17 سبتمبر 2004
يعتبر العام الدراسي الجديد من أجمل وأهم الأيام بالنسبة للأطفال الذين يمضونها في الاستعداد والتحضير لهذه المناسبة، يجتمعون من جديد مع زملائهم في المدرسة بالفرح والسعادة، إلا أطفال الأسيرة الفلسطينية قاهرة السعدي، فإن حياتهم تختلف عن باقي أطفال العالم، والسنة الدراسية الجديدة بالنسبة لهم ليست كباقي أطفال فلسطين، كما تقول الطفلة “ساندي”: (لحظات من الحزن والألم، تتفتح فيها الجراح في غياب والدتنا القسري والمستمر للسنة الخامسة على التوالي، فكل أطفال العالم يرافقون أمهاتهم للمتاجر لشراء الملابس ومستلزمات العام الدراسي الجديد، أما والدتنا فإنها مكبلة بالقيود، أسيرة خلف قضبان القهر، لا نعرف كيف أصبح شكلها، ولا نعلم عنها سوى القليل، فمن أين ستأتي الفرحة والبهجة).
حــــــزن وبكــــــاء دائــــــم
وبينما كان أقرانها في المدرسة يتحدثون بفرح وبهجة عن ملابس العام الجديد، جلست الصغيرة “ساندي” التي لم تتجاوز الثالثة عشر في ركنٍ بعيد من الصف تحمل صورة والدتها وتبكي بحسرة ومرارة انعكست على جميع أقرانها الذين التفوا حولها رغم ضغر سنهم، يؤازرونها ويستمعون لها وهي تقول: (منذ اعتقال والدتي لا نشعر بأي سعادة وفرح، إنني وأشقائي الثلاث، محمد 9 سنوات، ورأفت 8 سنوات، وزينة 6 سنوات، في حالة حزن وبكاء دائم، وكلما جاءت مناسبة أو عيد نتحسر كثيراً على هذا المصير المؤلم الذي سببه الاحتلال، فأي قانون أو شريعة تجيز هذا الظلم، وبأي حق نشرد ونحرم طفولتنا وحنان الأمومة. كانت أمي ترعانا وتدرسنا وتوفر لنا كافة مستلزماتنا، وعندما يأتي العيد تشتري لنا أجمل الملابس وتجهّز لنا الكعك والحلويات، ولكن ها هو العيد يمضي تلو العيد، ووالدتنا لا زالت مقيدة، فإلى متى؟).
اعتقال الوالـد والوالـدة
وساندي التي تتحدّث بلسانٍ يفوق عمرها لن تنسى تفاصل اعتقال والدتها قاهرة السعدي، وتشردها وأشقائها، والتي تعتبر امتداداً لمأساة الطفولة التي عاشتها الوالدة التي ولدت يتيمة وقضت بعض سنوات حياتها في ملجأ حتى تزوجت بقريبها ناصر السعدي من مخيم جنين، وإذا كانت ظروف القدر فرضت عليها حياة التشرد والمعاناة، فإن ممارسات الاحتلال فرضت على أطفالها نفس الظروف، وتقول ساندي: (في 5/8/2001، اعتقلت قوات الاحتلال والدي، وبعد ذلك بيوم اعتقلوا والدتي، حيث داهموا المنزل الذي كنا نعيش فيه في رام الله وفتّشوه وهاجموها وقيدوها واقتادوها إلى السجن، أما نحن فلم نجد من يرعانا وفرضوا علينا الإقامة في نفس الملجأ الذي عاشت فيه والدتي لفترة سنة شهور كانت أقسى لحظات العمر، وفما أمضى والي عشرين شهراً رهن الاعتقال، فإن والدتي تعرضت للتعذيب والعزل والتحقيق فترة طويلة حتى نقلوها إلى سجن الرملة، حيث لا زالت تنتظر حكماً قاسياً).
الحكم القاسي الذي تنتظره الأسيرة قاهرة
وتقول محامية قاهرة أن النيابة العسكرية تطالب المحكمة بمحاكمتها 4 مؤبدات و58 عاماً بتهمة الانتماء لكتائب شهداء الأقصى والقيام بفعاليات لصالحها. وبسبب إصرار النيابة على موقفها فإن المحامية تبذل جهداً مضاعفاً للتأجيل ومحاولة تخفيف الحكم الذي يعني تدمير حياتها وحيات أطفالها إلىالأبد.
ظلال رهيبة من الخـــوف
ظلال هذه الصورة الرهيبة تفرض نفسها على حياة أسرة قاهرة السعدي التي فقدت بعد الوالدة منزلها الذي هدمته قوات الاحتلال خلال مجزرة مخيم جنين في نيسان من العام 2004، ولكن البيت كما تقول ساندي ليس مهماً، فمن الممكن أن نعيش في خيمة، ولكن بوجود أمي التي تمثل الحياة والمستقبل والأمل، ولكن كلما اقتربت المحكمة، نشعر بالخوف، حتى أننا أصبحنا نعيش في دوامة رعب وانتظار وقلق على مصير أمي التي يفنى شبابها وزهرة مستقبلها خلف القضبان بذريعة الأمن الإسرائيلي الذي يسلبنا الحياة ويحولها إلى جحيم، فعندما ننهض صباحاً، نتمزق حزناً لأن كل الأطفال تجهزهم أمهاتهم للمدارس وتعد لهم أمهاتهم فطورهم وغدائهم، إلا نحن فلا أم لنا تمنحنا الدفء والقوة والحنان وبهجة الطفولة.
كوابيس مؤلمـــة وحرمان من الزيارة
لا يكاد يمضي يوم دون أن تنهض ساندي من نومها تصرخ من هول كوابيس الخوف التي تؤرّق حياتها في ظل غياب والدتها، وتتفاقم معاناة أطفال قاهرة مع حرمانهم من زيارتها كغيرها من المعتقلات في سجن الرملة، ورغم احتفاظها بكل صور والدتها ومحاولتها رسم صور جديدة من مخيلتها، فإن ساندي تبدي تأثرها الشديد بذلك، وتقول: (لا يكتفي الاحتلال بحرماننا من والدتنا، بل لا زلنا محرمين من زيارتها منذ ثلاثة أعوام، حتى أن أشقائي الصغار نسوا معالم وجهها، فأي ظلمٍ أكبر من هذا، وأي عقوبة أكبر من ذلك؟)
أمنيــات مختلفــة
ووسط هذا الواقع المأساوي، وفيما يرسم الأطفال الكثير من الصور الجميلة لأمنياتهم وأحلامهم، وبينما يحلم أقران ساندي بألعابهم وهداياهم، فإن أمنية أطفال قاهرة مختلفة كحياتهم التي لا يغيب عنها شبح الاحتلال، وتقول: (في العيد لا نريد ألعاباً، أو ملابس أو أي سيء، أمنيتي ودعائي لله أن يفرج كرب والدتي وكل المعتقلين ليجمعنا بهم دون قيد أو أحزان، والأمنية الأخرى التي رددتها وهي تبكي بلا توقف: أن أنام في حضن أمي، وأن تمسح دمعتي، وأن تعانقني في كل صباح، وأقبل جبهتها وأن يجتمع شملنا على مائدةٍ واحدة. رجائي في هذا العالم الظالم أن يجمعنا، أريد أمي، نريد أمنا، فمن يحقق لنا هذا الحلم والأمل؟).