21/6/2008

في العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الموافق 3 يونيو 2008 شنت قوات أمن البحيرة تجريدة وحشية على فلاحي وفلاحات عزبة البارودي – مركز الرحمانية لتنفيذ حكم قضائي ضد 17 أسرة تزرع 13.5 فدان من أراضي الإصلاح الزراعي منذ أكثر من 50 عاما.. ارتكبت قوات الأمن كل ألوان التنكيل والإرهاب ضد الفقراء العزل.. لم يرتكب أهل القرية مخالفة واحدة ضد قوات الغزو التي داهمت القرية.. فمديرية الأمن لم تخطر أهل القرية بموعد التنفيذ وإنما تسللت قواتها تحت جنح ليل يوم الاثنين الموافق 2 يونيو إلى القرية وانتشرت في طرقاتها وداهمت منازلها واعتقلت بعضا من الرجال.. على حين هرب البعض الآخر.. انطلقت النساء إلى الأرض لحماية مصدر رزقهن ورزق أطفالهن (الملكيات صغيرة تتراوح ما بين 20 قيراط و 2 فدان).. لكن قوات الأمن كانت هناك وقامت بتفريق النساء بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء فعادت النساء إلى منازلهن في العزبة.

وفي الصباح الباكر كررت النساء المحاولة فخرجن إلى الأرض وجلسن فيها من السابعة صباحا.. وفي العاشرة صباحا بدأت الهجمة البوليسية، حيث وصلت إلى القرية مجموعات من قوات أمن البحيرة (أبو حمص وايتاي البارود والمحمودية وغيرها) فحاصرت الأرض وسدت مداخل القرية ومخارجها، وبدأت في حرث الأرض بما تحمله من محاصيل البطيخ والطماطم والخضر البرسيم، مستخدمة في ذلك جرارات شيخ البلد في كفر محلة داوود (وهو احد المشترين من السيدة زينات البارودي، صاحبة الحكم بانتزاع ملكية الأرض من الفلاحين) وفي نفس الوقت انتشرت مجموعات الشرطة السرية في الشوارع والأزقة وبدأ تنفيذ الجزء الثاني من حملة تأديب أهل العزبة وهي الحملة التي استهدفت النساء والأطفال: مجموعات ضخمة من البلطجية والمخبرين يرتدون الملابس المدنية انهالوا على النساء المعتصمات في الأرض ضربا بالنبابيت فجرين إلى داخل القرية ليحتموا في منازلهن.. لكن الشرطة كانت في انتظارهن في داخل الأزقة فاستمرت في حملة الضرب ثم حاصرت من هربت منهن إلى داخل أحد الأماكن الجاري بناءها وانهالت عليهن بالضرب العشوائي لكل من طالته أيديهم.. بل وصل الأمر حد اقتحام عدد من البيوت وضرب النساء والفتيات داخل منازلهن في غرف النوم وفي حظائر الماشية.

في تلك الأثناء تم إلقاء القبض على محامي الفلاحين وهو ابن احد الحائزين على الأرض حيث تم احتجازه في مركز الشرطة.

استمرت المطاردات ما يقرب من ست ساعات حاول الفلاحون أثناءها استدعاء سيارات النجدة والإسعاف لنقل النساء الجريحات اللاتي عانت بعضهن من الكسور والكدمات التي غطت مساحات كبيرة من أجسادهن. لكن دون جدوى، بل ألقي القبض العشوائي على النساء تحت وابل من السباب القذر وألقي بهن في حجز المركز حيث مكثن هناك دون رعاية طبية أو طعام أو مياه حتى الثانية بعد منتصف الليل.

واستكمالا لمسلسل الإرهاب حاولت الشرطة إجبار عدد من المقبوض عليهم، ومنهم محامي الفلاحين، على التوقيع على أوراق تنازل عن الأرض.. وعلى حين رفض المحامي التوقيع إلا أن عددا من الفلاحين أرغم على التوقيع دون أن يعرفوا مضمون الأوراق التي يوقعون عليها.

شهادات نساء القرية
في يوم الاثنين الموافق 9 يونيو توجه وفد من مركز النديم يضم أطباء ومحامين إضافة إلى ممثل عن لجنة التضامن مع فلاحي الإصلاح الزراعي واثنين من الصحفيين لتقصي حقائق ما جرى في عزبة البارودي.

وصلنا العزبة الساعة الثانية عشر ظهرا.. في مدخل القرية عدد قليل من البيوت.. والكثير من النساء.. لا يوجد رجال.. بعض الأبواب والنوافذ محطمة.. لكن العزية خالية من أي وجود أمني واضح.. حتى المخبر الذي عادة ما يقابلنا في بداية كل بعثة لتقصي حقائق ليستجوبنا حول ما جئنا من أجله.. حتى هذا المخبر لم يكن موجودا.. انتهت المعركة ولم يبقى سوى ذكراها وما تركته من مصابين.

جلسنا في أحد البيوت وتوافدت علينا النساء تحكي تفاصيل ما جرى..

حميدة لطفي الصاوي، 45 سنة، ثلاث أطفال
جم بالليل (مساء الاثنين 2 يونيو) أخذوا الرجالة من كل البيوت عشان ما يحوشوش عننا. منهم اللي أخدوه ومنهم اللي هرب.. نزلنا على الأرض.. ستات ياما.. حوالي 100 ست.. قعدنا في الأرض.. ضربوا علينا نار طفشونا.. رجعنا البيوت ونمنا، صحينا الصبح ورحنا الأرض بدري.. حوالي الساعة 11 جابوا قوة من المركز ونبابيت كبيرة. و جابوا قوة من أبو حمص و إيتاي البارود والمحمودية. قوة كبيرة طلعوهم، أنا لوحدي 3 رجالة ضربوني.. رجعنا مضروبين من الأرض. كانوا بيجروا ورانا ونازلين فينا ضرب و دخلوا البيوت.

(كدمات حول الكاحل الأيمن، تورم وصعوبة في حركة الرسغ الأيمن)

صابرين شعبان سليمان، 21 سنة، لا تملك أرضا
دخلوا عليا البيت، كنت بأحط البهايم مع أمي هجموا علينا ونزلوا فيا ضرب.. أمين شرطة و ثلاث عساكر.. ضربوني كثير و ناس كثير كانت واقفة شتمونا شتيمة قذرة.. يا كذا … يا بنت كذا … كلام عيب يتقال لبنات أخذونا المركز وفضلنا للساعة أثنين بالليل.. حاجة بشعة.. لحد دلوقتي ما بقدرش أنام من المنظر.. صوت الراجل اللي ضربني لسه في وداني.. أنا عندي أربع رجالة في البيت.. عمر ما حد مد إيده عليا.. ييجي الكلب ده يضربني. قلت لوكيل النيابة عيب بنات تجيبوها النيابة. لما انتوا بتبهدلوا البنات كده ها تعملوا إيه في الرجالة؟؟ و هتعملوا إيه في البلد و العدل يبقى فين؟ رد عليا وقاللي أسكتي أحسن أنزلك الحجز يضربوكي.. عايزين يئذوا النسوان حتى اللي ما لهمش أرض زينا عشان الرجالة تتحسر عليهم.. فيه رجالة أخدوهم على القسم يوم الاثنين بالليل وفيه رجالة ما عرفوش يطولوهم.. الجرارات جت تحرث الأرض، كانت مزروعة بطيخ لب، كان لسه زي الطفل اللي بتربيه، بهدلوه بالجرارات.. الأول كان العساكر بيشيلوه بإيديهم وبعدين الجرارات جت حرثت الأرض..

الأرض دي بتاعتنا.. عندي عشرين سنة من صغري طلعت لقيت الأرض دي بناكل فيها وبنشرب.. انتم عاوزين مننا إيه؟ لو عاوزين تساعدونا صحيح.. روحوا وقفوا التنفيذ في البلد اللي جنبنا يوم الأربع. أنما دلوقت جايين بعد إيه؟ (كدمات كبيرة زرقاء في الزراع الأيسر والأطراف السفلى من الجسم. كانت متوترة و مرتابة و تتكلم بسرعة وكأنها انفجرت. تعاني من اضطراب في النوم و واجترار للأحداث).

منيرة حسن إسماعيل (والدة صابرين)
كنت رايحه مع صابرين أحط البهايم، ضربوا بنتي صابرين كذا مرة و شدوها من شعرها و جرجروها و رموها في البوكس.

واحد فيهم قابلني و هجم عليا بالشومه و كان رافع إيده (مخبر و لابس فلاح) قلت له أنا معنديش أرض. جيت أحمي رأسي بأيدي نزل عليا بالشومه، أنكسرت أيديا.

(الساعد الأيسر واليد اليسرى في الجبس، كدمات كبيرة زرقاء غامقة بأسفل الظهر).

دينا، 14 عام، أخت صابرين
المخبر شدني من شعري و كان عاوز ياخذني، أخويا قال له دي صغيرة ما عندهاش أرض سيبها.

نوال كمال زغلول، 30 سنة
زهقانة.. عاوزه أعيط مش عارفة. ازاي الحكومة تيجي تأخذ أرضنا. أغما عليا و ما شفتش نفسي ووقعت على الأرض، فوقوني في ساعتها و فكيت نفسي بالعياط.. الوسواس في دماغي أصوات وأفكار وصوت رجالة وحريم ووش في وداني، بأسمعه لما أقعد مع نفسي و دي نفس الأصوات بتاعت الحادث. بأسمع صوتهم بيزعقوا وبيقولوا “حدف يللا”.. الأفكار بتجيلي كلها في الأرض. ما فيش عندنا إلا هي ولا ملك ولا حاجة تانيه، بفكر فيها كل ساعة وكل دقيقة.

مبروكة عبد الله ابراهيم خنيزي، 18 سنة، دبلوم تجارة، 20 قيراط
دخلوا البيت الساعة 11:30 الظهر.. كسروا الباب.. ضربوني أنا و بنت عمي.. أختي الحامل سابوها لكن بنت عمي عايده [أحمد خنيزي] عندها كدمات كبيرة، ضربوني بالخرزانه في كل جسمي، جرجروني من شعري نزلوني للبوكس، رحنا المركز وسابونا هناك، من الساعة 12 الظهر للساعة 2 كنا تسعه في أوضة واحده بدون أكل أو شرب.. دخلوا على بيتنا هجم لأن الناس كانت بتتحامى فينا. ضربوني و ضربوا بنت عمي، صحوها من النوم، حتى أمي كانت قاعده و شايلة عيل، ضربوها بالعصاية في وشها. كانوا عايزين يقلعوها النقاب. الضابط محمد عمار مسكها من شعرها و بقى يخبط رأسها في الحيط و شد النقاب قطعوه و دخل علينا بالفاظ فظيعة.. رديت عليه، أنا مش بت و مش بشتغل عند حضرتك، ضربني و جرني من شعري جر على البوكس مسافة كبيرة.

في القسم قلت له: حضرتك متعلم أزاي تقول ألفاظ زي دي؟.. رد و قال: أحنا بندرسها في الكتب.. وبعدين قاللي “أنت لسانك طويل و مستقبلك كويس” قلت له “مستقبل في إيه بقى، السرقة ولا الشحاتة بعد ما أخذتم أرضنا” (كدمات متعددة في الأطراف السفلية)

حليمة السيد خميس، 50 سنة، مريضة بالربو
كنت رايحة المركز أشوف جوزي (بيشتغل غفير).. كنا الصبح الساعة 7 يوم الثلاثاء.. مسكوني بهدلوني شتيمة وقباحة و ضرب في الركبة.. لسه بتوجعني و حاسة أنها هتنقسم نصفين. (أنفجرت في البكاء)

لقيتهم مكتفينه بالحزام من ايديه من وراء ضهره و دايسين على صدره بالجزمة.. ابني عيان و كان راقد في البيت. خذوه و هو مريض و أخذوا الأرض يا خسارة.. هنعيش منين.

(إبهامها الأيسر محتقن ومتورم وبه كسر في العقلة الأخيرة؛ كدمات كبيرة تغطي منطقة الفخذ والكتف الأيمن والكاحلين) نهى إبراهيم الدسوقي، 35 سنة، تملك فدان
شدوني من شعري و ضربوني في دماغي في الحيطة و لغاية دلوقتي دماغي بتوجعني. و داسوا على دماغي في القسم بالجزم و ضربوني على ظهري (كدمات صغيرة أعلى الحوض)

ليلى إبراهيم عزيز، 42 سنه، 4 أبناء
ضربوني في القسم على دراعي مش قادره أحركه (ثلاث كدمات مستديرة كبيرة)

عبير شعبان دسوقي، 25 سنه، متزوجة، لا تملك أرضا.
عربيتين كبار مليانين رجالة بقمصان و بناطيل لفوا البلد كلها و بدأوا يحدفوا بالطوب و يضربوا بالنبابيت، البنات جريوا على البيت اللي جنب الجامع لأنه بيت بيتبني و كله مفتح. أنا كنت نازلة على السلالم لقيت الرجالة طالعين في وشي.. جريت على السطح أقول للبنات عشان يجروا. اللي عرفت تنط نطت و منهم معرفش. الرجالة طلعوا السطح و بدأوا يضربوا في البنات ضرب من غير رحمة. فوق السطح و تحت. أنا نطيت علشان أسلك البنات اللي تحت، وقعت واحد خبطني بطوبة في ظهري و بعدين مسكني من شعري و ضربني بالنبوت على رجلي.“ (كسر في الساق اليمنى).

لم يسمح لنا الوقت بالاستماع إلى كل القصص أو مقابلة كل النساء.. لكننا نعلم أن النساء اللاتي التقينا بهن لسن هن كل من تعرضن للبطش فالقائمة الواردة في البيان الصادر عن لجنة التضامن مع فلاحي الإصلاح الزراعي لازالت بها

أسماء أخرى، نورد منها على سبيل المثال:

  • الآنسة عايدة أحمد خنيزر (17 سنة) طالبة، كسروا باب منزلها واقتحموه وجروها من داخل منزلها من شعرها على الأرض حتى سيارة الشرطة، أجزاء من جسمها مغطاة بكدمات زرقاء.
  • الآنسة شريهان إبراهيم الدسوقى (18 سنة) طالبة عاملوها كما عاملوا مبروكة وعايدة وآثار الضرب باقية على جسمها.
  • السيدة خضرة حجاج زغلول (22 سنة) لها طفلان، ضربوها في منزلها وأصيبت بجرح قطعي في الرأس جهة اليسار احتاج غرزتين .
  • السيدة صباح أحمد عزيز (40 سنة) لها 3 أطفال، ضربوها وهى على سريرها، و جروها من داخل منزلها من شعرها على الأرض حتى سيارة الشرطة.
  • السيدة سعيدة منصور سالم (34 سنة) لها 3 أطفال ضربت في منزلها وتم جرها على الأرض من شعرها حتى سيارة الشرطة.
  • السيدة عايدة إبراهيم الدسوقى (35 سنة) حامل ولها 3 أطفال، اقتحموا منزلها وجروها من داخله من شعرها على الأرض حتى سيارة الشرطة.
  • السيدة/ هداية زكريا أبوشعيشع (44 سنة) لها 3 أبناء دخلوا منزلها وضربوها ومزقوا ملابسها وجروها على الأرض وأصيبت إصابات شديدة بأكثر من مكان في جسمها.
  • نعيم عبد المحسن علام (18 سنة) حاصل على دبلوم صناعة زخرفة،اقتحم منزله 6 مخبرين وأخذوه من سريره، وجروه على الأرض حتى سيارة الشرطة بعد أن جردوه من ملابسه ماعدا الشورت، مصاب في معظم أجزاء جسمه بجروح كثيرة.
  • محمود محمد خنيزر (30 سنة) له طفلان، اقتحم رجال الشرطة منزله، وقذفوه بالطوب وضربوه بقطعة خشب فأصيب بجرح قطعي برأسه احتاج إلى 22 غرزة. وكان في مستشفى دمنهور أثناء زيارتنا.
  • محمد أحمد خنيزر (28 سنة) له طفل اقتحموا منزله وجروه على أرض الجرن حتى سيارة الشرطة، مصاب في معظم أجزاء جسمه.
  • سماح سلومة، أرملة، (45 سنة) لها ابن، اقتحموا منزلها وضربوها وجروها من داخله من شعرها على الأرض حتى سيارة الشرطة.
  • فادية الألفى: كسروا باب منزلها.

لقد توقعت نساء عزبة البارودي أن تكون الهجمة القادمة على فلاحي عزبة محرم المجاورة في محافظة البحيرة.. وقد صدقت توقعاتهن.. فبعد تجريدة البارودي بأيام، يوم 16 يونيو 2008، هاجمت قوات الشرطة عزبة محرم وقبضت على عدد من الفلاحين واقتادتهم إلى مركز شرطة الرحمانية حيث تعرضوا للتعذيب الوحشي، بما في ذلك الصعق بالكهرباء، لإجبارهم على التوقيع على عقود إيجار لصالح ضابطي شرطة ووالدهم.

إنها حرب غير متكافئة بين أصحاب الأرض مع أصحاب النفوذ مع رجال الداخلية المصرية مسلحين بالنبابيت والأسلحة وجيوش الأمن المركزي والمخبرين تحت حماية قانون الطوارئ في مواجهة فلاحين عزل لا يملكون سوى الأرض التي يزرعون ويعيشون على رزقها.