21/12/2009
أقامت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دعوى قضائية عاجلة (رقم 64 لسنة 2457 قضائية( أمام محكمة القضاء الإداري للمطالبة بوقف تنفيذ قرار وزير الصحة الذي بدأ العمل به في 25 سبتمبر 2009، والذي أنشأ نظاماً جديداً لتسعير الأدوية في مصر، لما سينتج عنه من ارتفاع جنوني في أسعار الدواء. وتعتبر المبادرة المصرية أن تبني الدولة لمثل هذا النظام لتسعير الأدوية هو بمثابة تنصل فعلي للدولة عن مسئوليتها تجاه المواطن، وهي المسئولية التي تلزم الدولة بكفالة الحق في الحصول على الدواء، خاصة وأن الدولة بعد تبنيها هذا النظام تكون قد رفعت يدها عن عملية التسعير وتركت تحديد سعر الدواء لقوى الأسواق الأجنبية – مع الإبقاء على مسمى “التسعير” من حيث الشكل فقط. وتسعى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في هذه المذكرة الموجزة لتوضيح بعض المفاهيم، وتصحيح بعض المعلومات الخاطئة التي يتم ترويجها حول نظام التسعير الجديد. 1. كيف يتم تسعير الدواء بموجب القرار الجديد؟ ووفقاً للقرار الجديد فسوف يتم تحديد سعر بيع الدواء الأصلي على أساس أقل سعر بيع للجمهور في الدول التي يتم تداوله بها بعد خصم 10% من هذا السعر. ومرفق بالقرار قائمة استرشادية تضم 36 دولة ستقوم وزارة الصحة بمخاطبتها للتأكد من سعر بيع الدواء فيها. كما يتم تحديد سعر بيع الدواء المثيل على أساس سعر الدواء الأصلي بعد خفض نسب مئوية ثابتة منه. ويحدد القرار ثلاث فئات من الأدوية المثيلة على أساس اعتمادات الجودة التي يحصل عليها المصنع. حيث يتم تسعير الفئة الأولى من الأدوية المثيلة بما يقل عن سعر الدواء الأصلي بنسبة 30% إذا كان ذلك المستحضر مصنعاً في أحد المصانع المرخص بها من وزارة الصحة مع اعتماد المصنع من إحدى الجهات الأجنبية أو الجهات الدولية التي اعتبرها القرار معياراً للجودة. ويتم تسعير الفئة الثانية من الأدوية المثيلة بما يقل عن سعر المستحضر الأصلي بنسبة 40% لباقي المصانع المرخص بها من وزارة الصحة – مع مراعاة أن هذه الفئة قائمة فقط حتى عام 2020 وهو تاريخ نهاية المهلة التي منحتها الوزارة للمصانع كي تحصل على اعتمادات جودة أو تواجه الغلق. وأخيراً يتم تسعير الفئة الثالثة من الأدوية المثيلة بما يقل عن سعر المستحضر الأصلي بنسبة 60%، لمستحضرات الشركات التي لا تملك مصانع وتقوم بالتصنيع لدى الغير. 2. كيف يختلف النظام الجديد عن النظام السابق؟ 3. هل سينتج عن هذا القرار رفع سعر الدواء في مصر؟ وتتضح الصورة أكثر عندما نعلم أن المواطن المصري يتحمل نسبة تصل إلى 68% من إجمالي الإنفاق الكلي على الدواء من دخله الخاص، طبقاً للحسابات القومية للصحة في مصر المنشورة في 2005. وبالرغم من ذلك، يشير الواقع إلى أن سعر الدواء لا يزال يُعتبر مرتفعاً بالنسبة لدخول الأفراد، وذلك طبقاً لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2004، مما يجعل الحصول عليه غير مُتاح لفئة كبيرة من الشعب المصري. 4. وماذا عن نص القرار بأنه سيتم اختيار السعر الأقل من قائمة الـ36 دولة وخصم 10% من هذا السعر؟ ولم تأخذ وزارة الصحة في الاعتبار مستوى مصر الإنمائي مقارنةً بهذه الدول الواردة في القائمة المرفقة بالقرار، وأيضاً المستوى الحالي لسعر الدواء في مصر مقارنةً بدخول الأفراد. فطبقاً لأرقام البنك الدولي عن سنة 2008، والتي تُغطي كافة البلدان الأعضاء في البنك الدولي (185 بلداً)، وجميع الاقتصاديات الأخرى والبالغ عددها إجمالاً 210، فإن كل الدول الواردة في القائمة المرفقة بالقرار سبقت مصر في الترتيب من حيث نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي، باستثناء دولتان فقط هما – الهند والسودان، وكان متوسط نصيب الفرد في الدول الواردة على القائمة المرفقة بالقرار هو 28539 دولار أمريكي سنوياً، في حين أن نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في مصر هو 1800 دولار أمريكي!! ومعنى ذلك أنه بدلاً من أن يكون سعر الدواء المصري محدد على أساس نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في مصر، سيتم تحديده على أساس دخل الفرد في بلاد يرتفع نصيب الفرد فيها16 ضعفاً عن نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في مصر. وفي ظل هذه الحقائق، لا يبدو مفهوماً: لماذا اتجهت الوزارة إلى ربط سعر الدواء المُنتج في مصر بالأسواق العالمية؟ وبناءً على أي دلائل قامت الوزارة باختيار الـ36 دولة القائمة في القرار؟ ولماذا لم تتضمن قائمة الدول المرفقة بالقرار دولاً مثل باكستان واليمن ؟ على الرغم من تصريحات وزير الصحة التي أكد فيها أن الوزارة قد “بذلت مجهوداً كبيراً لاختيارها”؟ ولمصلحة من تم اعتماد هذا القرار إن لم يكن لمصلحة المريض؟ 5. وماذا عن أسعار باقي الأدوية (الأدوية المثيلة)؟ هل سترتفع هي الأخرى؟ وكانت دراسة أعدتها نقابة الصيادلة بالغربية في أكتوبر 2009 قد كشفت أن القرار الجديد سوف يؤدي لارتفاع سعر الدواء المثيل بصفة عامة بنسبة 199%. وجدير بالذكر أنه بموجب الأسعار الحالية يقل سعر الدواء المثيل في بعض الأحيان بنسب تصل إلى 80% أو 90% عن الدواء الأصلي. فعلى سبيل المثال، يُباع القرص الواحد للمستحضر الأصلي لدواء “بلافيكس” والذي يُعطى لمرضى القلب للوقاية من تجلطات الدم بـ12 جنيه، في حين أن القرص الواحد من مستحضره المثيل يُباع بجنيهين فقط – أي أن سعر المستحضر المثيل يقل بنسبة 83% عن المستحضر الأصلي. أما في حالة تطبيق القرار الجديد على هذه الحالة، وإن افترضنا أن المصنع مرخص من وزارة الصحة فقط فإنه سيتم تسعير القرص الواحد للمستحضر المثيل بـ7.2 جنيه (أقل 40% فقط من سعر المستحضر الأصلي) والذي يمثل ارتفاع في السعر بنسبة 360% مقارنة بالسعر الحالي. ويجب التذكير أن هذه الزيادة النسبية في سعر الدواء المثيل ليست سوى زيادة طفيفة بالنسبة للزيادة الحقيقية التي ستنتج عن الارتفاع الشديد الذي سيطرق على سعر الدواء الأصلي عند ربطه بالأسواق الأجنبية، وبالتبعية سعر الدواء المثيل. وجدير بالذكر أن القرار وضع سعراً مُوحداً للأدوية المثيلة، ولم يُفرق في التسعير بين أول دواء أوثاني أو ثالث أو حتى عاشر دواء مثيل يتم تسجيله. ومعنى ذلك أنه حتى في حالة تسجيل 11 مستحضراً مثيلاً لنفس المستحضر الأصلي (وهو الحد الأقصى الذي حدده وزير الصحة بموجب قراره بشأن تسجيل الدواء في يونيو 2009) فإنه لن ينتج عن هذا العدد أي انخفاض في سعر الدواء. ففي الوقت الذي تركت الوزارة تحديد سعر الدواء لقوى السوق العالمية مع الإبقاء على مسمى تسعير الدواء من حيث الشكل فقط، فقد حرصت على أن قوى السوق المحلية – ممثلة في المنافسة بين شركات الأدوية المثيلة – لن تعمل لصالح المستهلك/المريض. 6. يسري هذا القرار على تسعير الأدوية الجديدة. هل معنى ذلك أن القرار لن يؤثر على أسعار الأدوية المُسجلة حالياً؟ 7. ولكن أليس من الضروري إصلاح نظام تسعير الدواء؟ ففي الوقت الذي تم فيه التشاور مع أصحاب المصالح أثناء كتابة هذا القرار، تم استبعاد المريض من مائدة الحوار، رغم أنه الأكثر تأثراً بهذا القرار أو حتى لو استخدمنا لغة التجارة، فهو مازال المستهلك. ولقد افتخر مساعد وزير الصحة للشئون الدوائية في وسائل الإعلام بتبادله الآراء والمشاورات مع شركات الأدوية أثناء دراسته للقرار قبل صدوره. ولكنه رفض مقابلة منظمات المجتمع المدني في الوقت ذاته وحول الموضوع نفسه، حيث طلبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مقابلته عدة مرات قبل صدور القرار دون جدوى. 8. وماذا عن مزاعم الوزارة بأن القرار سيعالج أزمة الفساد الذي وُصف بها النظام السابق؟ 9. القرار يحفز الشركات على الارتقاء بمستوى جودة الأدوية المنتجة. فهل نحن ضد الجودة؟ ويجب الإيضاح أن مصطلح “الدواء المثيل” بحكم تعريفه يدل على أنه يتطابق مع الدواء الأصلي من حيث الفعالية. وبالتالي فبموجب موافقة وزارة الصحة على تسجيل دواء مثيل يعتبر عدم تطابق هذا المستحضر مع المستحضر الأصلي من حيث الفاعلية إخلالاً بالتزام الشركة المصنعة، مما يتطلب الحسم من الجهة الرقابية – أي الوزارة – بل وفرض العقوبات إن لزم الأمر. ولكن من غير المعقول أن يدفع المريض غير القادر ثمناً إضافياً لتعويض الشركات عن عدم التزامها بمعايير الجودة أو لتعويض تكاسل الجهات الرقابية عن القيام بدورها. وللأسف فإن الاتكال التام على جهات الاعتماد الدولية والأجنبية هو اعتراف واضح من وزارة الصحة بأنها لا تمتلك آليات رقابية فعالة للتحكم في جودة الدواء محلياً، بل وأنها لا تنوي حتى أن تنمي قدراتها في هذا المجال. وبذلك ترفع الدولة يدها مجدداً عن سوق الدواء وتضع على المريض عبء دفع ثمن حصول الشركات على رخصة الجودة. 10. وماذا عن إصرار الدولة أن هذا النظام ليس في مصلحة الشركات العالمية، بل بالعكس – أن القرار سيشجع الصناعة المحلية؟ ومعنى ذلك أنه عند انتهاء فترة حماية براءة الاختراع (20 سنة) سيتم خفض سعر المستحضر الأصلي بنسبة 40% مما يعني أن سعر الدواء الأصلي قد يكون أقل من سعر المستحضر المثيل في ذلك الوقت!! وذلك لأن القرار يقضي بتسعير المستحضر المثيل على أساس سعر الدواء الأصلي بعد خفض 30% أو 40% أو 60% منه مع مراعاة أن الفئة الثانية قائمة فقط حتى عام 2020. والسؤال هنا، كيف سيؤثر هذا النظام على شركات الأدوية المحلية مُنتجة الأدوية المثيلة؟ ولما يتجه المريض لشراء الدواء المثيل إن كان الدواء الأصلي أرخص؟ وبالتالي يُمكن أن يكون لهذا النظام أثر سيئ جداً على الصناعة المحلية على المدى الطويل. اعتمد هذا التحليل على المراجع الآتية: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية |