5/3/2008
سيرة حياة الشهيد الأسير فضل عودة شاهين
بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين
للشهداء فينا مكانةً … وعلى رؤوسنا تيجاناً … ولسلوكنا نماذجاً … ولمستقبلنا قناديلاً … فهم من ضحوا بحياتهم من أجلنا ومن أجل مستقبلنا ومستقبل أطفالنا … فكانوا ولا زالوا منغرسين في أفئدتنا ، وإذا كانت الشهادة هي أعظم أشكال التضحية ، فإن الشهادة خلف القضبان يضاف لها عظمة خاصة … وقبل أيام إلتحق بقافلة شهداء الحركة الأسيرة الأسير فضل عودة عطية شاهين الذي استشهد في سجن بئر السبع بتاريخ 29-2-2008 ، نتيجة الإهمال الطبي .
وباستشهاد الأسير فضل يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة الى ( 195 شهيداً ) ، والأمر لم يكن رقماً فحسب ، فلكل شهيد من هؤلاء قصصه التي تذرف لها الدموع وحكايات تعتصر لها القلوب ألماً .
واذا تناولنا مسيرة حياة الشهيد سنجدها مؤلمة وشاقة ، حافلة بالإصرار والعزيمة ، مليئة بالتضحيات والنضالات ، فلقد ولد شهيدنا بتاريخ 16-8-1961 في مدينة غزة ، وبعد ولادته بثلاث سنوات توفى والده ، ليتكفل أشقائه في رعايته ، فكبر دون أن يعرف والده وكان يعتبر أخاه الكبير بمثابة والده ، وترعرع في أزقة وشوارع أحياء مدينة غزة ، ودرس في مدارسها وتدرج في مراحها حتى أتم الثانوية العامة بتفوق ، وعانى كباقي أطفال فلسطين من ظلم الإحتلال وبطشه.
وعلى الرغم من اصابته بمرض السكرى وهو في السابعة عشر من عمره ، إلا أنه لم ييأس ولم يستسلم للمرض ولم يفقد الأمل بمستقبل أفضل ، ولم تقف طموحاته بنيل شهادة الثانوية العامة ، حيث كان شاباً متفوقاً محبوباً بين أبناء عائلته وأصدقائه ، فأصر على مواصلة تعليمه الأكاديمي ووفر له اخوانه كل الضروريات اللازمة والأجواء المناسبة ، وسافر الى جمهورية مصر العربية ، ليلتحق باحدى جامعاتها ويحصل منها على بكالوريوس محاسبة .
والتحق الشهيد بصفوف الثورة الفلسطينية من خلال حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) أوائل الثمانينات ، وناضل في صفوفها وشارك معها في فعاليات عديدة ضد الإحتلال وكان أحد كوادرها في مدينة غزة ، وحظيّ على الدوام بمحبة واحترام كل من عرفوه ، وتزوج خلال الإنتفاضة الأولى ورزق بمولود واحد أسماه ( صامد ) وعمره الآن 16 عاماً ، وزوجته تعاني من عدة أمراض .
وبتاريخ 15-10-2004 ، واثناء عودته من مدينة رفح ، اعتقلته قوات الإحتلال على حاجز أبو هولي وسط قطاع غزة ، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب والإهانة والإهمال الطبي ، وزج به في زنازين انفرادية رغم افصاحه لهم عن طبيعة مرضه ،إلا أنهم لم يعالجوه ولم يقدموا له ما يمكن أن يسكن آلامه ، بل ساوموه على الإعتراف والتعاون معهم مقابل تقديم الأدوية والمسكنات ، فكان عند حسن ظن من عرفوه وتعاملوا معه وعمل بمقولة غسان كنفاني ” اما عظماء فوق الأرض وإما عظاماً في جوفها ” ، فكان بالفعل ” أبا صامد ” رجلاً صلباً عظيماً وشامخاً حتى في أصعب الظروف وأحلكها ، ومن ثم نُقل الى السجون ، وقُدم لمحاكمة جائرة اصدرت بحقه حكماً بالسجن الفعلي لمدة ثماني سنوات ونصف .
وضمن ساسة العقاب الجماعي المتبعة مع أهالي الأسرى ضمن ما يسمى “المنع الأمني ” أو المنع الجماعي من زيارة أبنائهم الأسرى ، فان ادارة مصلحة السجون لم تسمح لزوجته أو ابنه الوحيد أو أي من أفراد عائلته من زيارته منذ ما يقارب من عام ونصف .
ونتيجة لظروف الإحتجاز المأساوية وما يرافقها من معاملة لا إنسانية وسوء الطعام كماً ونوعاً ، وسياسة الإهمال الطبي المتعمد المتبعة في سجون ومعتقلات الإحتلال تدهورت أوضاعه الصحية دون رعاية تذكر ، ودون تقديم أي نوع من العلاج الضروري له ، فازداد وضعه سوءاً ، وشعر هو وزملائه الأسرى بالخطورة على حياته ، وطالب مراراً بنقله للمستشفى وتوفير العلاج له ، كما وطالبت أسرته ووزارة الأسرى أكثر من مرة ومن خلال منظمة الصليب الأحمر الدولية بضرورة الإفراج عنه أو تقديم الرعاية الطبية له ، إلا أن النهاية كانت مؤسفة ومؤلمة .
ومن المفارقات أن للشهيد ابن واحد اسمه ( صامد ) وكان يزوره بالسجن حينما كان طفلاً ويسمح له بذلك ، حيث أن القانون الإسرائيلي يسمح بالزيارة فقط للأبناء أو الأشقاء لمن هم أقل من 16 عاماً .
وكانت زوجته ( أم صامد ) دائماً كأي أم تتمنى أن يكبر ابنها ، ولكنها كانت تخشى في الوقت ذاته أن يتجاوز الـ16 عاماً ويصبح معه هوية ويحرم من مرافقتها لزيارة أبو صامد ، وفي احدى الزيارات عبرت عن ذلك لزوجها ، فرد عليها فرد عليها قائلاً عندما يستخرج صامد الهوية أكون قد استشهدت ، وفعلاً ، ابنه صامد استخرج الهوية قبل أيام من استشهاد والده ، وكأن الأب الأسير كان لديه احساس وشعور أنه سيفارق الحياة في اللحظة التي سيكبر فيها ابنه ويحصل على الهوية .
وبهذه المناسبة نناشد المؤسسات الدولية وفي مقدمتها منظمة الصيب الأحمر الى التدخل العاجل من أجل توفير الرعاية الطبية داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية وانقاذ حياة المئات من الأسرى المرضى ووضع حد لسياسة الإهمال الطبي التي تهدد حياة الأسرى عموماً .
المجد للشهيد فضل ولكل الشهداء والشفاء للجرحى والحرية للأسرى
ومنا العهد والوفاء