7/12/2008

رام الله – 7-12-2008 – أكد الأسير السابق والباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر عوني فروانة ، اليوم ، على أن انتفاضة الأقصى الحالية شهدت تراجعاً في معدل الإعتقالات مقارنة بالإنتفاضة الأولى ، بينما شهدت الإنتفاضة الحالية ارتفاعاً ملحوظاً فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الأسرى والجرائم المرتكبة بحقهم من حيث اتساعها و حجم خطورتها وتأثيراتها .. وبينما تميزت الإنتفاضة الأولى بالوحدة الوطنية والطابع الجماهيري وجلبت الإستقلال ، فان الثانية عززت خطة الإنفصال ، وجلبت الإنقسام ، الذي قسّم الوطن ومزّق الوحدة الوطنية وأحدث شرخاً كبيراً في النسيج الإجتماعي بمجمله .

جاءت تصريحات فروانة هذه في تقرير صحفي وزعه اليوم بمناسبة حلول الذكرى الـ21 لإندلاع الإنتفاضة الأولى والذي يصادف يوم غدٍ الإثنين الثامن من كانون أول / ديسمبر الجاري .

واشار فروانة في تقريره الى أن سلطات الإحتلال الإسرائيلي اعتقلت خلال سنوات الإنتفاضة الأولى ( 8-12- 1987 – منتصف 1994 ) قرابة ( 200 ألف ) مواطن ، أي بمعدل ثلاثين ألف حالة اعتقال في العام الواحد ، بينا اعتقلت خلال انتفضة الأقصى الحالية ( 28-9-2000 ولغاية اليوم ) قرابة ( 65 ألف مواطن ) أي بمعدل ( ثمانية آلاف مواطن ) في العام الواحد .

وأضاف فروانة أن السبب في تراجع الاعتقالات مقارنة مع الانتفاضة الأولى يعود إلى تقلص الوجود المباشر والمكثف لقوات الاحتلال في بعض المناطق الفلسطينية وذلك منذ اتفاقية اوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية منتصف عام 1994، ومن ثم انهاء الوجود العسكري في قطاع غزة في سبتمبر 2005 ، وهذا الوضع حال دون تمكنها من اجتياح كل المدن والقرى في الضفة الغربية وقطاع غزة بحرية كما كان متاحاً خلال الإنتفاضة الأولى مما أدى الى تقلص حالات الاعتقالات بشكل عام .

وتابع فروانة: أن ما يدلل على ذلك هو أن المناطق المتواجدة فيها قوات الاحتلال بكثافة أو التي يمكن أن تجتاحها بسهولة ، هي المناطق التي كان لها النصيب الأكبر من الاعتقالات، وبالإجمالي سنجد أن الغالبية العظمى ممن اعتقلوا هم من الضفة الغربية وبتفاوت من مدينة لأخرى وفقاً لما ذكرناه، ومن قطاع غزة اعتقل خلال انتفاضة الأقصى قرابة ( 3500) مواطن فقط .

وأوضح فروانة بأن هذا الحال انعكس على نسب الأسرى القابعين الآن في السجون والمعتقلات الإسرائيلية وأعدادهم ، حيث يوجد ما يقارب من ( 10 % ) فقط من سكان قطاع غزة ، و قرابة 6 % من القدس والمناطق التي أحتلت عام 1948 ، فيما الباقي وهي النسبة الأكبر وتقدر بحوالي ( 84 % ) من الضفة الغربية .

انخفاض معدل الإعتقالات فيما الإنتهاكات تصاعدت قياساً بالإنتفاضة الأولى

واشار فروانة في تقريره الى أن انخفاض معدل الإعتقالات خلال سنوات انتفاضة الأقصى مقارنة مع الإنتفاضة الأولى ، له اسبابه الموضوعية ، ولا يعني بالمطلق انخفاضاً في الإنتهاكات بحقهم أو ارتفاعاً في درجة احترام حقوقهم أو تحسناً قد طرأ على أوضاعهم المعيشية أو الصحية ، أو يعكس نوايا اسرائيلية جدية في التعاطي مع العملية السلمية ، بل على العكس تماماً فلو استطاعت قوات الإحتلال الإسرائيلي اعتقال المزيد من آلاف المواطنيين لما ترددت في ذلك ، وأن انتهاكاتها الفاضحة لحقوق الأسرى تصاعدت بشكل كبير جداً قياساً بالإنتفاضة الأولى والهجمة عليهم اشتدت وكانت أكثر فظاعة وانحطاطاً لتشمل أوضاعهم وظروف حياتهم ، والمساس بكرامتهم ، والسجون أصبحت أكثر قسوة ويمارس فيها أبشع عمليات التعذيب الجسدي والنفسي، واتخذت خلالها العديد من القوانين والقرارات والإجراءات التعسفية الظالمة المجحفة ومنها مصادرة أموال الأسرى وحرمانهم من تلقي أموال “الكانتينا ” من الأهل ، وحرمان الآلاف منهم ( قرابة نصفهم ) من زيارة ذويهم بشكل جماعي كما هو حاصل مع أسرى قطاع غزة أو بشكل فردي تحت ما يسمى ” المنع الفردي ” بالنسبة لأسرى الضفة والقدس ، والتفتيش العاري والتحرش الجنسي تزايد ، والمأكل والمشرب ازداد سوءاً ، ودائرة العزل الإنفرادي اتسعت ، بالإضافة الى أن سياسة اعتقال أمهات وزوجات وأقرباء الأسرى بهدف ابتزازهم والضغط عليهم هي الأخرى اتسعت ، كما وصعدت ادارة السجون من لجوئها لإستخدام القوة المفرطة ضد المعتقلين ، وازداد التعذيب قسوة والإهمال الطبي تمادى واصبح أمر عادي ، وغدت سياسة اعدام الأسرى بعد اعتقالهم وكأنها اجراء طبيعي .

الشهداء الأسرى خلال الإنتفاضتين

وأوضح فروانة انه ونتيجة لتلك الأسباب تفاقمت أوضاع الأسرى سوءاً وارتفعت قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة خلال انتفاضة الأقصى بشكل كبير ، حيث استشهد خلالها ( 72 أسيراً ) نتيجة الإهمال الطبي أو التعذيب أو القتل المتعمد بعد الإعتقال المباشر ، فيما كان النصيب الأكبر ( 51 أسيراً ) ضحية لسياسة القتل المتعمد بعد الإعتقال ، وهذا يندرج في سياق تصعيد سياسة الإغتيالات التي طبقت بشكل علني وواسع وبقرار سياسي واستشهد نتيجتها مئات الفلسطينيين ، أما خلال الإنتفاضة الأولى فلقد استشهد ( 42 أسير) ، وغالبيتهم ( 23 أسير ) نتيجة التعذيب ، مبيناً الى أن سلطات الإحتلال اعتمدت خلال الإنتفاضة الأولى على الإعتقالات الواسعة والتعذيب المميت ، فيما استخدمت سلطات الإحتلال خلال انتفاضة الأقصى الحالية اساليب أكثر ألماً وقسوة في التعذيب ولا تؤدي في الوقت ذاته الى الموت المباشر واللحظي حتى تتجنب المسؤولية المباشرة عن موتهم ، وفي الوقت ذاته اعتمدت على سياسة الإغتيالات والإعدام المباشر بعد الإعتقال مباشرة خلال الإنتفاضة الحالية بشكل كبير .

أعداد الأسرى المرضى تزايدت

وأضاف فروانة الى أن أعداد الأسرى المرضى داخل السجون والمعتقلات ارتفعت أيضاً خلال انتفاضة الأقصى بشكل كبير جداً وتجاوز عددهم الألف ، دون أن يتلقوا الرعاية الطبية اللازمة ، كما وأن أعداد الأسرى الذين أصيبوا نتيجة استخدام القوة المفرطة بحقهم ، ارتفعت أيضاً ووصلت لبضعة مئات ، قياساً بالإنتفاضة الأولى والتي لم تتجاوز العشرات .

وبيّين الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة في تقريره الى أن ( 11 أسيراً ) استشهدوا نتيجة الإهمال الطبي خلال الإنتفاضة الأولى ، فيما ( 17 أسير ) استشهدوا خلال انتفاضة الأقصى الحالية نتيجة السبب ذاته .

الإعتقال الإداري ومقارنة ما بين الإنتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى

وبالنسبة للإعتقال الإداري قال فروانة بأن سلطات الإحتلال تمارسه بشكل غير قانوني ويعني احتجاز دون تهمة ودون محاكمة عادلة وبدون سقف زمني وامتد في حالات كثيرة الى بضعة سنوات تجاوزت الخمس سنوات كفترة واحدة ومتواصلة ، فيما وصلت بحق بعض المعتقلين الى عشر سنوات ، على فترات متفاوتة وبالمقارنة فيما بين الإنتفاضتين نلاحظأن هناكتقارب في الأرقام حيث سُجل خلال الإنتفاضة الأولى ( ديسمبر 1987- منتصف 1994 ) ( 18973 قرار اداري ) ما بين قرار جديد وتجديد ، أما خلال انتفاضة الأقصى الحالية فسُجل خلالها ( 20 ألف قرار اداري ) .

واضاف فروانة بأن الفرق يبرز جلياً حينما نسلط الضوء على كل سنة على حدا ، حيث أن السنوات الأولى من الإنتفاضة الأولى شهدت تصاعداً ملحوظاً حيث سُجل خلال العام الأول منها عام 1988 ( 4316 ) قرار اداري ، فيما بدأ العدد ينخفض تدريجياً في الأعوام التالية الى أن وصل الى ( 2300 قرار اداري ) عام 1994 ، فيما خلال انتفاضة الأقصى فالأمر مغاير وعكسي ، حيث بدأ منخفضاً في السنوات الأولى وأخذ بالتزايد والإرتفاع تدريجياً ، حتى وصل عام 2007 الى ( 3101 ) قرار اداري .

الدعوة لإعادة الإعتبار لقضية الأسرى

ودعا فروانة في نهاية تقريره الى التوحد خلف قضية الأسرى ومساندتهم ودعمهم بكل الوسائل الممكنة ، واعادة الإعتبار لقضيتهم من خلال تنظيم وتفعيل الأنشطة الداعمة والمساندة لهم ، كما ناشدوسائل الإعلام المختلفة الى منح الأسرى وذويهم مزيداً من المساحات بما يكفل فضح الممارسات والإنتهاكات الخطيرة التي تمارس بحقهم والتي تعتبر انتهاكات فاضحة لكافة القوانين والإتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وضرورة حث المجتمع الدولي لتوفير الحماية اللازمة لآلاف الأسرى داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية .

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي ” فلسطين خلف القضبان ”
http://www.palestinebehindbars.org