8/7/2008
بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي حافل بالعديد من عمليات تبادل الأسرى ، ما بين عدة حكومات عربية وحزب الله ، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من جهة ، وحكومة الاحتلال من جهة أخرى ، حيث بدأتها عربياً دولة مصر الشقيقة في فبراير عام 1949 ، وفلسطينياً بدأتها منظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في يوليو 1968 ، وتلتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح ” عدة مرات ، والجبهة الشعبية – القيادة العامة .
فيما وصل مجموع تلك العمليات عربياً وفلسطينياً إلى خمسة وثلاثين عملية تبادل وفقاً لما تمكنا من توثيقه في دراسة سابقة ، وتم بموجبها إطلاق سراح آلاف المعتقلين الفلسطينيين والعرب من السجون الإسرائيلية ، واستعادة المئات من رفات الشهداء المحتجزة لدى سلطات الاحتلال في ما تعرف بمقابر الأرقام .
وفي الآونة الأخيرة كَثَُر الحديث عن عملية تبادل ما بين حزب الله وحكومة الاحتلال الإسرائيلي من خلال الوسيط الألماني ، ومن الممكن أن تنفذ منتصف الشهر الجاري ، وطالعتنا وسائل الإعلام المختلفة على تفاصيل تلك الصفقة ، وحسب معلوماتنا فان أبرز ما تضمنته إطلاق سراح عميد الأسرى العرب عموماً الأسير اللبناني سمير القنطار المعتقل منذ قرابة ثلاثين عاماً ، وأربعة أسرى لبنانيين آخرين كانوا قد اعتقلوا في حرب تموز 2006 ، وإعادة عشرات من رفات الشهداء ، وفي مرحلة لاحقة إطلاق سراح العشرات أو لربما المئات من المعتقلين الفلسطينيين ، وبالمقابل تستعيد ” إسرائيل ” الجنديين الإسرائيليين ( أيهود غولدفاسير ، إلداد ريجيف ) ، أحياءً كانا أم أمواتا ، المأسورين لدى منظمة حزب الله منذ الثاني عشر من تموز عام 2006 ، مع أملنا بأن تحمل الأيام القادمة أخباراً أكثر سروراً من تلك التي تناقلتها وسائل الإعلام.
ووفقاً لمجريات الأحداث منذ عملية ” الوعد الصادق ” وأسر الجنديين الإسرائيليين وما تبعها من تصريحات من كلا الطرفين المتصارعين ، وما تلاها من حرب تموز الإسرائيلية على لبنان ، والى يومنا هذا والإتفاق على إتمام صفقة التبادل ، يمكن لنا أن نستخلص ونستنتج بعض المعاني والدلالات أهمها :
أولاً : إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي وبعد عامين من عملية ” الوعد الصادق ” ، تقر بهزيمتها وبهزيمة قادتها رسمياً ، بمن فيهم رئيس وزرائها ” إيهود اولمرت ” ووزير الحرب ” ايهود براك ” ، وبهزيمة مؤسستها الأمنية ، تقر بفشلها الذريع في استعادة جندييها تحت الضغط والضربات العسكرية ، وبمصادقتها على صفقة التبادل مع حزب الله ، فإنها بذلك تصادق رسمياً على انتصار جديد لمنظمة حزب الله وللمقاومة الباسلة يضاف إلى انتصارها في تموز ، مصادقة تأخرت عامين بالتمام والكمال .
ثانياً : عملية التبادل هذه ، هي ترجمة حقيقية للوعد الصادق الذي أطلقه سماحة الشيخ حسن نصر الله بتحرير أسراه ، وان قادة ” إسرائيل ” وقواتهم العسكرية لم تُخِف الشيخ حسن نصر الله ولم تردعه من ترجمة وعده ، كما وأنها تعكس أيضاً مصداقيته التي لا شك فيها لبرهة ، حينما شدَّد بعد أسر الجنديين الإسرائيليين قائلاً “الأسيران لن يعودا إلا بالتفاوض غير المباشر وتبادل الأسرى “.
ثالثاً : إطلاق سراح الأسير اللبناني ” سمير القنطار ” ضمن صفقة التبادل والذي رفضت سلطات الاحتلال مراراً إدراج اسمه في صفقات تبادل سابقة ، يعني انتصاراً للقنطار وإرادته الفولاذية وصموده الأسطوري وثباته على أهدافه ومبادئه رغم سني الأسر الطويلة وقسوة السجن والسجان .. يعني انتصاراً لأسرته الرائعة ووالدته المثالية .
فسمير مفخرة فلسطينية ونموذجاً يحتذى به ، القنطار مفخرة للحركة الوطنية الأسيرة ، نزداد به شموخاً واعتزازاً ، وننتظر على أحر من الجمر عودته إلى بيته في قرية عبية بالجنوب اللبناني ، وستذرف العيون الفلسطينية جمعاء دموع الفرح والسعادة والانتصار وهم يشاهدون عبر شاشات التلفاز مشاهد عناقه لوالدته ولأفراد أسرته وأصدقائه وأحبته بعد قرابة ثلاثين عاماً من الأسر حُرم خلالها من رؤيتهم وحرموا هم من زيارته .
رابعاً : شمول الصفقة على إخلاء ” مقابر الأرقام ” أو جزء منها أو إعادة عشرات من رفات الشهداء العرب والفلسطينيين ، انما يعكس إصراراً كبيراً من قبل منظمة حزب الله على الإستمرار في السير على نهج سابق يتمثل بضرورة استعادة جثامين الشهداء واكرامهم ، من خلال اعادة دفنهم وفقاً للشريعة الدينية والإسلامية ، في أماكن مؤهلة لذلك ، وأعدت خصيصاً لهذا الغرض وفقاً لمعايير انسانية ودينية ، وبهذا الصدد يمكن لنا التأكيد على أن ” حزب الله ” سبق وان استعاد مئات الجثامين ضمن صفقات تبادل سابقة ، ولكن يبقى حلمنا قائماً باستعادة كافة رفات الشهداء واخلاء وتدمير كافة مقابر الأرقام ، حيث لا تزال ” اسرائيل ” تحتجز المئات من جثامين الشهداء في أربعة مقابر للأرقام كشف عنها في السنوات الأخيرة ، وفي هذا الصدد نعلن تقديرنا العالي لحزب الله لشمول الصفقة على رفات الشهيدة دلال المغربي ورفاقها الأربعة.
خامساً : اصرار ” حزب الله ” على ادراج أسرى فلسطينيين ضمن صفقة التبادل لها معاني كثيرة بالنسبة لنا كفلسطينيين نقدرها ، نثمنها ، ونفخر بها ، برغم تحفظاتنا على كل ما له صلة بهذا الشق ، حيث وبصراحة كنا نأمل ان لا تحمل هذه القضية عنوان ” بادرة حسن نية ” وان لا تترك قائمة الأسرى الفلسطينيين المنوي الإفراج عنهم بغض النظر عن عددهم ، رهينة بأيدي الجانب الإسرائيلي وان تحدد أسماؤهم وفقاً لشروطه ومعاييره وتصنيفاته المجحفة الظالمة المرفوضة فلسطينياً ، وصراحة كان ينتابنا شعور بالخشية من تكرار ما جرى في صفقة التبادل عام 2004 .
وصراحة أكثر كنا نأمل ونتطلع ونتمنى بأن يكون بجانب القنطار أسماء بعينها من الأسرى القدامى ممن أمضوا أكثر من عشرين عاماً أو ممن أمضوا أكثر من ربع قرن .. كنا نأمل أن نجد بجانب اسم القنطار اسم سعيد العتبة من نابلس عميد الأسرى عموماً والمعتقل منذ قرابة واحد وثلاثين عاماً، والأسير المقدسي فؤاد الرازم عميد الأسرى المقدسيين ، والأسير سليم الكيال عميد أسرى قطاع غزة ، سامي يونس عميد أسرى 48 وأكبر الأسرى سناً ، فمنهم من دخل قسراً موسوعة ” غينتس ” للأرقام القياسية .
سادساً : كما أقرت حكومة الإحتلال بأن لا عودة للجنديين المأسورين لدى حزب الله إلا بالتبادل ، فانها ستضطر عاجلاً أم آجلاً للإقرار بهزيمتها في غزة وبأن لا عودة لجنديها ” شاليط ” المأسور لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، إلا بالتبادل أيضاً ، لا سيما بعد فشلها الذريع في معرفة مكان احتجازه طوال العامين المنصرمين وفشلها في استعادته بالقوة ، مما يمنحنا تفاؤلاً كبيراً بانجاز صفقة التبادل ما بين الفصائل الفلسطينية وحكومة الاحتلال في وقت قريب .
الأمر الذي يقودني ويدفعني لمناشدة آسريه بضرورة التمسك بالإفراج عن قدامى الأسرى كشرط أساسي لنجاح صفقة تبادل الأسرى.
في الختام لا يسعني إلا أن أبرق أصدق تهاني الفخر والاعتزاز إلى ” منظمة حزب الله ” وأمينها العام سماحة الشيخ حسن نصر الله ” على هذا الانتصار الرائع … وأتمنى أن تنفذ صفقة التبادل اليوم قبل غدٍ. فهنيئاً لنا ولكم وللمقاومة اللبنانية وللحركة الأسيرة خاصة ، وللأمتين العربية والإسلامية عامة ، هذا الانتصار الذي يُضاف إلى سلسلة انتصاراتنا وانتصاراتكم السابقة …
* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين