26/6/2005

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موضوع التعذيب وخصوصا ما أثارته الضجة الإعلامية سواء كانت مكتوبة أو مرئية حول قضية تعذيب الأسرى العراقيين في سجن أبو غريب.

وبمناسبة يوم الأمم المتحدة العالمي لمساندة ضحايا التعذيب أثرنا إلقاء الضوء على هذه القضية المستمرة في محاولة لفضحها والحد من آثارها المدمرة.

إن قضية التعذيب بجميع أشكاله وأنواعه وآثاره ونتائجه هي واحدة من القضايا التي يجب دائما التوقف عندها، والعمل من أجل فضح آثارها ونتائجها لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقاً بمفهوم السلطة وجودا وعدما في واحدة من أوجه الرؤى و التعريفات المحددة لها.

إن التعذيب يأخذ أنماطا وأشكالا مختلفة ومتباينة وهذا الاختلاف والتباين إنما يعكس حقيقة أساسية وهي محاولة الجهات المعتدية الاعتماد على التعذيب كوسيلة أساسية و خلق كل الطرق و الوسائل التي من شأنها إحداث أكبر قدر من الألم و التعذيب

وللتعذيب كمصطلح العديد من التعريفات وإن كنا نرجع ونعتمد ما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والذي جاء فيه أن التعذيب (( أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب التي تقوم على التمييز أيا كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه سواء كان موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضيه لها )).

وله كسلوك العديد من الأساليب والإجراءات والآليات المادية وهي في هذا الجانب كثيرة ومتعددة ولا نستطيع في هذا المقام حصرها وسردها بل وتتزايد وتتطور بشكل سريع جدا ارتباطا بالتطور العلمي والتكنولوجي إذا ما أسئ استخدامه واستغلاله في تنمية هذه الأساليب والآليات.

إضافة إلى العديد من الآليات والأساليب المعنوية والنفسية والتي توضع بشكل علمي مدروس بحيث تكون في كثير من الأحيان آثارها ونتائجها أقسى وأشد من الأساليب والآليات المادية المستخدمة في إحداث أكبر ألم وعذاب ممكن.

وللتعذيب أيضا آثار خطيرة على مستويات مختلفة سواء كان شخصية أو اجتماعية وتتمثل الآثار الشخصية في الآلام والآثار التي تظل باقية ومؤثرة بشكل كبير في شخصيته، وتحتاج في سبيل التخلص من أثارها إلى تكاثف العديد من الجهود الذاتية والمجتمعية لإعادة تأهيل وإدماج من وقع عليهم التعذيب في المجتمع.

أما الآثار الاجتماعية فتتمثل بفقدان الشعور بالأمن والاستقرار بما يهدد الأمن والأمان الاجتماعي الرديف الفعلي للسلام الاجتماعي والذي تحاول الوصول إليه كل المجتمعات المتحضرة والمتمدينة.

وللأسرى والمعتقلتين الفلسطينيين في سجون الاحتلال تجربة مريرة في هذا الإطار بحيث مارست قوات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم صنوفا شتى من التعذيب بوسائله وآلياته المتعددة والمتنوعة والمبتكرة حيث أبدع المحتل الإسرائيلي في خلق وابتكار وسائل مادية كانت أو معنوية ونفسية لإحداث أكبر ألم وعذاب ممكن ولهدم شخصيه الأسير بشكل علمي وذلك في محاولة منه لإفساد وتخريب البنيان الاجتماعي الداخلي وذلك بخلق شخصية محطمة وغير فاعلة وغير سوية،

ووفقا للإحصائيات الموثقة فقد تعرض 98% من المعتقلين الفلسطينيين في سجون الإحتلال إلى الضرب و90% منهم وضعوا في الثلاجة و82% تعرضوا للشبح و88% تعرضوا للوقوف لفترات طويلةو97% حرموا من النوم أثناء فترة التحقيق إضافة إلى العديد من الأساليب المحرمة دولياً والتي مازالت قوات الإحتلال الإسرائيلي تستخدمها والتي لا يتسع المقام هنا لاستعراضها .

إن مجموعة الصكوك والاتفاقيات والتشريعات التي تحرم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية كثيرة ومتعددة وصادرة عن جهات دولية وأممية مختلفة في إشارة واضحة إلى الرفض القاطع والمطلق لكافة أشكال التعذيب وإدانة أي جهة تقوم عليه وتقييد الحكومات من خلال التوقيع والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص وإلزامها بإدماج التشريعات الداخلية الخاصة بكل دولة بنصوص تحُرم وتمنع ممارسة التعذيب بجميع أشكاله وبتحديد الإجراءات التي يجب أن تتبعها في سبيل الوصول إلى ذلك

وتلزم الدول بتقديم تقارير دورية إلى اللجان المتخصصة المنبثقة عن تلك الاتفاقيات والتي يكون دورها متابعة ومراقبة مدى التزام الدول والحكومات باتباع الإجراءات القانونية والمنصوص عليها في تلك الاتفاقيات في قوانينها الداخلية وقياس مدى التقدم الحاصل باتجاه القضاء على جميع أشكال التعذيب أو العقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة.

حاصل القول أن هذه القضية تحتاج إلى تضافر الجهود من جميع فئات وشرائح المجتمع وتحتاج بشكل خاص إلى جهد مكثف من جميع مؤسسات ومنظمات العمل الأهلي.

لكشف وفضح أي شكل من أشكال التعذيب وإدانة مرتكبيه هذا من جانب ومن جانب آخر العمل على نشر وتعزيز الوعي والثقافة القانونية لدى السلطات التنفيذية وأصحاب القرار وذلك من أجل تبيان الأخطار والآثار المدمرة جراء استخدام التعذيب وممارسة بحق الأفراد أو المتهمين أو تحت أي مبرر أو ذريعة.