9/8/2008
رام الله 9-8-2008- دعا الباحث المختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين ، عبد الناصر عوني فروانة اليوم السبت ، كافة المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بالأسرى وبحقوق الإنسان ، والمؤسسات الإعلامية المختلفة إلى تفعيل دورها ومساندة المعتقلين في معتقل النقب الصحراوي وتسليط الضوء على معاناتهم المتفاقمة .
واصدر فروانة تقريراً مفصلاً عن معتقل النقب ومعاناة المعتقلين هناك في الذكرى التاسعة عشر لإستشهاد المعتقل محمد صالح الريفي جراء الإهمال الطبي .
واضاف فروانة أن طبيعة المناخ الصحراوي المتقلبة والقاسية، وظروف المعتقل المعيشية والصحية والإنسانية صعبة للغاية ، والمعاملة التي يتلقاها المعتقلين من قبل السجانين وحراس المعتقل وحتى من قبل الممرضين والأطباء قاسية ولا انسانية ، تستدعي التحرك الجاد والفوري لوضع حد لها وانقاذ حياة المعتقلين ، بل وتتطلب التحرك الجدي والفوري على كافة المستويات من أجل اغلاق هذا المعتقل .
وأكد فروانة أن المعتقلين هناك يكتوون صيفاً من اشتداد أشعة الشمس وقساوة حرارة آب، ويعانون من رطوبة الجو وسخونة الهواء وسوء المناخ ، مما يترك آثار صحية خطيرة على صحة وسلامة الإنسان ، ويسبب لهم أمراضاً عديدة في مقدمتها ضربات الشمس التي يتأثر منها جميع أجزاء الجسم كالبشرة والجلد والجهاز العصبي والحركي ، بالإضافة الى أمراض الإعياء الحراري ونزيف الأنف ( الرعاف ) وبعض متاعب القلب المفاجئة التي تحدث لأول مرة ، ويوصي الأطباء في هذا الصدد بأخذ الحيطة والوقاية لتجنب آثارها ، وان أصيب الإنسان يجب علاجه بسرعة ، الا أن ادارة المعتقل تعمل عكس ذلك.
واستحضر فروانة تجربته الخاصة في الإعتقال الإداري في بداية افتتاح المعتقل قبل عشرين عاماً وذلك في مارس / آذار عام 1988 ، مقارنة بما يتردد لمسامعه اليوم وما يطلع عليه من تقارير للمحامين ومناشدات من قبل المعتقلين ، معتبراً أن أوضاع وظروف المعتقل لم تشهد تحسناً جوهرياً منذ نشأته ، من حيث المعاملة والحقوق الأساسية بكل جوانبها وفقاً لما تنص عليه الإتفاقيات الدولية ، بل على العكس الأوضاع تزداد صعوبة وقساوة .
وأشار فروانة الى أن المعتقلين يعانون هذه الأيام قساوة الظروف الجوية وحرارة شمس آب ، وأن ادارة المعتقل تتعمد ابقائهم لفترات طويلة تحت اشعة الشمس لا سيما خلال العدد اليومي وتمنعهم من وضع أية فوطة أو طاقية على رؤوسهم ، اضافة لظروف المعتقل القاسية وسوء المرتبة ( الفرشة ) والسرير الخشبي ( البرش ) الذي ينام عليه المعتقل ، مما يسبب آلام في الظهر ، وانتشار الزواحف والحشرات ، وشحة مواد التنظيف ..الخ .
آثار فصل الشتاء
وأضاف أنه وقبل شهور عانى المعتقلين الكثير في فصل الشتاء القارص وبرودة كانون وموجات الصقيع التي تسللت الى عظامهم ، ومن الرياح العاصفة وغزارة الأمطار وتسربها لداخل الخيام من خلال الثقوب أو من أسفلها لتُغرق وتتلف بعض حاجياتهم وتبلل ملابسهم ، في ظل شحة الأغطية والملابس الشتوية ، مما تسبب لهم العديد من الأمراض ، مما يعني حسب تقدير فروانة أن معاناتهم مستمرة طوال أشهر السنة ، دون أن توفر لهم ادارة المعتقل ما يقيهم من البرد والمطر شتاء ، ومن لهيب حرارة الشمس صيفاً ، بل تتعمد الى زيادة معاناتهم من خلال حرمانهم من الزيارات ومن ادخال احتياجاتهم الأساسية عن طريق الأهل .
ويقول الأطباء أن برودة الجو لها تأثير شديد على جسم الإنسان ، لا سيما على العظام حيث يتسلل البرد القارص إليها من الداخل ويتسبب في إحداث الآلام والالتهابات .
وتفيد كافة الدراسات الى ان فترات الحر الطويلة أو فترات البرد الطويلة تؤثر بدرجة كبيرة على القوى الحيوية للإنسان ، وإن الحرارة العالية والبرودة الشديدة ضارة بصحة الإنسان ، كما وإن الرطوبة العالية والرطوبة المنخفضة أيضاً ضارة بصحة الإنسان وإن الجو الرطب يساعد على نمو البكتيريا والجراثيم ويبعث على الكسل والخمول ، وتؤكد على أن آثار ذلك قد تظهر بشكل آني على صحة الإنسان ، أو بعد فترة من الزمن .
وفي السياق ذاته فان هناك العديد من الدراسات أثبتت أن الأمراض المزمنة والمستعصية والتي ظهرت وبدأت تظهر على الأسرى المحررين لها علاقة بصورة دالة إحصائياً بخبرة السجن .
تاريخ انشاء المعتقل
وذكر فروانة أنه قد تم افتتاح المعتقل في 17 مارس / آذار عام 1988 ، داخل منطقة عسكرية هي بالأساس معسكر للجيش الإسرائيلي ملاصقة للحدود المصرية في صحراء النقب بجنوب فلسطين ، ويقال أن قائده الأول ” ديفيد تسيمح ” وهو كولونيل في سلاح الهندسة في الجيش والذي استمر في قيادته للمعتقل لأكثر من عامين، هو من صممه وصمم من قبله معتقل أنصار 1، في قرية أنصار في جنوب لبنان.
واضاف فروانة أن المعتقل ومنذ افتتاحه كان يخضع لإدارة الجيش العسكرية مباشرة وانتقلت السيطرة عليه لإدارة مصلحة السجون عام 2006 ، وهو عبارة عن معسكر مقام على مساحة كبيرة ومقسم الى عدة أقسام وفي كل قسم عدة خيام وفي كل خيمة ( 26 معتقلاً ) ، ويحيط كل قسم أسلاك شائكة وسياج مرتفعة ، وبين كل قسم وآخر ممرات للجيش وأبراج مراقبة ويتجول الجنود بين الأقسام وهم مدججين بالسلاح وكثيراً ما استخدموا هذا السلاح ضد المعتقلين العُزل.
مبيناً الى انه في مارس 1990 ابتكرت العقلية الإسرائيلية ” الأقفاص ” وهي عبارة عن أقسام يحيطها جدران الباطون من كل الإتجاهات وسقفها من الأسلاك ذو الفتحات الصغيرة و…إلخ ، وبمجرد أن يصل المعتقل يتسلم رقماً يتم التعامل به بدلاً من اسمه حتى لحظة تحرره ،
وأكد فروانة أن معتقل النقب قد أغلق رسمياً عام 1996 وقدر عدد نزلائه في الفترة ما بين ( 1988- 1996 ) إلى قرابة مائة ألف معتقل ، فيما أعيد افتتاحه من جديد خلال انتفاضة الأقصى وذلك في نيسان عام 2002 بهدف استيعاب أعداد المعتقلين الكبيرة ، وزج به الآلاف من المعتقلين ويوجد فيه الآن قرابة ( 1900 ) معتقل ، بينهم المئات من المعتقلين الإداريين .
واعتبر فروانة أن نقل السيطرة والمسؤولية عليه في عام 2006 من إدارة الجيش إلى إدارة مصلحة السجون، لم تُحدث أي نقلة جوهرية على الحياة والظروف والمعاملة بداخله ، فالجيش مُسيطر ، وحراسه مدججين بالسلاح .
أولى المواجهات داخل المعتقل
واستذكر الباحث فروانة أن أولى المواجهات الكبيرة مع إدارة المعتقل، كانت حينما احتج قرابة ألف وخمسمائة معتقل في قسم ” ب ” على ظروف اعتقالهم ، وتمردوا على السجان وعلى أوامر إدارة المعتقل القمعية، وضج المعتقل بأقسامه المختلفة بالهتاف والنشيد والتكبير وقذف المعتقلون كل ما يقع تحت أيديهم على الجنود من حجارة وصواني بلاستيكية وأحذية، ورداً على ذلك أقدمت إدارة المعتقل المدججة بالسلاح، على قمعهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص الحي من أسلحة أتوماتيكية.
استخدام القوة والرصاص ضد المعتقلين بات أمر عادي
وأضاف الى أنه قد استشهد في هذه الهبة المعتقلان أسعد الشوا و بسام السمودي وذلك في السادس عشر من أغسطس / آب 1988 ، واستشهد بعد ذلك سبعة معتقلين آخرين داخل المعتقل لأسباب مختلفة من مجمل شهداء الحركة الأسيرة الذي يبلغ عددهم ( 195 شهيداً ) .
مؤكداً إلى أن وجود الجنود والحراس المدججين بالسلاح بين المعتقلين ، لم يتوقف ، وبالتالي سياسة إطلاق الرصاص على المعتقلين هي الأخرى لم تتوقف ، واستمر الحال على ما هو عليه في معتقل النقب وغيره ، وأصبح استخدام القوة وإطلاق الرصاص على المعتقلين أمر عادي ولأتفه الأسباب، الأمر الذي أدى فيما بعد لإستشهاد خمسة معتقلين آخرين وبنفس الطريقة في سجون ومعتقلات مختلفة ، ليصل عدد من استشهدوا من المعتقلين جراء إطلاق الرصاص مباشرة عليهم إلى ( 7) معتقلين ، آخرهم كان المعتقل محمد الأشقر في معتقل النقب في أكتوبر من العام الماضي واصابة قرابة ( 250 ) معتقل باصابات مختلفة .
الشهداء في معتقل النقب
وذكر الباحث فروانة في تقريره ، أن تسعة شهداء سقطوا في معتقل النقب الصحراوي، أنصار3 ، لأسباب مختلفة منهم ثلاثة أسرى نتيجة اصابتهم بأعيرة نارية وثلاثة آخرين جراء التعذيب ، والباقي نتيجة الإهمال الطبي ، وهؤلاء الشهداء هم : أسعد جبرا الشوا من مواليد 1969 وهو من سكان حي الشجاعية بمدينة غزة واستشهد بتاريخ 16-8-1988، الشهيد بسام ابراهيم الصمودي من مواليد 1958 وسكان قرية اليامون واستشهد بتاريخ 16-8-1988، نتيجة اصابتهما بأعيرة نارية ، محمد صالح حسن الريفي مواليد 1933 ، من سكان مدينة غزة واستشهد نتيجة الإهمال الطبي بتاريخ 10-8-1989 ، حسام سليم هاني قرعان مواليد 1966 وهو من قلقيلية واستشهد بعد تعذيبه والإعتداء عليه بالغاز وذلك بتاريخ 28-8-1990 ، أحمد ابراهيم بركات من مواليد 1966 وسكان مخيم عين الماء القريب من نابلس واستشهد جراء التعذيب بتاريخ 5-5-1992 م.
بينما الشهيد أيمن ابراهيم برهوم من مواليد 1969 وسكان رفح واستشهد متأثراً من الضرب والتعذيب بتاريخ 27-1-1993م، وجواد عادل عبد العزيز ابو مغصيب مواليد 1987 من دير البلح بغزة واستشهد بسبب الإهمال الطبي بتاريخ 28-7-2005 ، وجمال حسن عبد الله السراحين مواليد 1970 من بلدة بيت أولا –شمال الخليل واستشهد نتيجة الإهمال الطبي بتاريخ 16-1-2007 ، محمد صافي الأشقر من بلدة صيدا بطولكرم واستشهد بتاريخ 22-10-2007 نتيجة اصابت بعيار ناري .
سياسة الإهمال الطبي باتت سمة ونهج ثابت في التعامل مع المعتقلين
وفي الذكرى التاسعة عشر لإستشهاد المعتقل محمد الريفي جراء الإهمال الطبي ، يؤكد فروانة الى أن الأوضاع المأساوية في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي ، وسوء الطعام كماً ونوعاً وافتقاره للمواد الغذائية الضرورية ، وشحة الماء الساخن ومواد النظافة ، تؤدي بطبيعة الحال الى تحول المعتقلين الأصحاء الى مرضى .
مضيفاً أنه وفي ظل الخدمات الصحية المتدنية وشحة الدواء وسياسة الإهمال الطبي المتعمد واطالة فترة الإعتقال ، تتحول الأمراض من بسيطة الى مزمنة وخطيرة يصعب علاجها ، فتؤدي الى استشهاد المعتقل داخل سجنه أو بعد تحرره .
وخلص فروانة في تقريره الى القول بأن سياسة الإهمال الطبي باتت سمة أساسية ونهج ثابت في تعامل ادارة مصلحة السجون مع المعتقلين عموماً ، وما يدلل على ذلك استمرار الأوضاع الصحية على حالها وازدياد عدد المرضى ، رغم استشهاد العشرات من المعتقلين والمناشدات العديدة ، مما يستدعي البحث عن أساليب مشروعة ذات جدوى أكبر لوضع حد لهذا الإستهتار بحياة المعتقلين ولضمان توفير الرعاية الطبية الضرورية لكافة المعتقلين وفق ما تنص عليه المواثيق والإتفاقيات الدولية لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة .