعوم كان بيعوم على ضهره.. عشان في ايد كان ماسك المحمول وفي الايد التانية ورقة فيها أرقام تليفونات.. لما طلعوه من الميه كان لسه ماسك الاتنين في ايده..بقوا يزعقوا في الناس يمشوهم من عند البحر، ولا كأن فيه حد بيغرق.. فتحوا بوابات الميه في المصرف.. ضربوه في الميه لحد ما غرق..
بعد كده راحوا البيت عند أبويا يسألوا عليه.. راحوا لأبويا تلات مرات وفي المرة التالته قال لهم انتو موتوا ابني.. كان فيه واحدة ست على البحر.. لما شافتهم بيغرقوه صرخت.. قام الضابط ضربها بالقلم..
واحد من الأهالي قال لأبوه: المباحث جريت ورا ابنك لحد البحر، نزل البحر ما طلعش..
أنا ما صدقتش ان هو اللي غرق.. قعدت استناه وأدور عليه.. واحدة جابت لي جزمته وقالت لي هو اداني جزمته قبل ما يجري ناحية البحر.. ساعتها صدقت إن هو.

رحت المركز ما لقيتش المأمور.. النائب بتاعه قال لي روح المباحث.. ما لقيتش حد.. رحت النيابة.. وكيل النيابة قال لي اكتب شكوى تاني.. الأهالي راحوا عند المركز بعد العشا.. مدير النيابة بعت يطلب فرقة انقاذ بس ما عملتش حاجة.. بعتنا فاكسات لرئاسة الجمهورية وسوزان مبارك ووزير الداخلية ووزير العدل والنائب العام والمحافظ ومدير الأمن.. راحوا جابوا فرقة المسطحات المائية والمباحث، شاوروا لهم على مكان تاني غير اللي غرق فيه.. بعدين بعتوا فرقة ضفادع بشرية من دسوق.. طلعوه الفجر.. واحدة من الشهود شاورت لهم على المكان اللي غرق فيه.. لما طلع كان فيه دم في عنيه.. اللي شافوه وهو بيغرق قالوا انه غطس مرة واحدة ما طلعش.. ولما خرج كانت ايده مقبوضة على الموبايل والورقة ونازل منه دم.. وما جابش ميه من بطنه..

طلعوه الفجر.. قعد في المشرحة لحد الطب الشرعي ما جه الساعة 11.. شرحه وبعدين النيابة سمحت بدفن الجثة.. واحنا طالعين بالجنازة المأمور طلع وقال ما تمروش من وسط البلد.. وده طريق المدافن الطبيعي، بيمر على قسم الشرطة.. الطريق اللي بره ضيق والناس اللي طلعوا ورا أخويا حوالي 8000 بني آدم..

دفنا من غير تصريح دفن.. في القسم قالوا التصريح طلع وموجود معانا.. بعدها لقينا النيابة بتسأل عن التصريح.. طلع مفيش فيه سبب الوفاة.. الطب الشرعي عاين الجثة.. مش عارفين أخدوا عينات ولا لأ.. بعدونا كلنا عن المشرحة بعشرة متر.. ودخل ضابط مباحث ومأمور القسم والنواب بتوعه.. الناس هاجت بره.. راحت النيابة مطلعاهم.. بس بقوا يخرجوا ويدخلوا..

جابوا 8 عربيات أمن مركزي و6 عربيات مدرعة وقفلوا الشارع الرئيسي.. حاولنا ندخل من الشارع الفرعي ما نفعش لأنه ضيق.. رجعنا وأصرينا نمشي في الشارع الرئيسي.. كتبنا تعهد.. كان مش ممكن غير كده في الوضع اللي إحنا فيه.. وقفوا صفين امن مركزي.. عسكري منهم ضرب ابن عمي على راسه وقع مغمى عليه.. والناس هاجت.. أمن الدولة تدخل وفتح لنا فرده من الطريق بعد ما أمنوا المركز..

ضربوا الناس بالخرازانات والقنابل المسيلة للدموع والرش وقبضوا على 23 واحد أخدوا أربع أيام.. الضرب فضل من الساعة 2.30 لحد الساعة 10.. اتنين دخلوا المستشفى.. عندهم 17 و 18 سنة.. الرش دخل عنيهم واتحجزوا في مستشفى طنطا الجامعي.. واحد فيهم اتعمل له عملية بس محتاج عملية تانيه..

ولم يقتصر عنف شرطة سيدي سالم على إغراق صبحي.ز بل امتد ليشمل من ساروا في جنازته ومن وقفوا في الشارع يراقبون:

أحمد سمير، 18 سنة خريج دبلوم صنايع، يعمل في مجال الكومبيوتر، ومصاب بطلقة في عينه اليسرى. يقول:
عندي محلين كومبيوتر.. واحد منهم في شارع النادي.. كنت واقف عنده وقت الجنازة.. شفت عساكر بيضربوا في الناس.. عصيان ورش.. يضرب الرش على عشرين واحد مثلا.. اللي يقع منهم يمسكه ويحط الكلبشات في ايده من ورا ضهره..

جت رصاصة في عيني.. حسيت بألم فظيع.. ودم خارج من عيني.. رحت مستشفى سيدي سالم.. كل واحد ييجي يبص عليا ويمشي.. بعدين حولوني على مستشفى طنطا.. الدكتور هناك قال لي هنطلع الرش وبعدين نشوف.. بس أنا مش شايف بيها خالص.. الدنيا سوده.. الدكتور قال لي عشان فيه نزيف في الشبكية.. بس لما كشفت بره قالوا لي الرصاصة جت في العصب!!

(تقرير مركز نور العين للفحص والليزر فحص عين أحمد سمير بواسطة الموجات فوق الصوتية وأثبت وجود نزيف في العين يمتد من العدسة وحتى الجزء الأسفل من الشبكية مع اختراق للجزء الأسفل من الشبكية).

محمد زكريا سيد أحمد، 17 سنة، طالب في السنة الثالثة بدبلوم التجارة مصاب بطلق رش في العين اليمنى وطلق ناري تحت الجلد في الجهة اليسرى من الجبهة، يقول:
كنت رايح الشغل.. الجنازة كانت ماشية.. لقيت حاجة دخلت عيني.. دخلت دكان جنبي.. حاول صاحب الدكان يوديني المستشفى.. وقف 3 عساكر على باب الدكان وقفلوا علينا الباب.. فتحوا الباب بعد نص ساعة.. ما كنتش شايف حاجة بعيني وحاطط ايدي عليها من أول ما شفت الدم خارج منها..في المستشفى حولونا كده شفوي.. من غير ما يسجلونا أو يدونا جواب تحويل.. ولا استدعاء عربية إسعاف.. قالوا لنا خدوا عربية الإسعاف وروحوا كفر الشيخ.. ما لقيناش عربية الإسعاف.. مفيش رحمه.. مفيش أي إسعافات في الاستقبال.. أخدنا عربية خاصة لكفر الشيخ بعدين حولونا لمستشفى طنطا.

الإصابة كانت بعد العصر.. دخلنا مستشفى طنطا الجامعي 9 مساء.. دخلت العمليات الساعة 11 مساء.. في مستشفى طنطا سألونا عن سبب الإصابة.. قلنا طلق نار من الشرطة.. جت شرطة المستشفى سألتنا.. وقت الضرب كنت وحدي.. ما كانش معايا شهود..

(محمد يحمل أربعة تقارير: الأول تقرير أشعة بالموجات فوق الصوتية أجري يوم 5 سبتمبر 2007 يشير إلى وجود نزيف في العين واحتمال اختراق للشبكية، التقرير الثاني تقرير أشعة مقطعية تم عمله في شركة مستشفى العباس للخدمات الطبية يوم 6 سبتمبر 2007 ويكشف وجود طلقتين إحداهما في العين اليمنى تسببت في نزيف بالعين والأخرى تحت الجلد في الجانب الأيسر من الجبهة.
التقرير الثالث وتاريخه يوم 11 سبتمبر 2007 ينص على وجود نزيف في العين واختراق للشبكية، أما تقرير مستشفيات طنطا الجامعية فينص على دخول محمد إلى المستشفى يوم 4 سبتمبر لاستصلاح انفجار بمقلة العين اليمنى الغير مبصرة للضوء مع وجود جسم غريب داخل العين تم إزالة جزء منه والجزء الباقي وراء مقلة العين(.

في كل من حالتي محمد وأحمد لم يتم تقديم أي إسعافات أولية في مستشفى سيدي سالم، بل وتم تحويلهما بدون أوراق وبدون سيارة إسعاف إلى مستشفى طنطا الجامعي. أما البعض الأخر ممن اصيبوا بالرش واختاروا أن يتوجهوا إلى المستشفى فقد تم استخراج الرش منهم بدون تسجيل أسماءهم في الاستقبال.

يقول محمود غازي، شقيق الفقيد صبحي
عرضوا علينا 100 ألف جنيه عشان نسحب الشكوى ومرتين بعتوا اتنين من الشرطة يسألونا عاوزين ايه؟.. أنا مش عارف أرفع راسي في البلد.. ولو ما عنديش عيال كنت أموت نفسي.. مش قادر أروح الشغل ولا أعمل حاجة.. الشرطة بتقول كلام في البلد إن إحنا اتصالحنا وده مش صحيح وده يبقى عار كبير.. بس فيه الناس مصدقاهم.. مين ياخد حقه؟

قتيل واثنان كتب عليهما رجال العادلي أن يعيشا بعين واحدة.. من يحاسبهم؟