13/3/2005

جاء القرار الاسرائيلي بإنشاء الجدار العازل في محافظة القدس تتويجا لسياسة عنصرية ، مهدت لها منذ الاستيلاء على مدينة القدس في حزيران عام 1967، فقد تعرضت المدينه على مدار سنوات الاحتلال الى هجمه شرسة هدفها تهويد المدينه وطمس المعالم العربيه والاسلاميه، والقضاء على التواجد الفلسطيني فيها، إبتداء من القرار الاسرائيلي غير القانوني بضم المدينة المحتلة، والحاقها بالقدس الغربية وذلك في 28/6/1967 ، وتطبيق القوانين الاداريه والبلدية على السكان العرب فيها، مرورا بالقانون المعلن في شهر ايلول من العام 1980 المسمى (قانون الاساس)، والقاضي بإعلان القدس الموحده عاصمه لدولة اسرائيل، وصولا الى تطويق القدس الشرقية المحتلة، بالحواجز ونقاط التفتيش، ومنع المواطنين الفلسطينيين من الوصول اليها بعد حرب الخليج الاولى في العام 1991.

قسّم الجدار الفاصل محافظة القدس الى ثلاث مقاطع معزولة عن بعضها البعض من جهة، وعن باقي مدن ومحافظات الضفه الغربيه من جهة آخرى، بحيث عزلت البلدة القديمة مع مجموعة من الاحياء المحيطة ( بناء على المخطط الهيكلي لبلديه القدس الاسرائيليه المعدل في العام 1994) عن أي امتداد وتواصل مع باقي الاراضي المحتله، فيما فصل الجدار الاحياء والضواحي الشرقية للمحافظة عن المدينة، وأحيط بحواجز ونقاط تفتيش من كل الاتجاهات، وانقطع التواصل مع القرى والبلدات في الشمال، والشمال الغربي للمحافظة، وحال الجدار دون دخول المواطنين الى المدينه، مما زاد من معاناة المواطنين في المحافظة، حيث شكلت مدينة القدس شريان الحياة الرئيس للقرى والضواحي في كافة مجالات الحياة.

لم تقتصر التأثيرات السلبية لجدار الفصل العنصري في محافظة القدس، على تقطيع أوصال المحافظة، وحرمان الآلاف من الوصول الى المستشفيات والمدارس واماكن العمل والعبادة، ومصادرة الاراضي والممتلكات، بل طالت هذه التاثيرات العائلات والأسر الفلسطينيه على جانبي الجدار، فلم يراعي مسار الجدار الذي أعدته وصادقت عليه الحكومه الاسرائيليه في مطلع العام 2002 ، التشابك الجغرافي وعلاقة المجتمع الواحد لسكان المحافظه، بل تجاوز هذا المسار كل المواثيق والمباديء الانسانية والقرارات الدولية المتعلقه بالوضع السياسي لمدينة القدس، فقد توغل الجدار مسافه تزيد عن الاربع كيلو مترات شرقي الخط الاخضر مما اوقع قرابة 200 الف فلسطيني داخل نطاق حدود بلدية القدس الاسرائيليه فيما حرم أكثر من 200 الف من سكان الضواحي من دخولها وحصرت أحياء بكاملها على جانبي الجدار لتشكل معازل منفصلة عن أي امتداد وتواصل فيما بينها.

كانت المناطق والضواحي الشرقية لمدينة القدس من أكثر المناطق تضرراً، حيث حصر الجدار 60 الف نسمة من سكان هذه الضواحي داخل قراهم، وقد برز جراء هذا الواقع جملة من القضايا الهامه نحاول من خلال هذا التقرير تسليط الضوء على جانب يعد من أهم الانتهاكات التي خلّفها بناء الجدار وهو واقع العائلات الفلسطينيه التي فصلها الجدار.

الاحياء التي فصلها الجدار شرقي مدينة القدس
اتخذ فصل العائلات أشكال متعدده نود التطرق اليها بأبعادها القانونية والانسانية والوطنية، كان من أكثرها وضوحاً في بلدة السواحرة بشقيها الغربي والشرقي التي يبلغ عدد سكانها 25 الف نسمة حصر منهم 10 آلاف شرقي الجدار وهم من حملة هوية الضفة الغربية، ترتب عن هذا التقسيم تفرقة عائلات كاملة عن بعضها مثل عائلة عبيدات وعائلة شقيرات

والجعافره، في حين حرم السكان من حملة هوية الضفة الغربية من دفن موتاهم وزيارة القبور في الجهة الغربية من الجدار. في بلدات العيزرية وابوديس عزل الجدار أحياء بأكملها بسكانها عن هذه البلدات، ففي حي ام الزرازير غربي ابوديس والذي تسكنه 10 أسر من عائله عياد تضم 51 فرداً (وهم من حملة بطاقات مختلفة) تم اقتطاعه من بلدة ابوديس، بحجة ضمه الى المخطط الهيكلي لبلدية القدس في العام 1994 وقد فقد سكانه أي اتصال مع البلدة، في حين تقوم سلطات الاحتلال منذ أكثر من سنة، بممارسة الضغط على السكان لحملهم على ترك بيوتهم وأراضيهم، والتوجه إلى شرقي الجدار( ابوديس)، وقد صدر قرار من وزارة الدفاع الاسرائيليه في شهر تموز من العام الماضي، يطالب 23 فرداً من أفراد هذه الأسر بمغادرة المنطقه خلال مدة 10 أيام من تاريخه، بحجة أنهم يقيمون في بيوتهم وممتلكاتهم بشكل غير قانوني، (بعد ان قامت سلطات الاحتلال بضم المنطقة الذين يسكنون فيها دون السكان الى حدود بلدية القدس المصطنعة)، فيما يعد ذلك إنتهاكا خطيراً لأبجديات حقوق الانسان، حيث فرّق هذا القرار بين الاخوة والأبناء والآباء، ولدى توجه عائلة عياد مجتمعة الى القضاء الاسرائيلي للبحث عن حل لمشكلتهم ، صدر قرار مؤقت من مكتب وزير الامن الداخلي الاسرائيلي يوم 23/9/2004 بالسماح لهم بالبقاء في منازلهم حتى يتم النظر بالقضيه في المحكمه.

ولم يكن حي خلة عبد في ابوديس بأحسن حال، فقد تم إستهداف الحي منذ اليوم الاول من البدء ببناء الجدار عندما استولى مجموعة من المستوطنين على بيتين في الحي، وتم تأمين الحماية لهم من قوات الاحتلال الاسرائيلي، وذلك تمهيداً لإنشاء بؤرة إستيطانية في الحي، كما تبع ذلك صدور قرار عن وزارة الدفاع الاسرائيليه بتاريخ 23/7/ 2003 بمصادرة 43 دنم من الاراضي الزراعيه لنفس الحي لصالح استكمال بناء الجدار، ووجهت سلطات الاحتلال إنذاراً لعائلة القنبر المقيمة في الحي، تطالبهم فيه باخلاء بيوتهم ومغادرة المنطقه بحجة الاقامه على أراض أصبحت من أملاك الدوله. ويضم هذا الحي اكثر من 30 فرداً من نفس العائلة يحملون بطاقات هوية مختلفة، وتنوي اسرائيل إنشاء مستوطنة إسرائيليه في الموقع، مما يشكل خطراً مباشراً على حياة المواطنين في الحي.

كذلك فإن الجدار الفاصل قام بشق حي صوانة صلاح بالقرب من جامعة القدس في ابوديس، الى قسمين مما قسّم عائلة السرخي على جانبي الجدار، فيما وقعت العديد من المنازل الأخرى التي كانت تابعة لمدينة القدس التي إعتاد سكانها على دفع الضرائب والأرنونا الى بلدية القدس الى الجهه الشرقيه للجدار.

لقد كان لقرار الحكومة الاسرائيلية غير المعلن والصادر عن الكنيست الاسرائيليه في شهر تموز من العام الماضي، المصادق عليه من قبل المستشار القضائي للحكومه مناحم مازوز، والقاضي بمصادرة الممتلكات الفلسطينيه في القدس الشرقيه، ووضعها تحت سيطرة حارس أملاك الغائبين، على الرغم من تواجد عدد كبير من هؤلاء المالكين في بيوتهم وممتلكاتهم وعلى أرضهم، دلالة واضحة على بشاعة الحلول المطروحه للتعامل مع وضع هذه الاحياء ، بحيث وضع السكان في هذه الاحياء أمام خيارات أحلاها مر، فإما أن يتركوا بيوتهم وممتلكاتهم التي انشأوها قبل قيام دولة اسرائيل نفسها، ويتجهوا الى شرق الجدار في بلدة ابوديس، أو أن يعيشوا في معازل محرومين حتى من الخروج من منازلهم.

فصل أفراد العائلة الواحدة مختلفي الهويه:
وهناك شكل آخر من أشكال فصل العائلات الناتج عن بناء الجدار، وهي قضية قديمة متجددة كان قد خلقها واقع التفرقة، التي مارسها الاحتلال تجاه المواطنين الفلسطينيين المقيمين في مدينه القدس وباقي المواطنين المقيمين في الضفة الغربية، حيث يحمل المقدسيون الهوية الزرقاء، في حين يحمل الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية الهوية البرتقالية، وفيما بعد بطاقة الهوية الخضراء (بعد اقامة السلطة الفلسطينية وبسط ولايتها على بعض المناطق الفلسطينية المحتلة بموجب الاتفاقيات الاسرائيلية الفلسطينية المبرمة بعد عام 1993 ).

ولم تشكل سياسة التفرقة بين حاملي الهوية المختلفة من الفلسطينيين حتى عام 1991 أي عائق للتواصل بين أهالي القدس والضفه الغربيه، الى ان بدأت اسرائيل في وضع العوائق في محاولة لسلخ مدينة القدس وسكانها، عن إمتدادها الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون الأخذ بالاعتبار ان هؤلاء المواطنين المقدسسين هم جزء من المجتمع العربي الفلسطيني، وعلى أساس ذلك فقد كان من الطبيعي أن تزداد الروابط متانة بين أبناء المجتمع الواحد، من خلال
زواج عدد كبير من حملة الهوية الزرقاء، من فتيات وشبان يحملون بطاقة هوية من اللون الآخر في الضفه الغربيه وقطاع غزة، (لعدم وجود ما يمنع ذلك) لا في التشريعات السماوية، ولا حتى في القوانين الوضعية.

إستهدفت اسرائيل العائلات مختلفة الهوية، بشكل ملحوظ بعد الانتفاضة الفلسطينية الاولى من خلال إجراءات سحب هوية المقدسيين والمقدسيات الذين يقيمون مع عائلاتهم خارج حدود بلدية القدس، وعدم السماح لأفراد عائلاتهم من حملة هوية الضفة أو قطاع غزة بالاقامه في القدس، وذلك استكمال لسياسة التهويد التي تمارسها اسرائيل ضد مدينة القدس. ظهرت انعكاسات هذه السياسه جلية وواضحة بعد ان تم بناء جدار الفصل العنصري، حيث ترتب عليها تشتيت 800 أسرة من حملة الهويات المختلفة على طرفي الجدار في منطقة ابوديس والعيزرية والسواحرة الشرقية، هذه الأسر تواجه اليوم مستقبلاً غامضاً تحديداً بعد تجميد اجراءات لم الشمل من قبل الحكومة الاسرائيليه في العام 2002 بحيث لم يترك أمام هذه العائلات أي خيار للتواصل والعيش المستقر.

إن التعامل الاسرائيلي مع قضيه لم شمل العائلات الفلسطينيه، تنطلق من مصلحة اسرائيل ورؤيتها في عدم تهديد الطابع اليهودي والاغلبية الاسرائيلية في مدينة القدس، مما يحرم هذه العائلات في الوقت الراهن من ان يعيشوا في بيت واحد وفي أسرة واحدة في المدينه، للحفاظ على انتمائهم للمدينة المقدسة ، والحفاظ على تواصلهم مع أفراد أسرهم في الضفة، بعد الانتهاء من بناء جدار الفصل، وخاصه اذا طبق بحق المقدسيين، القرار المعلن من قبل الحكومة الاسرائيلية بمنع أهالي القدس، من التوجه الى الضفة الغربية، إبتداء من شهر تمور المقبل أسوة، بباقي الأهل من العرب في فلسطين المحتلة عام 1948 .

لقد التصقت هذه التبعيات والاثار السلبية بواقع بناء الجدار حول مدينة القدس، فهي تبرز وتتفاقم اينما وجد الجدار، ففي شمال المحافظه قسم الجدار ضاحية السلام غربي قرية عناتا شمال القدس الى شطرين، في حين تسلمت 100 اسره من سكان الضاحية من حملة هوية الضفة الغربية اشعارات بمغادرة منازلهم واملاكهم، كذلك الامر في ضاحية البريد والرام وسميراميس والمطار وام الشرايط الواقعة في شمال القدس، والتي فصلها الجدار عن المدينة، حيث يحمل جزء كبير من هؤلاء السكان الهوية الزرقاء، وينطبق الأمر على الشمال الغربي من المحافظة حيث أخرجت عشرات العائلات المقدسيه من نطاق المدينة.

ان الحل الامثل لقضايا ومتعلقات الجدار وما أنتجه وينتجه من معاناة انسانية للمواطنين في المحافظة لا يتأتى الا من خلال إزالته، وإبطال كل الإجراءات والتدابير الناجمة عنه. الخلاصة والاستنتاجات

    • 1- ان بناء الجدار والمنطقة المحيطة به ينطويان على تدمير للممتلكات الفلسطينية مما يشكل مخالفة صريحة للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين تحت الاحتلال.

    • 2- إن الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية يشكل مخالفة للمادة 52 من لوائح لاهاي لعام 1907.

    • 3- أن سياسة مصادرة الاراضي والعقارات الفلسطينية لا تبررها الضرورات العسكرية والامنية للاحتلال، بل انها تتناقض مع القوانين الدولية والقانون الانساني الدولي وخصوصا اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 .

    • 4- ان اقدام اسرائيل باعتبارها (القوة المحتلة) على الإمعان في سياسة تهجير العائلات الفلسطينية وطردها من بيوتها وممتلكاتها، وفصل أفراد الأسرة الواحدة عن بعضها البعض، ومنع شمل هذه العائلات، والإستمرار في بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، يشكل جريمة حرب وإنتهاك جسيم لحقوق الإنسان.

    • 5- أن اسرائيل بعد أن قد وقّعت وصادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 والنافذ عام 1976، ملزمة بتطبيق نصوصه في مجال علاقتها بالأرضي الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس ، فالمادة (2) فقرة (1) من العهد المذكور، تنص على أن: ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في اقليمها، والداخلين في ولايته ، دون أي تمييز بسبب العرق، او اللون،أوالجنس، أو اللغة، أوالدين، أو الرأي سياسياً، أوغير سياسي، أوالأصل القومي أو الإجتماعي، أوالثروة، أوالنسب، أوغير ذلك من الأسباب”.

    • -6 كما تنص الماده (17) من العهد المذكور على أنه:

    • أ- لا يجوزتعريض أي شخص على نحو تعسفي أوغير قانوني، لتدخل في خصوصياته أوشؤون أسرته أوبيته أومراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أوسمعته.

    • ب- من حق كل شخص أن يحميه هذا القانون من مثل هذا التدخل أو المساس.

    • 7- ان اسرائيل ملزمة باعتبارها قوة احتلال حربي، باحترام التزامتها المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية المدنيين الواقعين تحت الاحتلال، وخاصة المادة 27 منه التي تنص على أنه: ” للأشخاص المحميين في جميع اللأحوال حق الاحترام لحقوقهم العائلية”.

    • 8- ان مركز القدس للديمقراطية وحقوق الإنسان يدعو اسرائيل (القوة المحتلة) الى وضع حد لانتهاكاتها للقانون الدولي الإنساني، ولمباديء الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وهي ملزمة بأن توقف على الفور أعمال بناء الجدار الذي تقوم ببناءه في الارض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس المحتلة وما حولها، وان تفكك على الفور الهيكل الانشائي القائم هناك وان تلغي أو تبطل مفعول جميع القوانين التشريعية واللوائح التنظيمية المتصلة به، عملا بالفقرات 133، 152، 153 من الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في التاسع من تموز عام 2004.

    9- كما ينبغي على اسرائيل وقف سياسة فصل العائلات الفلسطينية وتشتيتها ، وتمكينها من جمع شمل أفرادها، ووقف وإلغاء كل الإجراءات والتدابير غير القانونية التي إتخذتها بحق هذه العائلات وأفرادها ، سواء كان ذلك نتيجة لبناء جدار الفصل العنصري غير القانوني، في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس المحتلة وفي محيطها. أو كان استمراراً لسياسة فصل وعزل القدس ومحاصرتها وتهويدها وتهجير سكانها، ووقف سياسة منع شمل العائلات الفلسطينية داخلها، وتمكين الشعب الفلسطيني من حرية الحركة والتنقل والإقامة في أي جزء من المناطق الفلسطينية المحتلة بما في ذلك داخل مدينة القدس المحتلة، عملاً بالقانون الدولي الإنساني، وتطبيقاً لمباديء الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ولميثاق وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

اعداد الباحث : عبد الوهاب صباح
مركز القدس للديمقراطية وحقوق الإنسان