17 يونيو 2004
تزامنا مع مرور عام على اعتقال رئيس الحركة الإسلامية داخل إسرائيل الشيخ رائد صلاح وزملائه والذين اصطلح على تسميتهم “برهائن الأقصى”، أجرت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية مقابلة شاملة مع الشيخ داخل سجنه حول اعتقاله ورؤيته للتطورات العربية والعالمية الراهنة فيما يلي نصها:
س: بعد نحو عام من اعتقالكم وعقد عشرات الجلسات في المحاكم المختلفة, كيف تقيم ماهية وسير هذه المحاكم, وما هي حقيقة الأنباء حول الصفقات عرضت عليكم من اجل إطلاق سراحكم؟
جـ: واضح جدا ان اعتقالنا هو اعتقال سياسي ظالم، وواضح انه يقوم على ادعاءات وهمية من قبل المخابرات التي تصر على استمرار اعتقالنا وعلى استمرار محاكمتنا، والا فان النيابة قد قالت اكثر من مرة لمحامينا انها لو كانت تملك الصلاحيات الكاملة للتصرف في أمر ملفنا لأغلقته وسارعت الى اطلاق سراحنا.
ثم ان الكل بات يعلم ان المخابرات حاولت ان تساومنا بعد اعتقالنا لابتزاز مواقف سياسية منا، حيث عرضوا علينا ان نكتب بما يتفق مع خطاب المؤسسة الاسرائيلية حول المسجد الاقصى والتعايش والسيادة الاسرائيلية واستنكار اعمال المقاومة الفلسطينية مقابل التفاوض حول مستقبل اعتقالنا.
نحن دسنا على هذا العرض البائس، بل بعد ذلك قدم علينا عروضا علنية عن طريق احد محامينا ان نعترف بأحد بنود الاتهام التي يوجهونها ضدنا مقابل اطلاق سراحنا فدسنا على هذا العرض كذلك.
لذلك فنحن على قناعة انهم في وضع محرج جدا، حيث وجهوا ضدنا تهما تقوم على اوهام سفيهة، ليس الا، وظنوا اننا تحت ضغط الاعتقال سنوافق على عقد صفقه معهم تتفق مع مخططاتهم ضد جماهيرنا العربية في الداخل بشكل عام وضد الحركة الاسلامية بشكل خاص.
ولكن هيهات هيهات، وصار مجمل القول انني كنت ولا زلت اشعر بالغثيان كلما سمعت طاقم النيابة يوجهون الينا تهمهم المريضة على اعتبار اننا ارهابيون لاننا نكفل آلاف الايتام من ابناء شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع. وعلى اعتبار اننا وزعنا الاف الطرود الغذائية على العائلات المحاصرة في الضفة والقطاع، وعلى اعتبار اننا دعمنا المستشفيات هناك بالمساعدات الطبية، وعلى اعتبار اننا نهضنا لاعمار واحياء المسجد الاقصى المبارك. وعلى اعتبار ان بعضنا حرص على تقديم المساعدات الانسانية للسجناء السياسيين، وعلى اعتبار اننا حاولنا النهوض ببناء متطلبات حياتنا المختلفة بانفسنا في النقب والمثلث والجليل والمدن السياحية “عكا وحيفا ويافا واللد والرملة”، بواسطة مشروع “المجتمع العصامي”.
ثم كنت ولا زلت اشعر بالغثيان كلها سمعت النيابة وهي تفتري علينا افتراءات رخيصة مدعية بانه كان لنا علاقات مشبوهة بايران!!
وأما حول ادعاء النيابة بوجود مواد سرية ضدنا فهي محاولة دنيئة لمواصلة ابتزاز اعتقالنا من المحاكم الى اجل غير مسمى وهي محاولة للتأثير على قناعات القضاة النفسية منذ اعلانهم عن القرار الاخير في ملف اعتقالنا، ثم لقد تجمعت لدينا قراءة تؤكد ان ادعاء النيابة بوجود مواد سرية هو تضخيم لوهم تافه لا أساس له من الصحة.
س: كيف تصف ظروف اعتقالكم, وهل تسعى مصلحة السجون التضييق عليكم؟
جـ: ان المؤسسة الإسرائيلية بواسطة جهاز المخابرات والنيابة تحاول تكريس الظلم المتواصل والصارخ ضدنا، ويكفي إنهم يصرون على مواصلة اعتقالنا ظلما وعدوانا، ثم لا زالوا يحرمونا من استعمال جهاز الهاتف للاتصال بالأهل علما ان المحكمة المركزية بحيفا وافقت على ان نستعمل الهاتف يوميا.
ولا زالوا يفرضون علنيا الالتقاء مع الأهل في غرفة ضيقة ويحتجز بيننا وبينهم طبقتين زجاجتين ولا زالوا يماطلون بالرد على كثير من طلباتنا الخطية التي تقدمنا بها منذ اشهر.
س: وبعد مرور سنة على اعتقالكم, كيف تنظمون وقتكم وما هي علاقتكم مع السجناء الآخرين؟
جـ: الحمد لله رب العالمين، لقد نجحنا بتنظيم وقتنا تنظيما دقيقا، لم يبقى لدينا الشعور بأي وقت فراغ .. حيث نستيقظ قبيل الفجر بساعة فنصلي ما شاء الله تعالى، ثم نختم بصلاة الوتر، ثم نصلي صلاة الفجر، ثم نعقد حلقة ذكر وعلم، ثم ننام لبضع سويعات.
ثم ننهض ونصلى صلاة الضحى ونتناول الفطور ثم نعكف على قراءة القرآن الكريم او حفظ بعض آياته او قراءة كتاب في علم الفقه او التفسير او السيرة او التاريخ او علم القرآن والحديث او علم اللغة العربية.
ثم نصلي صلاة الظهر في المعتقل ثم نعود وقد نأخذ نتجول خلالها في ساحة صغيرة في المعتقل وإلاّ نواصل المطالعة.
ثم نصلي صلاة العصر، ثم نتناول وجبة الغداء ثم نواصل المطالعة ثم نصلي صلاة المغرب ثم نجتهد او نستمع الى اكثر من نشرة أخبار ثم نصلي صلاة العشاء، ثم نعقد حلقة ذكر وعلم، ثم نواصل المطالعة الى منتصف الليل ثم ننام الى ما قبل ساعة من طلوع الفجر.
ثم نواصل نفس البرنامج مع التأكيد إننا نحرص على صيام أيام الاثنين والخميس عملا بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ونحرص على مطالعة الصحف يوميا خاصة صحف يوم الجمعة.
ونحرص على الكتابة بما يفتح الإلله علينا من مقالات او ذكريات او قصائد شعرية، وأما علاقتنا مع السجناء الآخرين فقد فرضت علينا المؤسسة الاسرائيلية السجن الانفرادي منذ أول يوم من اعتقالنا حتى لا نختلط مع بقية السجناء ولا زلنا نوضع في قسم انفرادي وفي غرفة انفرادية.
ومع ذلك فان كل السجناء من أهلنا بدون استثناء يحرصون في كل فرصة على أبداء حبهم لنا واحترامهم لنا لدرجة ان بعضهم كان يبدي استعداده ان يعتقلوه بدلا عنا بالإضافة الى مدة محكوميته.
س: لماذا، برأيكم، قامت المؤسسة الاسرائيلية باعتقالكم؟
جـ: في تصوري ووفق اقتناعي فان كل ما قمت هو بعض الدوافع الأساسية التي دعت المؤسسة الاسرائيلية الى التعجيل باعتقالنا، فان المؤسسة الاسرائيلية تطمع لنفسها ان تنفرد بالمسجد الاقصى لتفعل به ما تشاء.
والحركة الاسلامية هي عقبة كؤود دون ذلك، وان المؤسسة الاسرائيلية كانت ولا زالت تطمع لنا ان نحيي (ردّاحين) فقط بمعنى ان نحسن البكاء على تعاسة واقعنا فقط.
ولكن جاءت الحركة الاسلامية وطرحت مشروع المجتمع العصامي الذي من المستحيل ان يقوم إلا على القيم الاسلامية.
وان المؤسسة الاسرائيلية طمعت في اجتثاثنا عن أصلنا الثابت الإسلامي والعربي فجاءت الحركة الاسلامية تؤكد ضرورة التواصل مع العالم الإسلامي والعربي.
المؤسسة الاسرائيلية طمعت في جر كل القوى السياسية العربية الفلسطينية في الداخل عندنا الى لعبة تفريغ الطاقة على لا شيء، والى لعبة القفز الموضعي والمحصلة تساوي صفر وذلك من خلال انتخابات الكنيست .. فجاءت الحركة الاسلامية ورفضت الانخراط في هذه اللعبة مع استمرار احترامها الدائم لاجتهادات الآخرين.
ولكن بالإضافة الى كل ذلك فان إصرارنا على التواصل الجاد مع الأهل في النقب ومع الأهل في الجولان وان مبادرتنا الى إقامة “صندوق طفل الاقصى” وغيرها.
وان مبادرتنا الى إقامة مشروع “مسيرة البيارق” ومشروع “أبناؤنا في خطر”, ومشروع “إحياء الدين في النفوس” وغيرها ..
كل ذلك دفع بعض الباحثين في مراكز الدراسات العبرية للمطالبة باعتقالنا وحل الحركة الاسلامية قبل سنوات على اعتقالنا.
س: كيف تقيم رد فعل العرب والمسلمين على الأحداث الأخيرة المتعلقة بالمسجد الاقصى وهل هذا سيشجع المؤسسة الإسرائيلية على المضي في مخططاتها تجاه الاقصى؟
جـ: على ضوء الواقع الرديء الذي تعيشه أنظمة الامة الاسلامية والعالم العربي فإنني لا أتوقع أي رد فعل نوعي من المسلمين والعربي مع شديد الأسف.
وما لم يتغيروا وفق شرط التغير القرآني فقط الذي يقول الله تعالى فيه: “ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”، فاني لا أتوقع ان يولد فينا اليوم صلاح الدين الجديد ليعيد للمسجد الاقصى كرامته.
وحتى لو ولد فينا صلاح الدين الجديد لعجل البعض وتآمروا عليه وقتلوه بتهمة (الإرهاب الإسلامي) لذلك فانا على قناعة انه على ضوء هذا الواقع الرديء لم يبق للمسجد الاقصى حاليا إلا صمود شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولم يبق له الا قيام أهلنا في القدس الشريف بدورهم لاعمار وإحياء المسجد الاقصى وقيام أهلنا في النقب والجليل والمثلث والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) بدعم أهلنا في القدس الشريف ومؤازرتهم لأعمار المسجد الاقصى.
ثم إنني أؤكد مع شديد الأسف ان الصمت الإسلامي العربي اليوم هو الذي يشجع المؤسسة الاسرائيلية على مواصلة ارتكاب نكبة جديدة اشد من نكبة 48 بحق شعبنا الفلسطيني في هذه الأيام والتي بلغت ذروتها باغتيال الشيخ الشهيد احمد ياسين والدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وان أخشى ما أخشاه ان تمتد يد الهدم والاغتيال الى المسجد الاقصى المبارك.
س: هل تعتقد ان استمرار اسرائيل في هذه الأعمال سيجعل الشعوب العربية تتحرك للدفاع عن الاقصى, أم ان الحكومة والشعوب لا زالت غافلة عن المخاطر التي يتعرض لها الاقصى وبعيدة عن القيام عن أي عمل؟
لا يمكن للجماهير المسلمة والعربية أن تقوم بدورها ما دام الواقع الرديء على ما هو عليه على صعيد الامة الاسلامية والعالم العربي، ولذلك فنحن على مفترق طرق يجب ان نختار فيه بين عقد مصالحة تاريخية صادقة بين الحكام والشعوب على الصعيد الإسلامي والعربي، وهذا هو الرصيد الوحيد الذي سيقود الى التغير وفق الشرط القرآني وهذا ما نتمناه.
والا فان أخشى ما أخشاه ان يقود هذا الواقع الرديء الى صدام مؤسف وقريب بين الشعوب والحكام وهذا ما لا نتمناه، لأنه يحمل في طياته الحسرة لنا جميعا، ولذلك أنا شخصيا أضع أمانة هذه المسؤولية في أعناق العلماء والدعاة وادعوهم الى عقد هذه المصالحة التاريخية والصادقة قبل ان يتسع الفتق على الواقع.
س: ماذا تقول للحكومة الاسرائيلية في هذا الوقت الذي تصعد فيه من عدوانها وخاصة علي المسجد الاقصى؟
جـ: مع مرارة الواقع الرديء الذي تعيشه الامة الاسلامية والعالم العربي فاني أقول للحكومة الاسرائيلية لا تغتري بقوتك فان الله لا يحب المغرورين. ولا يغرنك رداءه الواقع الإسلامي العربي فان التاريخ يحب ان يعلمكم ان الامة الاسلامية والعربية هي أمة المفاجآت!!
فكم قيل في الماضي: اندثرت الامة الاسلامية والعربية الى غير رجعة واندثر الإسلام، وإذ بها تنهض من تحت قذى نومها ورماد ضعفها، ولنا ولكم في الواقع الرديء الذي أنجب صلاح الدين بعد ان اخذ العلماء فيه بمنهج التغير القرآني، لنا ولكم بهذا المشهد التاريخي خير المثال.
فلا تستغلوا هذا الظرف المؤقت وتوجهوا سهام تآمركم الى المسجد الاقصى لأنكم بذلك تلعبون بالنار ولأنكم بذلك تدفعون الى صدام ديني عالمي مع الامة الاسلامية والعالم العربي.
س: هل تعتقد ان ارئيل شارون جاد فعلا في تنفيذ خطته بما يسمى “فك الارتباط” ومدى تاثير مثل هذه الخطط على تصعيد الاعتداءات الدموية على الشعب الفلسطيني وقيادته وكيف يجب ان يتعامل الفلسطينيون مع هذه الخطة؟
جـ: ارئيل شارون جاد في تنفيذ خطته بما يسمى “فك الارتباط” وفق مفهوم شارون الخاص لفك الارتباط وليس وفق مفهوم أي طرف آخر بمعنى انه يريد فك الارتباط فقط في قطاع غزة على أساس إخلاء بعض المستوطنات من قطاع غزة مع الإبقاء على نقاط استيطان عسكرية إسرائيلية في عمق قطاع غزة.
وعلى أساس تصفية كل المقاومة الفلسطينية في القطاع لضمان سيطرة الجسم الحاكم الذي تخطط المؤسسة الاسرائيلية ان يحكم غزة بلا منازع بعد إعادة الانتشار الإسرائيلي فيها والذي يسميه شارون فك الارتباط وعلى أساس ان يقود فك الارتباط الشاروني الى إلغاء حق العودة والى شرعية بقاء المستوطنات في الضفة الغربية والى انتزاع شرعية السيادة الاسرائيلية الكاملة على القدس الشريف وتواصل الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الاقصى وعلى أساس نقل “ياسر عرفات” الى قطاع غزة وبذلك يسدل الستار عن شيء اسمه السلطة الفلسطينية ثم يسدل الستار عن شيء اسمه القضية الفلسطينية وماذا عن مستقبل الضفة الغربية ؟ الجواب مبهم والاحتمالات كثيرة.
أما واجب شعبنا الفلسطيني فهو مواصلة إصراره على مشروعه الفلسطيني المتمثل بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
س: ماذا تقول على وعد بوش الجديد لشارون, وكيف سيستغله شارون برأيك؟
جـ: انا على قناعة انها بدأت تتبلور على مسرح الأحداث العالمية والمحلية ظاهرة “البوشارونية” أي المزيج بين بوش وشارون.
وهي ظاهرة تعني شرعية بقاء الاحتلال أينما كان وأيضا على أوطان الآخرين، منتهكا مقدساتهم، وفي نفس الوقت خلع صفة الإرهاب على الشعوب المشردة المحتلة اذا ما سوّلت لها نفسها ان تقاوم الاحتلال.
وهي ظاهرة تعني بشكل خاص إغلاق ملف القضية الفلسطينية بكل ثمن، ولكن بشرط ان يحافظ فقط على المصلحة الصهيونية الأمريكية.
لذلك من الطبيعي ان يبصم بوش بالعشرة. وان لزم الأمر بالعشرين على كل تفصيلات ما يسمى بخطة فك الارتباط ومن الطبيعي ان يستقبل شارون. كل ذلك بكامل الارتياح ولسان حاله يقول لبوش: “أنت انا وأنا أنت، ولذلك لما نظرت إليك حسبت انك أنا”.
س: فشل العرب في عقد قمتهم. ما تعليقك على هذا العجز والفشل, وما هو واجب الأنظمة والشعوب العربية اليوم تجاه كل ما يجرى في فلسطين والعراق؟
جـ: الفشل في عقد اجتماع الجامعة العربية ليس بالأمر المفاجئ لان الجامعة العربية هي عبارة عن جامع كل وضع عربي في إطاره المحلي.
وواضح جدا ان واقع كل دولة عربية لوحده يتصف بالفشل محليا وذلك نتيجة وجود القطعية الدائمة بين الحكام والشعوب.
وهذا يعني ان فشل انعقاد الجامعة العربية هو عبارة عن مجموع الفشل المحلي، ولا يمكن لهذا الوضع ان يتغير الا اذا أصبحت الجامعة العربية تعكس تطلعات شعوبها.
ولا يمكن لها ان تعكس تطلعات شعوبها الا اذا تمت المصالحة التاريخية الصادقة بين الحكام والشعوب.
ولذلك لنا ان نتساءل: كيف للجامعة العربية ان تعكس تطلعات القضية الفلسطينية والعراقية اذا لم تعكس حتى ألان تطلعات شعوبها ؟
ومع ذلك فانا على قناعة ورغم حالة الوهن التي أصابت الأمة الاسلامية والعالم العربي ان الدول العربية لو صدقت فقط باستخدام سلاح المقاطعة -لما هو في السر قبل العلن مع أمريكا وإسرائيل -لنجحت بان تسهم إسهاما جذريا بدفع القضية الفلسطينية والعراقية الى الأمام.
ثم ما الذي يمنع من تشكيل قوات حفظ السلام الاسلامية العربية لحقن دماء الشعب الفلسطيني والعراقي.
وما الذي يمنع ان تبادر الجامعة العربية الى تبني مهمة إحلال الوفاق في العراق بين كل أهل العراق بشرط إخراج كل القوى الأجنبية من العراق بدون استثناء.
س: تصاعدت الاحداث في العراق بسرعة مؤخرا، كيف ترى ما يجري في العراق, وكيف تعلق على عجز العرب عن إدانة الممارسات الأميركية في هذا البلد؟
جـ: لقد شهدت العراق فيما مضى اجتياح التتار لها، ولعاصمة الدنيا يومها “بغداد” حيث اجتاحها التتار كالجراد لا يبقون الأخضر ولا اليابس.
ويكفي ان نقول أنهم دمروا بغداد ودمروا معالم نهضتها العلمية وقتلوا قرابة المليون مسلم ومسلمة كما يقدر بعض المؤرخين.
ولكن ذلك لم يكن نهاية المطاف، فقد ضمدت الامة الاسلامية جراحها يوم ذاك بما في ذلك العراق وبغداد، وانزلوا هزيمة نكراء في التتار لدرجة انه لم تقم قائمة للتتار حتى الان.
وأنا على يقين ان أمر وحيد القرن الأمريكي ليس ببعيد عن أمر التتار.
لذلك يجب على أهلنا في العراق ان يتمسكوا بالخطاب النبوي الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: “واعلموا أن النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا”.
وأما العرب فليتهم يسألون أنفسهم: اذا كانت بالأمس فلسطين واليوم العراق فمن تكون غدا؟
وليتهم يسالون أنفسهم أين يذهبون من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
وهل العراق الا قضية إسلامية عربية كما انها قضية عراقية وهل الجندي الأمريكي الذي يحتل العراق ما جاء ليرحل بل جاء محتلا قطرا مسلما او عربيا.
وهل أهل العراق الا أهلنا وأمهاتهم أمهاتنا وإخوانهم إخواننا وأطفالهم أطفالنا ورضيعهم رضيعنا، أم رضينا لأنفسنا ان تكون في خانة الشيطان الاخرس.
س: نعود الى ملف الاعتقال, فقد وقعت أحداث كثيرة خلال ايام اعتقالكم ..حدثنا عن بعض ما أثر فيكم إيجابا وسلبا “أفرحكم وأحزنكم”؟
ج: بداية أؤكد أنني قد كتبت معظم ما مر علينا من وقائع منذ اعتقالنا وحتى ألان ، وأسال الله تعالى ان يوقفنا لإصدارها ضمن كتاب مستقل.
ومن أعجب ما اصطدمت به خلال الاعتقال ما حدثنا به طاقم محامينا لدى زيارتهم لنا في سجن اشمورت ذات مرة حيث حدثونا أنهم قد دخلوا محكمة عسكرية فوجدوا ثلاث أطفال من جنين لم يمضى على الواحد منهم اثنا عشر عاما ووجدوا ان هؤلاء الأطفال كانوا قد قاموا بمحاولة تصنيع سلاح يدوي حيث حولوا أنبوبة حديدية مع شداد حديدي الى شبه بندقية ثم نجحوا بإطلاق رصاصة منها على حمار فقتلوه ثم توجهوا بعد ذلك على الأقدام من جنين الى مدينة العفولة – مدينة في داخل الخط الاخضر – ولما وصلوا الى مشارف العفولة تم إلقاء القبض عليهم ثم سيقوا الى السجون والمحاكم.
ومن طرائف القصص التي سمعتها ما حدثنا به بعض طاقم محامينا حيث كانوا يدافعون عام 1987م عن مجموعة معتقلين سياسيين كانوا قد حبسوا في معتقل الجلمة.
فدخل احد المحامين على احد هؤلاء المعتقلين فوجده يرتجف من البرد حيث كان الفصل شتاء والطقس بارد فسأله لماذا ترتجف؟ فقال المعتقل لان ملابسي رقيقة لا تقيني البرد فطلب منه المحامي ان يغمض عينيه دقيقة واحدة حيث قام خلالها المحامي بخلع ملابسه الداخلية وأهداها للمعتقل وظل يلبس سرواله فقط ثم قدم ملابسه الداخلية الى المعتقل.
ومن ضمن الوقائع التي أنعشت فينا الشعور بالعزة والرفعة ما حدث يوم الاثنين الموافق 8/3/2004 حيث نهضنا من نومنا تمام الساعة الثالثة قبل الفجر ذاك اليوم ثم تناولنا السحور وصلينا ما شاء الله تعالى ان نصلى ثم ختمنا صلاتنا بصلاة الوتر ثم صلينا صلاة الفجر.
وعندما طلعت الشمس حضرت حافلة نقل السجون التي يسمونها (البوسطة) الى معتقلنا في (اشمورت) وقامت فرقة (نحشون) التي تشرف على الحافلة بوضع الأغلال في أيدينا وأرجلنا ثم سارت بنا الحافلة الى سجن (عتليت) ثم الى سجن (الجلمة) وعندما نزلنا الى ساحة (الجلمة) صرخ احد السجناء الفلسطينيين، و حيّانا باسمه واسم مجموعة من السجناء .. فأغاظ ذلك احد أعضاء فرقة (نحشون) .. فعلق بحقد وحسد على تحيات ذاك السجين، وقال لنا: ستردوا التحية عليهم في جنين.
ولكننا لم نرد على هذا الحاقد إذ ماذا يساوي أصلا، واكتفينا بان رميناه بنظرة ازدراء ومضينا.
س: ما مدى تجاوب وتعاطي الجماهير العربية وقيادتها في الداخل مع قضيتكم، وكذلك تعاطي العالم العربي والإسلامي مع الملف؟
جـ: لا شك ان هناك تعاطيا طيبا ومباركا مع قضيتنا على صعيد العالم الإسلامي والعربي وعلى صعيد الجاليات المسلمة والعربية في بلاد الغرب وكذلك على صعيدنا المحلى في الداخل.
وأؤكد ان بعض الفضائيات العربية قد تبنت الدفاع عن قضيتنا او متابعة كل مستجداتنا مثل فضائية اقرأ والمجد والشارقة والجزيرة وأبو ظبي والعربية.
وكذلك فان بعض الصحف والمجلات ومواقع الانترنت لا تزال تتابع قضيتنا وهي كثيرة بحمد لله تعالى.
وكذلك فقد بادرت بعض المؤسسات الاسلامية العربية الى تبني قضيتنا على صعيد عالمي وما نعلمه انه قد تم عقد مهرجانات ومؤتمرات لدعم قضيتنا ولا تزال هناك نشاطات من المزمع عقدها خلال الأيام القادمة.
وأما على الصعيد المحلي فقد كان هناك عشرات النشاطات التي قامت بها الحركة الاسلامية بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا عندنا في الداخل وبالتعاون مع اللجنة الشعبية للدفاع عن رهائن الاقصى.
كما وقام الأستاذ نزار يونس بإخراج فلم وثائقي كامل عن قضيتنا باسم (إنا باقون) وهناك عشرات النشاطات التي ستقوم بها الحركة الاسلامية بمناسبة مرور عام.
س: من خلال هذه المقابلة ماذا تقول للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني؟
جـ: لا زلت أؤكد اننا نعيش في مرحلة استثنائية صعبة، وواضح جدا ان معطيات هذه المرحلة تؤكد اننا في خطر ووجودنا في خطر وأرضنا وبيوتنا ومقدساتنا في خطر.
فقد استباح بعض المتطرفين اليهود لأنفسهم محاولة قتل بعض قياداتنا عن سبق إصرار والمثال على ذلك محاولة تفجير سيارة الأستاذ عصام مخول- عضو كنسيت عربي- , ومحاولة نسف بيت الأستاذ محمد بركة – عضو كنيست عربي- بصاروخ وإلقاء قنابل على مساجد بحيفا.
وها هي اذرع الأمن الرسمية قتلت منا حتى ألان ثلاثة عشرين شهيدا من هبة الاقصى والقدس.
وها هي بعض اذرع المؤسسة الرسمية لا تزال تصادر أرضنا وتهدم بيوتنا وها هم بعض الإرهابيين اليهود لا يزالون يحرقون مساجدنا.
وها نحن لا زلنا نعاني من تواصل الظلم التاريخي علينا منذ 1948 إزاء ذلك فلا يسعني الا ان أقول لجماهيرنا العربية الفلسطينية في الداخل ان علينا الالتقاء جميعا على خطة مرجعية استراتيجية تحدد من خلالها كيف نحافظ على وجودنا وصمودنا في هذا الوضع الاستثنائي الرديء.
س: هل من رسالة توجهها لشعوب العالم في “الغرب”؟
جـ: من خلف قضبان سجن اشمورت أؤكد للعالم الغربي انا نحب لكم الخير لان إسلامنا يأمرنا ان نحب الخير لكل بني البشر.
كما ونحب لأنفسنا ولكم ان يسود العالم الذي نعيش فيه السلام العالمي لان السلام ان كان عند غيرنا برنامجا سياسيا فهو جزء من إسلامنا.
ولا زلنا نؤكد لكم ان الأصل في العلاقة التي يحددها القرآن بيننا وبينكم هي التعارف يقول الله تعالى (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
لذلك نحن لسنا عشاق حروب كما يحاول البعض ان يضللكم ولسنا نكرهكم كما يحاول البعض ان يجركم الى صدام مفتعل معنا.
وما نتمناه لكم الا تنجروا وراء وحيد القرن الأمريكي وما نعرضه عليكم ان: “تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله”.
س: وماذا تقول للعرب والمسلمين؟
جـ: من خلف قضبان سجن اشمورت أؤكد لعالمنا الإسلامي والعربي انه ورغم الوضع الرديء الذي نعيش فيه .. الا اننا نعتز بالانتماء العقائدي والقومي الى عالمنا الإسلامي والعربي.
ولا زلنا على يقين ان هذا العالم الإسلامي والعربي لا يزال يحمل في داخله كل خير ولا يزال يحمل مقومات الحضارة التي ستنهض به ما قريب لاستئناف الحضارة الاسلامية العربية وقيادة العالم الى بر الإيمان والأمان.
عن شبكة الإنترنت للإعلام العربي
17/6/2004