22/11/2008
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
يبدو أن هموم الحياة اليومية ومعاناتنا التي أصبحت جزء من حياتنا ، وتأثيرات الإنقسام المؤلمة والحصار المدمرة ، وآثار فشل جولات الحوار و… كانت سبباً في نسياننا ، أو تجاهلنا أو لا مبالاتنا فيما هو أبعد بكثير من هموم أسرانا القابعين في سجون الإحتلال ، لتمتد لتطال الشهداء منهم ، أولئك الذين كشفوا باستشهادهم خلف القضبان عنجهية الإحتلال واجرام ادارة السجون الإسرائيلية .
اسحق مراغة ، عمر القاسم ، حسين عبيدات ، محمد أبو هدوان … أسماء لشهداء أسرى مقدسيين حُفرت في ذاكرتنا واحتلت بالتأكيد مساحة كبيرة في عقولنا وقلوبنا ، أسماء نفخر بدورها ونعتز بمسيرتها النضالية والكفاحية قبل الأسر وبعده ، أسماء نتألم اذا استوقفنا أمام مسيرة حياتهم ومعاناتهم ، ونفخر بها اذا ما استعرضنا نضالاتهم وصمودهم ، ونخجل من أنفسنا ومن ثورتنا لعجزنا على تحريرهم قبل ان يفارقوا الحياة … ونخجل أكثر فأكثر ونحن نستحضر أسماء العشرات من الأسرى المقدسيين المعتقلين منذ عشرات السنين بانتظار المصير المجهول أو لربما ذات المصير لا سمح الله ..
قائمة طويلة من الأسرى المقدسيين تبدأ بعميدهم الأسير فؤاد الرازم المعتقل منذ أكثر من ربع قرن ، ومروراً بالأسرى الذين مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً هاني جابر ، على مسلماني ، فواز بختان ، خالد محيسن ، عصام جندل ، علاء البازيان ، عبد الناصر وطارق الحليسي ، ابراهيم عليان ، سمير أبو نعمة ، حازم عسيلة ، ياسين أبو خضير ، خالد طه ، جهاد عبيدي ، ناصر عبد ربه ، جمال أبو صالح ، سامر أبو سير ، أحمد عميرة ، بلال أبو حسين ، ولا تنتهي بالأسرى ابراهيم مشعل وعدنان مراغة ونبيل زيادة وعلى شلالدة وجمعة موسى المعتقلين منذ أكثر من خمسة عشر عاماً .
وهؤلاء جميعاً ومعهم كافة الأسرى المقدسيين يعانون الأسر مرتين وبشكل مضاعف ، حيث ظروف الأسر الصعبة من جانب ، ومن جانب آخر استثنائهم واستبعادهم من صفقات التبادل السابقة ومن الإفراجات السياسية ، و” اسرائيل ” تتعامل معهم فلسطينيين في الزنازين واسرائيليين في صفقات التبادل ، واستمرار احتجازهم لعشرات السنين والتعامل معهم بهذا المنطق ، وعزلهم داخل السجون في أقسام لوحدهم انما يعكس عقلية ” اسرائيلية ” انتقامية منهم ومن ذويهم وأمثالهم ومن كل المقدسيين عموماً ، وانما يعني أيضاً محاولة اسرائيلية لإستبعاد القدس عن جوهر القضية الفلسطينية ، واستئصالهم من الشعب الفلسطيني .. وبالتالي فهم ينتظرون ذات المصير اذا ما تحرك الجميع بشكل جدي وتم وضعهم في مكانهم الطبيعي بين الحركة الوطنية الأسيرة وبين شعبهم كجزء ثابت وأساسي لا يتجزأ ، ووضع قضية تحريرهم على سلم أولويات السلطة والوطنية وفصائل المقاومة مجتمعة وعدم السماح باستثنائهم من الإفراجات السياسية القادمة أوتجاهلهم واستبعادهم من صفقة التبادل المتوقعة مع ” شاليط ” المأسور في غزة .
وفي الرابع من أكتوبر الماضي صادفت الذكرى الـ16 لإستشهاد الأسير المقدسي حسين عبيدات ، وفي الرابع من الشهر الجاري كانت الذكرى الرابعة لإستشهاد الأسير المقدسي محمد أبو هدوان ، و قبل أيام قلائل وبالتحديد في السادس عشر حلت الذكرى الـ 25 لاستشهاد الأسير المقدسي أيضاً اسحق مراغة ، وفي حزيران الماضي طلت علينا الذكرى الـ19 لاستشهاد الأسير المقدسي عمر القاسم .. ومرت مجمل تلك الذكريات دون الوقوف أمام أي منها ، أو مجرد الحديث حولها والكتابة فيها ، وتخلفت وسائل الإعلام المختلفة عن ذكرها … ولا أعرف بأي قدر يمكن ان أكون فيه محقاً في انتقاد كل من لهم علاقة بالأسرى ، وبالإعلام ، لنسيانهم أو لتجاهلهم هذه الذكريات ؟
أم أن كثرة الشهداء الأسرى جعلت من الذكرى أمر عادي ! أم أن ذلك يندرج في اطار سياسة التهميش والإستثناء التي تمارس بحق الأسرى المقدسيين عموماً لتطال حتى الشهداء منهم أيضاً ؟ .
ويضيف الباحث عبد الناصر فروانة في مقالته : وبتقديري الشخصي لم يكن استشهاد هؤلاء الأسرى المقدسيين بالأمر العادي ، كما لم يكن مجرد صدفة أو مرض مفاجئ ، انما كان الإهمال الطبي المتعمد هو القاسم المشترك فيما بين جميعها … واليوم العديد من الأسرى المقدسيين الأحياء الذين ذكرنا أسمائهم أعلاه يعانون من أمراض عديدة ومزمنة دون رعاية طبية تذكر ، ومنهم من يرقدون في ما يسمى مستشفى سجن الرملة منذ عشرة سنوات دون تحسن يذكر ، بل على العكس أوضاعهم الصحية تزداد تدهوراً وخطورة وعلى سبيل المثال الأسيران على الشلالدة وجمعة موسى .. فهل سيلقيان ذات المصير أم سيكتب لهما أن ينعما بالحرية قريباً ..؟
فالأول الأسير المقدسي ” أبو حسن ” شلالدة ( 61 عاماً ) معتقل منذ أغسطس 1990 ، ويقضي حكماً بالسجن 25 عاماً ، ويعاني من أزمة صدرية وأن 25 % فقط من الرئتين تعمل ، كما ويعاني أيضاً من مرض السكري والضغط ، والثاني الأسير المقدسي ” أبو اسماعيل ” موسى ( 67 عاماً ) ومعتقل منذ ابريل 1993 ، وصدر بحقه حكماً بالسجن الفعلي مدى الحياة ووضعه الصحي سيء للغاية حيث أنه يعاني من أمراض القلب والضغط والسكري وسبق وأن اصيب بعدة جلطات دماغية ، ويعاني أيضاً من أزمة صدرية حادة ولا يستغني عن جهاز الأوكسجين ، ومصاب بشبه شلل في يده وساقه بسبب اعطائه حقنه خاطئة في يده اليسرى .
هذه شواهد حية تعكس مدى استهتار ادارة سجون الإحتلال الإسرائيلي بحياة الأسرى عموماً وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على أن الإهمال الطبي هو سياسة متبعة داخل سجون الإحتلال ويمارس بشكل ممنهج ، بهدف الإنتقام من الأسرى ومفاقمة معاناتهم واعدامهم ببطء ، وبهذا الصدد نطالب المجتمع الدولي بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة للتحقيق في ظروف استشهاد العشرات من الأسرى نتيجة الإهمال الطبي ، والتدخل العاجل لوضع حد لقوائم الأسرى المرضى التي تتكدس بها سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي .
فعذراً أيها الشهداء الأسرى المقدسيين ..عذراً أيها الأسرى المقدسيين عموماً .. عذراً أيها الشهداء الأحياء القابعين في سجون الإحتلال .. فالإنقسام والحصار أضعفا حضور قضيتكم لدينا .. فتقبلوا اعتذارنا …
* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي ” فلسطين خلف القضبان ”
http://www.palestinebehindbars.org