2/4/2007

منتدى الشقائق ..
هدى العطاس

العنف نسق لا يتجزأ لذا زغرودتان مقابل ثلاث زغاريد وأكثر لو كنت ذكراً هكذا منذ الوهلة الأولى لوصولي إلى العالم أرادوا إخباري وتفطيني بأنني مصنفة في خانة (الأقل) ومن يومها قس على ذلك،دائماً تعبرني فكرة مرعبة ماذا لو أبي نفذ ما أراد وزوجني في عمر الثانية عشرة وأتخيل نفسي الآن أجر خلفي ذيلاً من الأطفال .

وحينما صرخ والدي (بالعار والشنار) حتى يرغمني على الزواج ويمنعني من المدرسة ، صاحت أمي في وجه العالم بحقي في التعليم والحياة و(تحديد المصير) ربما هذا ما شكل وعيي ألا أحفل بالقضايا الكبرى للأمة وهي في التحليل النهائي قضايا ذكورية ، فلدي قضيتي كأمرأة تصنف من قبل هذا المجتمع الذكوري منذ البدئ في خانة الأقل .

وحينما استهجنت جارتنا ركوبي الدراجة لأنني بنت وسيذهب ركوب الدراجة ببكارتي بنية إقصاءي من ألعاب الأولاد في نظرها ، كان رد أمي أن اشترت لي دراجة أكبر وأجمل ، وهكذا لقنتني كيف أجيب على منظومة الإقصاء.

ما سبق في ظني غبن عام يقع علينا جميعاً كنساء يرافق قول خالتي الشائع في المجتمع الدائم على مسامعي (اوبه من البنت تفهم دق لها في الضبيرة وقسمها إلا الفقيرة).

عندما بدأت الكتابة كانت الأشرطة الملونة تتدلى من شعري “ومازالت”أول موقف استنكاري ووجهت به من الآخر الذكوري “ايش عرفها بهذا كله”.

إشارة ضمنية إلى أن البنت التي تعرف أكثر مما يجب مشكوك في سلوكها ,سألني أحدهم بإدانة تكتبين عن الرجل في القهوة ايش عرفك والا انتي تجلسين هناك مع الرجال؟ سؤال ضحكت له حينها وجرحني فيما بعد حينما نما مع نمو التجربة الكتابية لدي ,ونمت له أنياب .

وحينما يهز البعض رؤوسهم قائلين انتي كاتبة جريئة في محاولة لإقناعي بإعجابهم وفي محاولة أخرى لتملق قيم الحرية والانفتاح والتحضير التي يعرفون في قرارة أنفسهم واعرف مسبقاً عدم تحليهم بها فخلف نظراتهم تتربصني التهمة الجاهزة كاتبة إباحية فاسقة ,قالها عنهم “وبالميكرفون “خطيب المسجد المجاور لمنزلنا ,وأنا مسترخية في جلسة الشاي مع أهلي عندما سمعنا أسمي يردد في سيل من الشتائم والتهم تكال لي ويقيم عليها البرهان سدنة المنظومة الدينية بمقال كتبته أدعو فيه الملائكة للعب مع الأطفال ويصرخ خطيب المسجد بإدانتي والحكم: كيف تجرأت على ذلك أن لم أكن كافرة! أذكر أن المقال ذكر النساء وطالب أن يسفرن عن وجوههن فالوجوه صفحات القلوب أنا على يقين أن هذا ما أثاره وهيج مرجعيته وأمثاله من يمتطون الدين لإحكام دائرة الإقصاء والتهميش والانتهاك علينا في اتساق متناغم مع منظومة العادات والتقاليد ورواسب السلوك الاجتماعي ضد المرأة.

وهكذا أصبحت مستضافة دائمة على قائمة التكفير الديني ومنبر المسجد المجاور وربما منابر أخرى ,في أحد الأيام اتصل الشاعر الكبير المرحوم محمد حسين هيثم يخبرني ويحذرني أن احترس لنفس فأنا مطلوبة للقتل قائلاً أن هناك قائمة سوداء صدرت من مجموعة من الكتاب والسياسيين وحملة الرأي وأنا المرأة والوحيدة التي جئت في ذيلها هاهو الموت يصبح على مربط قلم أو فكرة أو رأي لم أخبر أمي حتى لا يأخذها الفزع ويترتب على ذلك إجراءات أمنية من قبلها تتمثل في منعي من الخروج أو السفر تمتد الإجراءات بمطالبتي التوقف عن الكتابة بدافع خوفها وهلعها معها حق فالمسألة تهديد بالموت فربما في أي ساعة أودعها ولا أعود إليها عشت ليالي أفكر في فجيعة أمي وأبكي مسبقاً على أم ثكلى لم يتوقف الأمر عند ذلك بعد فترة أثيرت قضية “رواية محمد عبدالولي التي نشرت في صحيفة الثقافية سجن رئيس التحرير حينها وكفر ومعه عدد من الشعراء والقاصين وكتاب الصحيفة وكنت واحدة منهم ليعود أسمي يتردد في خطب المسجد وها أنا في مواجهة جديدة ولكن هذه المدة مع الأقلام الأمنية في الصحافة فعندما اختط زملائنا نبيل سبيع ,نايف حسان ,عمار النجار ,وغيرهم أسلوباً جديداً في الكتابة لإماطة اللثام عن المسكوت السياسي مما جعلهم هدفاً لدوائر الأمن والمخابرات وسودت صفحات في الجرائد وفرخت صحف وصحفيين لشتمهم كأحد أساليب الترهيب والتركيع من قبل السلطة ودوائرها الأمنية وإذا بي أحشر بينهم وهو شرف لم أبذل جهداً كجهدهم لنيله ,

ويكتب أحدهم ناعتنا بشلة الكتاب الشباب الفاسقين والمارقين الداعين إلى انحلال المجتمع ويخصني بأني قد تحدثت عن الشواذ في لندن في أحد مقالاتي وكنت مع موعد آخر مع دوائر الأمن والتلصص والمخابرات وذلك أثناء التهيئة لترشيحات الانتخابات الرئاسية وعندما أعلنت الأستاذة سمية على رجاء نيتها للترشيح كنت أقف إلى جوارها نبنياً للمبدأ الحق في الترشيح لأي مواطن وعلى الأخص لإثبات حق المرأة وإشاعة أجواء الديمقراطية كما يجب وإذا بي افاجاء أن تيلفوني ومكالماتي تخضع للمراقبة وما أقسى أن تشعر بأنك منتهك وبأن خصوصيتك مباحة وأنك عار لا ستر يأويك ,أصبحت مكالماتي جافة ومبتسرة حتى وأنا أتحدث مع زوجي فهناك اذن ثالثة بيننا لا يحق ولا تستحق أن تسمع كلمة ناعمة أو بوح حميم ومن حينها وإلى الآن ما زال تلفوني مراقباً والآن لا يخطرني سوى هذا السؤال حينما فر الإرهابيون من سجن الأمن المركزي بعد أن حفروا نفقاً هل كان رجال الأمن حينها مشغولين بالتنصت على أحدانا في مكالمة عاطفية مع زوج أو حبيب ستقوض أمن الوطن!! .

وهكذا تبدو المرأة التي تحمل رأياً وتعبر عنه محاصرة تتربصها آذان وعيون ومخالب الثالوث السلطوي (المؤسسة الذكورية -المؤسسة الدينية المتطرفة -مؤسسة الدولة بإلياتها القمعية).