15 أغسطس 2004
قبل أربعة أيام, اعتقل جيش الاحتلال الإسرائيلي، عتبة فالح أبو ناصر، من مدينة طوباس, فكان وقع الخبر رغم قساوته على الأم غير مفاجئ وعادي، إذ تعودت على أكثر من ذلك قسوةً ورهبة، حينما كان خمسة من أبنائها الست يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي دفعة واحدة. وباعتقال عتبة، باتت هذه الأم تعاني لوعة فراق ثلاثة من أبنائها، الذين يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي, حيث اعتقل نجليها محمد وعبد السلام قبل حوالي الثلاث سنوات، وهي ذات الفترة التي كان قد اعتقل فيها ثلاثة آخرون من أبنائها، وهم عتبة، وعتيبة، وفراس، والذين قضوا في السجن عدة أشهر، قبل أن يتم إطلاق سراحهم الواحد تلو الآخر.
“لم أكن أفرح بإطلاق سراح واحد منهم حتى أفجع باعتقال آخر”, قالت أم عمار، وقد غالبتها الدموع، فبكت بحرقة وألم، إلا أنها سرعان ما لجأت إلى مسح دموعها، وشرعت في الحديث عن مواقف القوة والشرف التي تعايشها جراء اعتقال أبنائها “بالجملة ” كما تقول.
وبعد مشوار مضني ومذل ومهين، امتد لحوالي أربع وعشرين ساعة متواصلة، وبينما كانت هذه الأم عائدة للتو من زيارة نجلها عبد السلام، الذي يقبع منذ ثلاث سنوات في سجن بئر السبع، والمحكوم عليه بالسجن لمدة عشرين عاماً، تلقت نبأ اعتقال نجلها الثالث، وهو الأمر الذي قابلته بالقول ” الحمد لله رب العالمين”.
وأشارت أم عمار إلى المعاملة اللاإنسانية واللاأخلاقية التي يعاملونها بها أثناء الزيارة، حيث الإهانة والازدراء والتفتيش الجسدي الدقيق والمذل، قبل أن يسمح لهم في النهاية بالالتقاء بأبنائهم لدقائق معدودة، ومن وراء الشبك والزجاج.
وعن اللحظات الأجمل في بحر العذاب الذي تعايشته أم عمار، رغم الحواجز الزجاجية والشائكة التي تفصلها عن فلذة كبدها عبد السلام تقول: ” كم أشعر بالعزة والفخر وقتها، لأنني أدرك أن أبنائي وكما الآلاف من الأسرى الفلسطينيين, أسرى للشرف…, للبطولة…, للوطن فلسطين.. .”.
وكل حركة لأم عمار داخل منزلها، تخلف غصة في القلب لذكريات أبنائها، حين تتذكر أمتعة وأشياء أولادها القابعين في السجن، الغائبين عن العين، الحاضرين في القلب دوماً .وبزيارتها لنجلها هذا شهرياً، تخفف من لوعتها للآخر القابع منذ ثلاث سنوات في سجن النقب الصحراوي، والمحكوم عليه بالسجن لثلاث سنوات أيضاً، حيث أنها لم تحظ بأية زيارة له منذ اعتقاله مع ثلاثة من أشقائه وقتها.
وعلى النقيض من أمهات كثيرات يستسلمن للبكاء لحظة التقائهن بأبنائهن المعتقلين، تحاول أم عمار قدر استطاعتها أن تكون صابرة وقوية، بل على العكس من ذلك، أحاول شد عزيمته وإعطاءه شحنة للأمام لأن فلسطين ليست ليوم أو سنة، وإنما للعمر كله كما تقول .وأكدت أم عمار أنها ستكون اليوم في طليعة المسيرة التي ستنطلق ظهراً في المدينة، تضامنا مع الأسرى الذين شرعوا اليوم في خوض إضراب تاريخي عن الطعام.
وتشكل ظاهرة الأشقاء الأسرى شيئاً مميزاً في محافظة طوباس. ويشير محمود صوافطة، مدير نادي الأسير الفلسطيني في طوباس، إلى أن الأشقاء المعتقلين يشكلون 10% من إجمالي المعتقلين في المنطقة , إذ أن هناك ثلاثين حالة لأشقاء معتقلين من إجمالي المعتقلين، والبالغ عددهم ثلاثمائة معتقل.
وقال صوافطة: “إن ظاهرة المعتقلين الأشقاء ليست بالغريبة, ففي منطقة طوباس هناك حالات لشقيقين معتقلين، ولثلاثة، ولأربعة، وأحياناً كان هناك خمسة من الأشقاء معتقلين في آن واحد “.عائلة فيصل أبو زايدة صوافطة من طوباس، تعاني ذات المشكلة، إذ أن ثلاثة من أبنائها الست، يقبعون في سجون الاحتلال منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات، حيث اعتقل الشقيقان سمير (25 عاماً) و(أحمد20 عاماً) في ذات الليلة، فيما اعتقل شقيقهم الثالث منير( 23 عاماً) بعد أشهر قليلة من اعتقالهم.
وتشير أم مالك إلى أنها ورغم المعاناة والألم التي تعايشهما جراء اعتقال أبنائها الثلاث، إلا أنها تشعر بالعزة والفخر جراء ذلك، لأنها أماً لأبطال حقيقيين، دفعوا أعمارهم وأرواحهم فداءً للوطن، مشيرة إلى ابنها باسم، والذي استشهد مطلع الانتفاضة الأولى في العام 1987.
ويقبع سمير في سجن شطة المركزي، ومحكوم عليه بالسجن المؤبد، فيما يقبع أحمد في سجن شطة، ومحكوميته لست سنوات، أما منير فيقضي مدة محكوميته البالغة أربع سنوات في سجن هداريم.
وأبدت أم مالك أسفاً كبيراً جراء عدم تمكنها من الوقوف إلى جانب أبنائها الأسرى في يومهم التاريخي هذا، نتيجة لمرض يلازمها ويمنعها من الحركة والتنقل، وهو الأمر الذي لولاه لكانت أول المتضامنين مع الأسرى على حد تعبيرها.
وتنفي أم مالك أن تكون ضعيفة أو باكية لحظة لقائها بفلذة كبدها سمير، أثناء الزيارة، مبينة أن مشاعر الفخر والعزة تتغلب على مشاعر الضعف والبكاء في كل لقاء.
وتشير انتصار دراغمة، وهي أخت لثلاثة معتقلين أشقاء، أنها اعتادت على ضعف هذا العدد من أشقائها الذين اعتقلوا جميعهم ذات مرة…وقالت دراغمة في أية لحظة أتوقع أن يقتحم جنود الاحتلال بيتنا، ويقتادوا بقية إخوتي أسرى، ويدمرون البيت قبل أن ينسحبوا.
وتقول: منذ آخر مرة اقتحم فيها جيش الاحتلال بيتنا، وبدأنا نحس بالأمن والأمان وننام الليل دون هواجس، إلا أنهم وتقصد (جيش الاحتلال)، عادوا الكرّة من جديد، واعتقلوا الشقيق الثالث.