12/6/2008
كتب / عبد الناصر عوني فروانة
قوات الإحتلال الإسرائيلي تتعامل مع الأسرى على أنهم جزء من الشعب الفلسطيني المستهدف دائماً ، دون مراعاة لأوضاعهم و احتياجاتهم ، أوحقوقهم وفقاً للمواثيق الدولية، وتمارس بحقهم ما تمارسه بحق شعبهم من قمع وتنكيل وتعذيب وقتل ، ولكن بأشكال مختلفة وبذات المضمون ، بهدف اذلالهم وتجويعهم وعزلهم عن العالم الخارجي ، وقتلهم ببطئ جسدياً ونفسياً ومعنوياً ، هذا بدلاً من أن توفر لهم أبسط حقوقهم التي تكفلها المواثيق والإتفاقيات الدولية.
فالعقلية الإحتلالية لا تفرق في اجراءاتها وممارساتها ما بين فلسطيني وفلسطيني ، فهي تهدف الى قتل كل من يملك ذرة من الكرامة ويدافع عن شرف فلسطين ومقدساتها .
لكن ومثلما الشعب الفلسطيني لم ولن يقبل بسلب حقوقه الوطنية والتاريخية ، ولم ترهبه الميركافاة وطائرات الأباتشي والحصار ، فان الأسرى لم ولن يقبلوا بالظلم والإضطهاد وبسلب حقوقهم الإنسانية الأساسية ، ولم ترهبهم السلاسل وقسوة السجان ولا وحدات القمع نخشون وميتسادا ، وانتفضوا مراراً وقدموا عشرات الشهداء .
وبالتالي يمكن القول بأن الإنسان الفلسطيني المُحاصر في سجن غزة الكبير أو المدفون حياً في مقابر العزل الإنفرادية الرهيبة في الرملة وبئر السبع أو المعتقل في معتقلات النازية في صحراء النقب وعوفر ، أو المقيم في القدس ورام الله والخليل .. فهو انسان لا زال وسيبقى يدافع عن كرامته ويناضل من أجل حريته واستقلال وطنه بالرغم مما تعرض و يتعرض له من قتل وتنكيل وحصار وتجويع ….
اجراءات قمعية تصاعدت مع بدء الحصار
وهذا يقودنا الى التأكيد بان الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني ، لا سيما الحصار الخانق على قطاع غزة منذ عام ، امتد ليشمل الأسرى في سجونهم ومعتقلاتهم ، فزادهم قلقاً وحرماناً وقهراً ، حيث لجأت إدارة مصلحة السجون لتطبيقه على الأسرى منذ البداية ، فشَرعت بمصادرة أموالهم و فرضت عليهم غرامات مالية لأتفه الأسباب وأقدمت على اغلاق أرقام حساباتهم ، مما حرمهم من تلقي الأموال من ذويهم ومن وزارة الأسرى ، وأدى إلى تفاقم معاناتهم ، وحرمهم من شراء احتياجاتهم الأساسية من مقصف السجن نظراً للنقص الحاد في المواد الغذائية وغيرها المقدمة من ادارة السجون .
والأخطر والأقسى على الإطلاق قرار حرمان ذوي أسرى قطاع غزة وبشكل جماعي من مغادرة القطاع المُحاصر وزيارة أبنائهم في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، كشكل من أشكال العقاب الجماعي ، والذي شكَّل معاناةً قل نظيرها في الوقت الحاضر، وهي بمثابة معاناة مركبة تثقل كاهل الأسرى وأقاربهم في آن واحد ، وحرم الأسرى من تلقي الأغطية والملابس لا سيما الشتوية منها عبر ذويهم وأيضاً عدم تمكنهم من تلقي الأدوية الضرورية التي كانت ادارة السجن تسمح بدخولها أحياناً عن طريق الأهل، مما فاقم من معاناتهم في فصل الشتاء .
وهذا يعتبر قرار غير مسبوق منذ العام 1967 ، وحتى في الأنظمة الأكثر ديكتاتورية في العالم لم نسمع عن قرار رسمي حكومي قد اتخذ يحرم فيه الأسرى بشكل جماعي من رؤية ذويهم لمدة ستزيد عن العام ، وفي ذات السياق فان قوائم الممنوعين من الزيارة بشكل فردي من ذوي أسرى الضفة الغربية والقدس تحت حجج أمنية واهية أو ما يسمى بـ ” المنع الأمني ” قد ارتفعت هي الأخرى وبشكل ملحوظ ووصلت بالآلاف .
وبعد مرور عام على الحصار يمكن أن نضيف الكثير لما أوردناه أعلاه ، فعلى سبيل المثال لا الحصر عمليات القمع والتنكيل العنيفة من قبل وحدات نخشون وميسادا التي شُكلت خصيصاً لقمع الأسرى ، قد ازدادت وتصاعدت منذ بدء الحصار وسجل خلال عام الحصار عشرات عمليات القمع ، كان أعنفها ما جرى في أكتوبر الماضي في معتقل النقب الصحراوي حيث استشهد المعتقل محمد الأشقر وأصيب قرابة 250 معتقل باصابات مختلفة ، كما وتصاعدت أيضاً حملات التنقلات فيما بين الأسرى وأيضاً سياسة العزل الإنفرادي والعقاب الفردي لأتفه الأسباب وذلك بوضع الأسير في العزل او منعه من زيارة الأهل ، كما تم العمل على فصل الأسرى وفقا للإنتماء السياسي والتعامل مع كل فصيل على حدا وغيرها من الإجراءات التعسفية .
عام على الحصار فقد خلاله العشرات من الأسرى أمهاتهم أو آبائهم أو كليهما دون أن يتمكنوا من رؤيتهم ، وهناك أطفال أو أشقاء تجاوزوا سن ال16 عاماً خلال الحصار وبالتالي سيحرمون من زيارة آبائهم أوأشقائهم لسنوات طويلة قادمة ، وفقاً للقانون الإسرائيلي المجحف الذي يسمح فقط بالزيارات للأبناء والأشقاء ممن هم أقل من 16 عاماً فقط .
عام على الحصار وضعت خلاله الأسيرة فاطمة الزق من مدينة غزة مولودها ” يوسف ” وهي مقيدة بالسلاسل دون السماح لزوجها أو لأبنائها أو لأي من أفراد عائلتها بالوقوف بجانبها في المستشفى أثناء عملية الولادة ، أو بعد الولادة ، كما لم يسمح لأي من أبنائها الثمانية أو لزوجها من زيارتها منذ اعتقالها في مايو – آيار 2007 أو رؤية المولود الجديد منذ أن رأى النور .
قوانين مجحفة خلال عام الحصار
عام على الحصار اتخذت خلاله سلطات الإحتلال وادارة مصلحة السجون العديد من القوانين والقرارات والإجراءات التعسفية الظالمة المجحفة بحق الأسرى أبرزها قانون ” مقاتل غير شرعي ” الذي اتخذ بحق عدد من أسرى قطاع غزة والذي يتيح احتجازهم لفترات طويلة دون محاكمات ، وتفعيل قانون ” خصخصة السجون ” وتحويلها من القطاع الحكومي العام الى القطاع الخاص ، وقانون جديد أقر في يناير الماضي بالقراءة التمهيدية بالكنيست يمنع بموجبه زيارة سجناء سياسيين ينتمون إلى فصائل تحتجز أسرى إسرائيليين .
( 8000 ) مواطن ومواطنة اعتقلوا خلال عام من الحصار
عام على الحصار اعتقلت خلاله قوات الإحتلال قرابة ( 8000 ) ثمانية آلاف مواطن ومواطنة بمعدل 22 حالة اعتقال يومياً ، منهم أكثر من ( 1500 ) ألف وخمسمائة من قطاع غزة والباقي من الضفة الغربية والقدس ، وسجل خلال نفس الفترة قرابة ( 2500 ) قرار اعتقال إداري ، ما بين اعتقال جديد وتجديد الإعتقال ، وطالت تلك القرارات أطفال ونساء وشبان وشيوخ ، ونواب في المجلس التشريعي الفلسطيني ، ووزراء في حكومات فلسطينية سابقة .
وفيما يتعلق بالأسرى القدامى فخلال عام الحصار ارتفع عدد عمداء الأسرى ممن أمضوا أكثر من عشرين عاماً الى ( 82 أسير ) بعدما كان عددهم ( 64 أسير ) في حزيران الماضي .
فيما كان عدد من أمضوا أكثر من ( 15 عاماً ) في حزيران الماضي ( 195 ) أسير ، ومع نهاية شهر مايو الماضي وصل عددهم الى ( 278 ) أسيراً .
( 6 ) أسرى إلتحقوا بقائمة شهداء الحركة الأسيرة
عام على الحصار إلتحق خلاله ( 6 أسرى ) بقائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة أربعة من الضفة الغربية واثنين من قطاع غزة ، ومن بين هؤلاء أربعة أسرى استشهدوا نتيجة الإهمال الطبي وهم شادي السعايدة ، عمر المسالمة ، فادي أبو الرُّب ، فضل شاهين ، هذا بالإضافة الى الشهيد محمد الأشقر الذي استشهد في معتقل النقب بعد اصابته بعيار ناري في الراس ، والشهيد فواز فريحات من جنين الذي أعدم بعد اعتقاله مباشرة ، لترتفع بذلك قائمة الشهداء الى ( 195 ) شهيداً منذ العام 1967 ولغاية اليوم .
الإفراجات السياسية
رغم الحصار أفرجت سلطات الإحتلال تحت عنوان ما يسمى الإفراجات السياسية أو حسن النوايا وتعزيز الثقة عن ( 788 ) أسير وعلى ثلاث دفعات دون اشراك الجانب الفلسطيني في اعداد القوائم ، فكانت الدفعة الأولى في 20 تموز 2007 ، وشملت اطلاق سراح ( 256 معتقل بينهم 6 أسيرات ) وتضمنت الأسير القائد عبد الرحيم ملوح نائب الأمين العام للجبهة الشعبية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، كما وتضمنت أسير واحد من الأسرى القدامى وممن أعتقلوا قبل اوسلو ، والثانية كانت أواخر سبتمبر 2007 وتضمنت ( 91 أسير ) وأطلق بموجبها سراح القائد ركاد سالم أمين عام جبهة التحرير العربية ، أما الثالثة فكانت أوائل ديسمبر وشملت اطلاق سراح ( 431 أسير ) بينهم ( 47 ) اسير كان متبقي لهم أكثر من خمس سنوات ولغاية 9 سنوات ومنذ ذلك التاريخ لم يفرج عن أي من الأسرى وفقاً لما يسمى ” الإفراجات السياسية ” .
عمليتي تبادل محدودتين
عام من الحصار تمنى الأسرى أن ينجز خلاله عمليتي التبادل مع حزب الله ومع المقاومة الفلسطينية في غزة ويطلق بموجبهما سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين والعرب ، ولكن لم تنجز تلك الإتفاقيتين ولم يطلق سراح أي أسير فلسطيني في اطار عمليات تبادل خلال عام الحصار .
فيما أفرج عن أسيرين لبنانيين في اطار عمليتين محدودتين ما بين حكومة الإحتلال الإسرائيلي ومنظمة حزب الله اللبنانية ، الأولى كانت بتاريخ 15-10-2007 ، و استعادت بموجبها ” اسرائيل ” جثة أحد مواطنيها ، فيما استعاد حزب الله جثتي مقاتلين من حزب الله استشهدا خلال حرب تموز عام 2006 ، واطلاق سراح أسير لبناني كانت قد اعتقلته القوات الاسرائيلية خلال حرب تموز ، والثانية وأطلق بموجبها سراح الأسير اللبناني نسيم نسر ، فيما أعاد حزب الله رفات أربعة جنود اسرائيليين قتلوا خلال حرب تموز 2006 ، واعتبرت مقدمة لصفقة شاملة قد تنفذ قريباً ، نأمل أن تشمل أسرى لبنانيين وفلسطينيين بعيداً عن المعايير والشروط الإسرائيلية المجحفة .
عام من الحصار مضى .. ومعاناة الأسرى وذويهم تستمر وتتفاقم …ورغم الألم يبقى الأمل
عام من الحصار قد مضى ، وحمل في طياته الكثير من المعاناة للأسرى وذويهم ، لأطفالهم وأحبتهم ، وسُجل خلاله أفظع الإنتهاكات الإنسانية وأكثرها انحطاطاً وقسوة بحقهم ، وارتكبت خلاله ادارة مصلحة السجون ومن خلفها حكومة الإحتلال انتهاكات طويلة بحق الأسرى والأسيرات ، اعتبرت أحياناً جرائم ضد الإنسانية وفي أحياناً أخرى جرائم حرب ، وفي كل الأحوال أعتبرتها المحافل الحقوقية والإنسانية والدولية منها ذات الصلة بالموضوع ، انتهاكات فظة وجسيمة لحقوق الإنسان الأسير ، وخروقات فاضحة لما نصت عليه المواثيق والأعراف والإتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، ولكن دون أن تحرك تلك المؤسسات ساكناً ودون أن تتمكن من اتخاذ قرارات واجراءات رادعة ومؤثرة ، مما يعكس حقيقة تغيبها أحياناً وسكوتها وتخاذلها أحياناً أخرى ، الأمر الذي يستدعي التحرك الجاد لتفعيل تلك المؤسسات وانقاذ الأسرى من الإجراءات القمعية المتبعة ، ومن اجراءات وقرارات ستتبع لاحقاً وستكون أكثر قسوة .
عام على الحصار ومعاناة الأسرى وذويهم تستمر وتتفاقم … ورغم الألم يبقى الأمل
أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين