أغسطس 2004
لأول مرة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة يصادر المعتقلين خلال شروعهم في الإضراب المفتوح عن الطعام الذي بدأ يوم 15/8/2004 الملح والسجائر وتصادر المراوح في ظل الحر الشديد وكذلك مصادرة الصابون والكتب والمواد القرطاسية. هذه الإجراءات التي بدأت بتنفيذها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بأوامر من الحكومة الإسرائيلية شملت أيضاً مصادرة أجهزة التلفاز والراديو ومنع الصحف وزيارات الأهالي ومنع المحامين من لقاء الأسرى…
وتعزز ذلك بتعزيز وحدات خاصة للقمع انتشرت في كافة السجون تقوم بمهام الاقتحام والتفتيش لغرف الأسرى والاستعداد للبطش بهم وخلق أجواء إرهاب في صفوف المعتقلين.
وجاءت هذه الحملة المسعورة اتجاه إضراب سلمي واحتجاجي أعلنه الأسرى لأسباب إنسانية وبهدف تحسين شروط حياتهم المعيشية التي تدهورت بشكل خطير جداً في السنوات الأخيرة، جاءت وفق توجه رسمي إسرائيلي عبر عنه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي اسحق هنغبي بقوله بكل استهتار انه يمكن للأسرى أن يضربوا حتى الموت فلن يستجيب لمطالبهم.
وشن اليمين المتطرف في إسرائيل حملات تحريضية ضد إضراب الأسرى حتى وصل الأمر بأحد الصحفيين اليمينيين وهو يهوشع بورات في صحيفة يديعوت يوم 16/8/2004 الى تطبيق نهج حكومة تاتشر في تعاملها مع إضراب الأسرى السياسيين الايرلنديين داعياً الحكومة الإسرائيلية إلى عدم الاكتراث بمطالب الأسرى حتى لو ماتوا جميعهم.
ان تصريحات هنغبي خطيرة للغاية فهي أول إعلان حكومي رسمي لا سابق له يعبر عن منهج جديد في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين خلال الإضراب عن الطعام، وهي دعوة صريحة تشرع جواز قتل الأسرى والاستهتار بحياتهم وبحقوقهم الإنسانية وحتى هذه التصريحات التي ترجمت إلى أوامر تخالف القوانين الإسرائيلية ليس فقط القوانين الدولية الإنسانية.
ومن هنا تأتي حالة القلق على حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في ظل السياسة الإسرائيلية الحالية القائمة على قتل الإنسان الفلسطيني بدم بارد ودون أية مراعاة للاعتبارات القانونية والإنسانية.
ان شعار (الأمن) أصبح شماعة استخدمته حكومة شارون لتدمير وإبادة الشعب الفلسطيني وهذا الشعار يطبق على الأسرى الفلسطينيين المعزولين في سجونهم وزنازينهم..
ولم تكتف حكومة شارون بالمصادقة على قرار عدم الاستجابة لمطالب الأسرى حتى لو استشهدوا خلال الاضراب بل شنت عليهم حرباً نفسية وعصبية وإجراءات لا أخلاقية بهدف تدميرهم وإفشال حركة نضالهم الساعية إلى العيش بكرامة وإنسانية وفق ما نصت عليه مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني..
فقد استخدمت أساليب ضغط نفسي من خلال مصادرة السجائر والملح والمواد القرطاسية والمراوح والتي لا يؤثر بقاءها لدى المعتقلين على موضوع الإضراب…فالملح أساسي يستخدمه الأسير المضرب حتى لا تتعفن معدته خلال الإضراب بسبب عدم تناوله الطعام…ولم يسبق في أي إضراب عن الطعام ليس فقط في سجون إسرائيل بل في العالم أن صودرت هذه الأمور من الأسرى.
ووصل الأمر إلى استخدام أساليب لا أخلاقية مثل إعطاء الأوامر للسجانين بشي اللحوم وقلي الفلافل في ساحات السجن كي تنتشر الروائح إلى غرف المعتقلين لاستفزازهم وحثهم على فك الإضراب وقد جربت إدارة السجون هذه الطريقة في اضرابات سابقة وأثبتت فشلها الذريع وكأنها لم تتعلم من تجاربها مع الأسرى الفلسطينيين.
ووصل الامر أيضاً إلى تشويه الحقائق إعلامياً وتصوير الإضراب كأنه سياسي او لأهداف حزبية او لأسباب أمنية في حين ان العالم جميعه قد اطلع على مطالب الأسرى والتي هي مطالب معيشية عادية كانت بالأساس متوفرة وموجودة لدى الأسرى قبل انتفاضة الأقصى وسلبت منهم..
والانحطاط الأخلاقي تجلى في الانحدار الإعلامي الإسرائيلي الرسمي بالادعاء مؤخراً أن مروان البرغوثي المعزول في سجن بئر السبع والمضرب عن الطعام قد التقطت له صوراً وهو يتناول الطعام وذلك بهدف إحباط الأسرى أولاً وهزّ صورة المناضل البرغوثي في أوساط الأسرى وأبناء شعبه.
وهذا الخبر الذي نشرته صحيفة يديعوت يوم 17/8/2004 يستهتر بعقول الناس ويستخف بالصحفيين ويعبر عن تدهور إعلامي كارثي في المجتمع الإسرائيلي إذ أن ابسط الصحفيين لا تنطلي عليه هذه اللعبة التي تفبرك بها صوراً للبرغوثي التقطت قبل الإضراب لتوظف حالياً في معركة الحرب النفسية على الأسرى المضربين.
إن قرار وزير الصحة الإسرائيلي “داني نافيه” بعدم إدخال الأسرى المرضى الذين تتدهور صحتهم خلال الإضراب إلى المستشفيات الإسرائيلية يعبر عن مخالفة وقحة لآداب المهنة الطبية وعنصرية بغيضة تعزز التوجه الوحشي للتسبب بقتل الأسرى وعن عمد خلال إضرابهم عن الطعام…فحتى العلاج الطبي للأسير المريض قد منع على يد حكومة شارون التي تضرب بعرض الحائط كل المواثيق الإنسانية والشرائع الدولية.
ويبدو أن المستوى الأخلاقي والسياسي لحكومة شارون قد تدهور بشكل كارثي فهو لا يحارب الأسرى المضربين فقط بل يحارب الحياة ويضع شعبه أمام سؤال أخلاقي وقيمي يشكل تهديداً ثقافياً وتربوياً وسياسياً للحياة في المجتمع الإسرائيلي إذا لم يتدارك المفكرون والمتخصصون والمثقفون المتنورون في إسرائيل للتحرر والتمرد على هيمنة الفكر اليميني والفاشي الذي تمثله حكومة شارون المتربصة على السلطة في إسرائيل.