27/10/2009

صدر مؤخرا عن مركز الأرض لحقوق الإنسان ضمن سلسلة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تقريره رقم (72) تحت عنوان:
الاتجار بالبشر…وصمة عار فى جبين البشرية ويحاول التقرير إلقاء الضوء على ظاهرة الاتجار بالبشر، التي أصبحت بحق عبودية العصر الحديث، وذلك من خلال ثلاثة محاور ورؤية مستقبلية كما يلي: المحور الأول الاتجار بالبشر…عبودية العصر، والمحور الثاني الاتجار بالبشر…وباء يجتاح العالم، والمحور الثالث مصر والاتجار بالبشر بين غياب الدور الرسمي وتراخي الدور الأهلي.

ويبدأ مركز الأرض التقرير بمقدمة يؤكد فيها على أن البشرية عرفت ألوانا مختلفة من الرق، حيث نشأت تجارة الرقيق الأسود في البداية علي يد الرومان، وكان يعرف العبد بأنه “شيء” ولا حقوق له، بل ويدفع لمبارزات قاتلة مع الوحوش من أجل تسلية الأفراد، كما أن لسيده الحق في تعذيبه واستغلاله.

كما تشير مقدمة التقرير أيضا إلى أن أوروبا التى اكتشف أن الثورة الصناعية بحاجة ماسة إلي وقود بشري لازم لنجاح تلك الثورة وتقدمها ونهضتها، فتم نقل العبيد السود من إفريقيا للخدمة في الدول الاستعمارية، ونشط هذا الأمر بعد اكتشاف الأمريكيتين، حيث كان السبي الجماعي لسكان أفريقيا وتهجيرهم إلى أمريكا وتتحدث بعض التقارير عن أن القرنين الماضيين شهدا نقل أكثر من 17 مليون شخص عاشوا في أسوأ الظروف.

ويوضح التقرير أن تجارة الرقيق الأبيض التي عرفها العالم بعد نهضته الصناعية التي بدأت في أوروبا، تفوق كل درجات الإنحطاط والإساءة للبشر جميعهم، كونهم لا يستخدمون إلا في الأعمال القذرة المنافية للأخلاق والفضيلة مثل الدعارة وغيرها وشملت هذه التجارة النساء والأطفال وحتى الرجال.

ويؤكد المركز على أن وصول شبكة المعلومات الدولية “الأنترنت” إلي كل مكان في العالم ساهم في نشر تجارة البشر، حيث تتلقي الضحايا العروض للعمل عبر هذه الشبكة ليكتشفوا أنهم ضحية لمافيا الاتجار في البشر، وأنهم مجبرون علي ممارسة البغاء ودفع أموال للحصول علي حريتهم.

ويحذر التقرير إلى خطورة هذه التجارة التى أضحت ثالث أكبر جريمة منظمة بعد تجارة السلاح والمخدرات، وما من شك فى أن هذه الجريمة التى ترتكب فى معظم دول العالم إن لم يكن كله سواء فى دوله المتقدمة أو النامية.

ويشير التقرير إلى أن النساء تمثل نسبة كبيرة من بين ضحايا الاتجار بالبشر حيث تتراوح ما بين 80% إلى 90% من ضحايا هذه التجارة، تتم المتاجرة بغالبيتهن عبر الحدود الدولية في الأغراض الجنسية من خلال الدعارة القسرية، ويجبرن الباقى على الخدمة فى المنازل بأجور زهيدة، أما بالنسبة للرجال الذين تنقصهم المهارات فيتم استخدامهم في الأعمال الشاقة.

ويحذر المركز من خطورة عصابات الإجرام المنظمة التى تمارس الاتجار بالبشر حيث الأرباح الطائلة في هذه التجارة، وأشار التقرير أن الأرباح غير المشروعة الناتجة عن الاتجار بالعمالة القسرية قد تجاوز 32 مليار دولار سنويا بينها 28 مليار ناتجة عن الاتجار بالبشر، وكذلك أشار التقرير إلى وجود 12.3 مليون ضحية للعمل القسري في العالم في الوقت الحاضر.

وكذلك وصلت تقديرات الأرباح التي يحققها هؤلاء التجار أو الوسطاء من 5 إلى 7 بليون دولار سنويا، وفي بعض السنوات وصلت إلى 9.5 بليون دولار، وهذا هو الدافع الحقيقي وراء انتشار هذه الظاهرة، حيث الأرباح مرتفعة جدا والنفقات منخفضة للغاية، بالإضافة إلى انخفاض عنصر المخاطرة، وطول الفترة الزمنية لاستغلال البشر .

وفى المحور الأول من التقرير المعنون بـ الاتجار بالبشر…عبودية العصر والذى يعتبر تجارة البشر أو كما يطلق عليها الاتجار في البشر من أخطر الجرائم التى ترتكب الآن في حق الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وما من شك فى أنها وصمة عار أخلاقية فى تاريخ الإنسانية، إلا أن خطورتها حاليا فى أنها بدأت تنتشر بشكل وبائي في الكرة الأرضية، حتي أصبح عدد الدول المتورطة في تجارة البشر وصل إلي أكثر من 150 دولة، وأصبحت تجارة رابحة ورائجة وغير شرعية لأنها تستخدم البشر كبضاعة وسلعة تباع وتشترى بأبخس الأسعار وتقوم بأعمال حقيرة، ما يعد نوعا من الرق المعاصر.

وتعرض هذا المحور لمناقشة مفهوم الاتجار بالبشر، وعناصره ، والفئات المستهدفة من الاتجار بالبشر، وأهدافه والعوامل التي تساعد على انتشار ظاهر الاتجار بالبشر، والعولمة‏ والاتجار بالبشر، والانترنت ودوره فى هذه الظاهرة والفرق بين الاتجار بالبشر والهجرة غير المنظمة.

ويؤكد التقرير على أن الرأسمالية المتوحشة التى أفرزتها العولمة قد اجتاحت العالم كله شرقه وغربه، لعبت دورا رئيسيا في اتساع نطاق تجارة غير مشروعة وغير إنسانية، ويحذر من أن أوضاع الفقر في البلدان الفقيرة تزداد سوءا جراء الأزمة المالية العالمية، وبالتالى مزيدا من أخطار التعرض لعمليات الاتجار في البشر، نتيجة لتنامي حاجة المواطنين فى تلك الدول للهجرة بحثا عن عمل خارج بلادهم التي تئن تحت وطأة البطالة وانخفاض الدخل وتدهور الأوضاع المعيشية.

ويستعرض التقرير فى محور الثانى الذى يحمل عنوان: الاتجار بالبشر … وباء يجتاح العالم كونه يعد عملا إجراميا بكل أشكاله، كما يعتبر التحدي العالمي في القرن الحادي والعشرين، ويقسم الاتجار بالبشر إلى نوعين الأول هو الاتجار بالبشر المرتبط باستغلال الضحايا وإجبارهم على ممارسة البغاء الذي يعتبر من أقدم المهن في العالم. والثاني تهريب المهاجرين الذي يحدث طوعا عبر تدبير أو تهريب نقل الأشخاص من دولة إلى أخرى.

ويلفت مركز الأرض من خلال هذا المحور الإنتباه إلى أن هذه التجارة أخذت أبعادا عالمية، فأسباب توسعها متعددة ابتداء من غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، واختلال ميزان توزع الثروات في العالم لصالح دول العالم المتقدم، ما يؤدي إلى الفقر والبطالة في دول أوروبا الشرقية وبعض الدول الآسيوية ومعظم قارة أفريقا، وانتهاء بترابط عصابات الجريمة المنظمة عالميا التي تعمل على التنسيق فيما بينها، مع استخدام كل الأساليب الجديدة الممكنة في العمل، من التكنولوجيا المختلفة والعلوم وتطبيقاتها والحنكة، إلى الوسائل الإعلامية بأشكالها التي تعمد إلى تصوير الحياة في الدول المتقدمة على أنها الجنة محققة على الأرض.

وفي هذا الإطار استعرض هذا المحور إلقاء الضوء الذي ما فتئ يجتاح العالم شرقه وغربه وأصبح يمثل وصمة عار على جبين المجتمع الدولى والشرعية الدولية وذلك كما يلي:أولا الاتجار بالبشر في المواثيق الدولية، وثانيا الاتجار بالبشر (أرقام وإحصائيات)، وثالثا أمريكا توزع التهم وتنسى نفسها، ورابعا العرب والاتجار بالبشر.

ويؤكد مركز الأرض عبر تقريره هذا على أن الولايات المتحدة الأمريكية تأتى ضمن الدول التي تمثل الوجهة الأخيرة في عملية الاتجار بالبشر حسبما ذكر تقرير عام 2006 صادر عن مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة المنظمة، ووضعها في مرتبة متقدمة جدا، وأن النساء يشكلن النسبة العظمى من تلك العمليات، ويأتي بعدهن الأطفال من الجنسين، فيما تعد عمليات الاتجار بالرجال في أمريكا وكندا هي الأكثر ورودا في التقارير على مستوى العالم.

وأكد التقرير أن هناك ما بين 45 إلى 50 ألفا من الأطفال والنساء يجلبون للولايات المتحدة كل عام بطرق غير شرعية أو باستخدام ادعاءات كاذبة، حيث يجبرون على العمل كخدم أو في بيوت الدعارة، أو يتم استعبادهم جنسيا، فيما قالت وزارة العدل الأمريكية إنه خلال الفترة ما بين فبراير 2001 ونوفمبر 2004 تم الحكم في 168 قضية متاجرة بالبشر، كما تم في نفس الفترة فتح التحقيق في 366 قضية أخرى من نفس النوع.

وبالنسبة للدول العربية لفت التقرير الإنتباه إلى أنه منذ صدور تقارير الخارجية الأمريكية عام 2000 لم تخل دول عربية وحتى إسلامية من جرائم الاتجار بالبشر كل عام ، وتوزعت تلك الدول بين الفئات الثلاث للتقرير، لكن مواقعها اختلفت من عام لآخر.

وعلى الرغم من انتشار هذه المأساة في جميع الدول العربية تقريبا، فإن إدراك المجتمع لها لا يكاد يذكر، بل إن معظم الحكومات العربية لم تتخذ جهودا فعالة لمواجهتها أو حتى رصدها.

وفى هذا السياق ويشير التقرير الى خطف أكثر من ألفي امرأة في العراق منذ الاحتلال الأمريكي في إبريل 2003، لطلب الفدية أو للاتجار بهن.

ويتعرض التقرير فى محوره الثالث: مصر والاتجار بالبشر بين غياب الدور الرسمي وتراخي الدور الأهلي حيث يرى الخبراء أن مواقف الحكومات إزاء الاتجار بالبشر تنقسم إلى ثلاثة مواقف مختلفة هى حكومات ازدواجية: تدين تجارة البشر رغم انتشارها على أراضيها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي تتعرض لانتقادات كثيرة بسبب تخاذلها عن محاربة هذه التجارة.

حكومات سلبية: مثل معظم الحكومات العربية التي لم تحرك ساكنا إزاء هذه القضية وكأن الأمر لا يعنيها، وحكومات اتخذت إجراءات جادة وفعالة لإنهاء المأساة مثل اليابان التي عدلت قانون مكافحة الاتجار بالبشر استجابة لضغوط المجتمع المدني.

ويرى مركز الأرض أن الحكومات المصرية المتعاقبة طبقا للمواقف سالفة الذكر تصنف بأنها اتخذت الموقف الثاني فلم تحرك ساكنا ولم تبد أي اهتمام بالظاهرة، فليس هناك بيانات أو إحصاءات حول حجم الظاهرة في مصر، وأبعادها، وليست هناك رؤية إستراتيجية لمواجهتها.

ويعني هذا المحور بإلقاء الضوء على ظاهرة الاتجار بالبشر في مصر مظاهرها، وأبعادها، والجهود المصرية المبذولة لمواجهتها، والدور الغائب لمنظمات المجتمع المدني، والدور الإسرائيلي في انتشار الظاهرة على الأراضي المصرية.

وتتهم الحكومة المصرية مصر في هذا الإطار كونها أحد أهم مراكز العالم في الاتجار بالبشر، بعد أن تسللت إليها عصابات “منظمة تعمل بشكل سري ، كما أن مصر بلد عبور للاتجار بالنساء والفتيات لاستغلالها سرا في ممارسة البغاء.

ويشير التقرير إلي ظاهرة زواج الفتيات القاصرات أقل من 18 سنةً للأثرياء من الخليج، بالإضافة إلي نشاط بعض المدن التي تعد مقصدا للسياحة الجنسية.

وقد شهدت مصر شهدت عدة حالات للاتجار في البشر خلال السنوات الأخيرة، فشهد عام 2003 52 حالة للذكور و27 حالة للإناث. وفي عام 2004 كانت هناك 33 حالة للذكور و34 حالة للإناث. وفي عام 2005 سجلت 49 حالة للذكور و23 حالة للإناث وفي عام 2006 سجلت 30 حالة للذكور و12 حالة للإناث. والملاحظ أن الاتجار في البشر بالنسبة للذكور في مصر سجل معدلات أعلي من الإناث.

ويشير التقرير أيضا إلي أن ضحايا تهريب الأفراد للخارج وفقا للفئة العمرية سجل في عام 2003 عدد 6 حالات للسيدات وثلاث للفتيات بينما سجل عام 2004 حالة واحدة للصبية وثلاث للفتيات و5 حالات للسيدات.

وفي عام 2005 سجل حالة واحدة للصبية و5 حالات للفتيات و4 حالات للسيدات وثلاث حالات للرجال وفي عام 2006 سجل 5 حالات للفتيات وثلاث حالات للسيدات وثلاث حالات أخري للرجال.

ثم أوضح فى محوره الثالث دور منظمات المجتمع المدني فى ظاهرة الاتجار بالبشر والتى تحمل طابع العالمية، وخطورتها تكمن في عدم طرحها للنقاش في مصر، في الوقت الذي تقدر فيه منظمة العمل الدولية عدد ضحايا الاتجار بالبشر في العالم بحوالي ١٢ مليونا و٣٠٠ ألف إنسان فإن الأمر يزدد تعقيدا كون مصر لا يتوفر بها أى إحصاء أو تقدير رسمى دقيق لعدد ضحايا الاتجار بالبشر، كما أن الدراسات والإحصاءات الموجودة بحاجة إلي إعادة نظر، إضافة إلى عدم وجود مواد في القانون المصري تعالج جرائم الاتجار في البشر، وتحدد أركان الجريمة وتعاقب مرتكبيها.

إن الفكرة السائدة فى المجتمع المصرى خاصة النظرة الحكومية لهذه الظاهرة أن مصر دولة عبور في مجال الاتجار بالبشر، والظاهرة داخليا غير معترف بها بشكل كافى يساعد على التحرك وتضافر كل الجهود من أجل علاجها، رغم ذكر اسم مصر فى تقارير دولية عديدة من أنها دولة محورية فى مسألة تجارة الأعضاء البشرية، الا ان الحكومة المصرية لا تقوم باتخاذ خطوات .

ومن هنا فإن الوضع فى مصر يأخذ منحى خطير بسبب عدم الإعتراف الواضح والحقيقى بالظاهرة من قبل الأجهزة الحكومية والمعينة بالدرجة الأولى برصد وعلاج الظاهرة، وبالتالى يبرز دور منظمات المجتمع المدني الذى بنبغى أن يركز علي توفير رعاية كاملة من جميع أوجهها وصورها للضحايا، فضلا عن تقديم المعونة القانونية والمادية للضحايا .

إضافة إلى التوعية الإعلامية خاصة السيدات اللائي يسافرن للعمل في الخليج، وكثيرا ما يتم خداعهن ويتعرضن لضغوط للعمل في مهن حقيرة تصل إلي الاستغلال الجنسي، ومن هنا تأتي ضرورة توعيتهن بكيفية توثيق العقود، والتأكد من صدق جهة العمل في الخارج.

ويختتم مركز الأرض تقريره برؤية مستقبلية تحت عنوان: تجارة البشر والحاجة إلى تضافر الجهود، أكد فيها على أنه لابد من تضافر كافة الجهود على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية من منظمات وهيئات دولية وإقليمية وحكومات محلية ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، والتى باتت تهدد الأمن الاجتماعى لكثير من الدول.

وبحسب التقارير الدولية، فإن ما يتراوح بين 40 و50 % من حجم هذه التجارة يكون من نصيب الأطفال، وربما ما يبعث على الأمل أن المنظمات الدولية ولأول مرة يتغير المنحني الفكري لها في مواجهة ظاهرة تجارة البشر، من رصد سلبيات عمل الأطفال وآثاره المستقبلية المدمرة علي الجوانب البدنية والنفسية علي الطفل وعلي الأسرة وعلي المجتمع إلي إعداد دراسات تتناول تحليلا متكاملا لتكاليف وفوائد القضاء علي عمل الأطفال في شتي أنحاء العالم‏.‏ لكن مازال امام المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الدولية الكثير من الانشطة والاجراءات لوقف جريمة الاتجار بالبشر وكفالة حياة امنة وكريمة لجميع شعوب الارض.

لمزيد من المعلومات رجاء الاتصال بالمركز

ت: 27877014- 202+ ف: 25915557-202+
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
الموقع : www.Lchr-eg.org