28/2/2008

موازنة حرية الكلام (حرية التعبير) مع الاحترام الخاص للأقليات بيان مقدم من “المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان”

يود “المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان” أن يعيد تكرار موقفه الذي اتخذه حيال الخلاف الدائر في أعقاب إعادة نشر الصحف في الدانمارك لإحدى الرسومات الكاريكاتيرية الإثنتي عشر التي قامت برسم صورة النبي محمد والذي كان قد نشب أصلا في العام 2005. ففي شهر أيلول (سبتمبر) من ذلك العام عندما قررت صحيفة الـ”يولاندز –بوسطن” الدنماركية أن تنشر أشكالا ورسوما كاريكاتورية للنبي محمد أدت إلى نشوب جدل حول الرقابة الذاتية التي تصاعدت في الدنمارك وخارجها والتي تعمل، بحسب الصحيفة، على تهديد حرية التعبير. وكان نشر هذه الأشكال والرسوم الكاريكاتيرية قد تم فهمه على أنه اعتداء على المسلمين وكان قد صاحبه ردود مثيرة في الدنمارك وخارجها استغرق شهورا طويلة لتهدأ.

إن “المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان” كان قد تبرأ وبشكل متواصل من أية بيانات تمييزية أو بيانات مهينة تمس الإسلام أو المسلمين، وإنه منذ الوهلة الأولى قد عبر عن قلقه الشديد إزاء اللهجة السائدة في ذلك الجدل الذي لا يٌسهم في القيام بجدل بناء وإيجابي. وكان السيد “مورتن كيروم” مدير “المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان” قد أوجز في وسائل إعلام دانمركية عديدة ذاكراً الخطر الناجم عن تعميق الفجوة الواضحة ما بين غالبية السكان في الدنمارك وبين أقلياته العرقية والدينية وأنه أكد على أن مثل تلك الفجوة قد تقوم بتعزيز الكراهية والتوترات بحيث تكون ذات نتيجة عكسية داخل أي مجتمع. ويجب أن يتم النظر إلى نشر تلك الأشكال والرسومات الكاريكاتورية وإلى ردود الفعل عليها ضمن سياق هذا الجدل المؤلم والمثير للخلاف.

وفي ضوء هذا الخلاف الدائر حاليا والذي نشأ بفعل إعادة نشر رسومات كاريكاتورية في صحف دنماركية تصور النبي محمد، كرد فعل على خطط مزعومة لقتل صاحب الرسم الكاريكاتوري، فإن “المعهد الدانمركي لحقوق الإنسان” يود أن يعلن ما يلي:

* إنه من غير الممكن أن يتم التساهل مع الخطط التي تنوي قتل رسام الكاريكاتير، أو أي إنسان آخر، فالغالبية العظمى من المسلمين، حالهم كحال أي فرد آخر، سوف يأسفون على اتّباع مثل هذه الأنواع من النوايا والأساليب، وهنا لا بد من الاستناد إلى القضاء وإلى مبدأ سيادة القانون، فليس ممكناً أن يتم السماح للمتشددين، مهما كانت معتقداتهم، الذين يهددون باستخدام العنف، أن يفرضوا الأجندات والتقييدات على حق الحرية في التعبير.

* إن حرية التعبير تعتبر شرطا مسبقا من شروط ممارسة حقوق الإنسان الأخرى وهي بهذه الصفة تعتبر إلزامية بالنسبة لأي مجتمع ديمقراطي (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان UDHR)، المادة 29، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، المادة 19. وبالرغم من ذلك، فإنه لم يحدث من قبل مطلقا أن تم اعتبار هذا الحق غير مشروط، وإنه من الواجب أن تتم ممارسته فيما يختص بحقوق الآخرين. ومعنى ذلك أن على المرء أن يمارس على الدوام حق الحرية في التعبير بشكل مسؤول وبكل الاحترام، وخصوصا إذا كان متعلقا بمسائل تكون مشحونة بالعواطف كالمعتقدات الدينية للناس.

وبالنسبة للمطلب الخاص بإيجاد تعاون بنّاء وتعايش إيجابي بين الاقليات والاغلبيات فهو في حالة ازدياد بما أن المجتمعات تصبح أكثر تنوعا. ويترتب على هذا التنوع في المجتمع إبداء الاحترام تجاه بعضه البعض عندما يكون الأمر له علاقة أيضا بمسألة حق الحرية في التعبير غير القابلة للتحويل. فالتعبيرات المثيرة للغضب، سواء كانت قانونية أم غير قانونية، سوف يكون لها في معظم الأحيان ضحايا يشعرون بأن حقوقهم قد تم انتهاكها. وسيكون الفهم والاحترام المتبادلين بين كافة المجموعات الدينية والعرقية في الدنمارك وفي كل مكان آخر أيضا بحاجة إلى رعاية باستمرار وهناك حقوق للإنسان تقدم معايير عالمية تعمل على دعم هذه المحاولة. ويجب أداء ذلك بحيث يكون منسجماً ومطابقاً للفهم العام للحقوق والحريات التي تم التعبير عنها أولا في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” وكذلك في “المادة 19” من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.

أما أفراد ومجموعات ومنظمات أية دولة، أي المجتمع المدني في تلك الدولة، فسيكون لهم الحق والواجب في المشاركة بالمسائل ذات الأهمية وفي الرد عليها. ومع ذلك، فان مثل ذلك الإجراء يجب أن لا يكون أبدا عنيفا بحد ذاته أو أن يكون مسهما في تصعيد عنف وكراهية أو ملحقا ضررا بالاحترام الخاص لحقوق وحريات المجموعات والأفراد وذلك لكي يكون إسهام مثل تلك المشاركة إسهاما بناءً في نشر حقوق الإنسان.

وإن من واجب الحكومات، أولا وقبل كل شيء، أن تقوم باحترام حقوق الإنسان، أي أن تمتنع عن انتهاكها لتلك الحقوق وان تحمي الأفراد من انتهاكات حقوق الإنسان التي تجري من قبل آخرين. فالحكومات في أي مكان، سواء في الدنمارك أو خارجها، هي الملزمة ببذل أقصى ما لديها كي تسهم بتحقيق تسوية سلمية لهذا الوضع الراهن بطريقة تؤدي إلى نشر التسامح والتعددية والى احترام التنوع الذي ينتج مجتمعات اكثر تقبلاً وشمولاً للجميع من مختلف الديانات والأصول والمنابت.

ويود “المعهد الدانمركي لحقوق الإنسان” أن يغتنم هذه الفرصة للتأكيد على الحاجة إلى نشر الوعي بحقوق الإنسان وعلى أهمية التشجيع على إجراء حوار سلمي حول التحديات التي تعترض حقوق الإنسان كما هو منصوص عليها في “المادة 7” من “الميثاق الدولي لإزالة التفرقة العنصرية”. وإننا بشكل خاص ندعو الشركاء ومؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان في كل مكان أن يمدوا يد المساعدة لنا في محاولة إبراز مبادئ حقوق الإنسان، بكُليَّتها، لتكون في مقدمة الحوار للمجموع العام من الناس وان يتم استخدام الزخم الحاصل للوضع الراهن لتعزيز وتقوية فهم وتطبيق حقوق الإنسان في كافة المجتمعات.