10/2/2009
تاريخ فصائل منظمة التحرير الفلسطينية حافل بعشرات عمليات تبادل الأسرى منذ أن بدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في يوليو / تموز 1968 ، ومروراً بالعديد من عمليات التبادل التي أنجزتها حركة ” فتح ” والجبهة الشعبية – القيادة العامة ، وصولاً الى عملية التبادل الأخيرة التي جرت مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في سبتمبر 1991 والتي لم تتضمن اطلاق سراح أي أسير ، بل شملت فقط على اعادة أحد مبعدي قيادات الجبهة الديمقراطية الى الأراضي الفلسطينية ، ومجمل تلك العمليات أدت الى اطلاق سراح آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب الذين كانوا محتجزين في سجون الإحتلال الإسرائيلي .
ومما لاشك فيه فان عملية التبادل التي أجراها الشهيد الراحل أبو عمار في نوفمبر1983 ، كانت الأضخم حيث أطلق بموجبها سراح ( 4700 معتقل ) فلسطيني ولبناني من معتقل الخيام بالجنوب اللبناني بجانب عشرات المعتقلين الفلسطينيين كانوا محتجزين في السجون الإسرائيلية المقامة داخل فلسطين ، أما ” عملية الجليل ” عام 1985 كانت الأكثر زخماً ووفقاً للشروط والمعايير الفلسطينية ، وشملت الإفراج عن ( 1155 أسير فلسطين وعربي ) كانوا محتجزين في سجون الإحتلال المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة .
عمليات التبادل توقفت فلسطينياً
ومنذ ذلك التاريخ ، أي منذ قرابة ربع قرن من الزمن لم تنجح فصائل المقاومة الفلسطينية الوطنية والإسلامية مجتمعة من تحرير أي أسير فلسطيني أو عربي في اطار صفقات تبادل الأسرى ، رغم عشرات المحاولات التي لم يُكتب لها النجاح لأسباب مختلفة ، وكأن عمليات تبادل الأسرى الناجحة ما بين الفصائل الفلسطينية والإحتلال قد توقفت وللأسف عند ذاك التاريخ .
صفقات حزب الله كانت مجحفة فلسطينياً وأكثر من رائعة لبنانياً
والمفرح المؤلم في ذات الوقت ، أن منظمة ” حزب الله ” أجرت بعد ذلك العديد من عمليات التبادل ، وحققت انتصارات عديدة وكانت رائعة لبنانياً وأغلقت ملف الأسرى اللبنانيين بشكل نهائي ، ولكن للاسف كانت مجحفة فلسطينياً ، حيث لم تتضمن تلك الصفقات العديدة أسرى فلسطينيين ، باستثناء صفقتي التبادل عامي 2004 و2008 ، فالأولى تضمنت ( 431 معتقل فلسطيني ) والثانية شملت ( خمسة أطفال فقط ) كبادرة حسن نية تجاه الأمين العام للأمم المتحدة ، وفي كلا الحالتين فان سلطات الإحتلال هي من حددت قائمة الأسرى الفلسطينيين وأخضعتها لمعاييرها المجحفة واستثنت منها أسرى القدس والـ48 ومن يوصفوا ظلماً ” بالأيادي الملطخة بالدماء ” ، واقتصرت القائمة على ذوي الأحكام الخفيفة من سكان الضفة والقطاع فقط .
السلطة الوطنية أطلقت سراح آلاف الأسرى … ولكن ؟
ولكن حتى تكتمل الصورة فان السلطة الوطنية الفلسطينية ومن خلال اتفاق أوسلو والعملية السلمية تمكنت من اطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب ومن ذوي الأحكام العالية وعدد من أسرى القدس والـ48 ، وحتى خلال انتفاضة الأقصى تمكنت من ضمان اطلاق سراح أكثر من ألفي معتقل تحت ما يُسمى ” حسن النية ” .
ومع ذلك نالت السلطة الفلسطينية قسطاً وفيراً من الإنتقادات اللاذعة والإتهامات الجارحة أحياناً ، على ما ارتكبته من أخطاء فيما يتعلق بقضية الأسرى أبرزها :
– غياب النصوص الواضحة التي تكفل الإفراج عن كافة الأسرى مما فسح المجال لإبقاء قضية الأسرى رهينة في قبضة دولة الإحتلال ” واخضاعها لمزاج قادتها ولمعاييرها الظالمة واستخدامها أحياناً كورقة ضغط ومساومة وابتزاز .
– استمرار احتجاز المئات من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو دون وجود ما يُلزم دولة الإحتلال بالإفراج عنهم .
-استثنائها لأسرى القدس والـ48 من الإفراجات سوى لعدد محدود جداً لم يتجاوزوا أصابع الكفين كبادرة حسن نية .
– اقتصار الحديث في الإتفاقيات التي تضمنت بعض النصوص على أسرى الضفة والقطاع فقط ، مما مزَّق وحدة الحركة الأسيرة ، ورسخ المنطق الإسرائيلي في التعامل مع أسرى القدس والـ48 باعتبار سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم شأناً داخلياً .
عملية الوهم المتبدد وأسر ” جلعاد شاليت ”
وفي الخامس والعشرين من حزيران 2006 كانت عملية ” الوهم المتبدد ” التي أُسر خلالها الجندي الإسرائيلي ” جلعاد شاليط ” ، وأعربنا حينها عن فخرنا بمنفذي العملية ، واليوم نجدد اعتزازنا واعجابنا بآسريه ، وقدرتهم على الإحتفاظ به طوال تلك الفترة بعيداً عن الأعين الإسرائيلية ، وافشالهم لكل المراهنات الإسرائيلية باستعادته بالقوة ، وهناك وبدون شك عوامل موضوعية ساعدت في نجاح ذلك .
مطالب مشروعة لآسري الجندي الإسرائيلي .. أثلجت صدورنا
ولكن المهم أن آسريه أعلنوا منذ البداية عدة شروط لإعطلاق سراعه أهمها : بأنه لن يرى أهله ، قبل أن يعود الأسرى الفلسطينيين القدامى والأسيرات والأطفال ومئات الأسرى الآخرين الى أهلهم .
الأمر الذي أثلج صدورنا ، وانعش آمال الأسرى وذويهم ، والجميع أيقن بأن صفقة تبادل مشرفة قادمة لا محالة ، وأن ما عجزت العملية السلمية عن تحقيقه ، فان المقاومة ستحققه .
الإعلام الإسرائيلي وصفقة التبادل
وبين الفينة والأخرى تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة لاسيما الإسرائيلية منها ، بأخبار ذات صلة ، فتارة تتحدث عن تغيير المعايير وتارة أخرى عن قائمة الأسرى ، وخلال الأيام القليلة الماضية أشعرونا بأن الصفقة جاهزة ويمكن أن ترى النور قبل الإنتخابات الإسرائيلية التي تُجرى اليوم ، ومن ثم تحدثوا عن عودة ” شاليت ” لأهله قبل تشكيل الحكومة الجديدة .
بتقديري مجمل تلك الأخبار لها علاقة بالحملة الإنتخابية ، ولإحداث فتنة وبلبلة بين صفوف الأسرى خاصة والفلسطينيين عامة ، لاسيما وان الجانب الفلسطيني المختص بمتابعة هذه القضية ينفي حدوث أي تقدم كما تتناوله وسائل الإعلام الإسرائيلية .
واذا دققنا جيداً في الأخبار الآتية من هناك ، سنجدها متناقضة أحياناً ، وفي أحيان أخرى تحمل نوايا خبيثة تهدف الى تعزيز الإنقسام واتساع الفجوة فيما بين الفصائل .
ولهذا فعلى وسائل الإعلام الفلسطينية التعامل بحذر مع تلك الأنباء وعدم تداول كل ما يصلها من وسائل الإعلام الإسرائيلية ، والإعتماد على الجانب الفلسطيني كمصدر أساسي للمعلومات المتصلة بهذه بقضية التبادل .
ولكن لو افترضنا جدلاً صحة الأخبار الإسرائيلية – وانا استبعد ذلك – فان الإجراءات العملية ، لإتمام الصفقة يحتاج لبضعة أسابيع ، لأنها بحاجة الى مراحل واجراءات قانونية اسرائيلية داخلية .
لكن في الوقت ذاته لا أنكر قناعاتي بأن لاحل جذري لمجمل القضايا الخاصة بغزة من تهدئة ومعابر ورفح الحصار مائة في المائة ، بدون اطلاق سراح ” شاليط ” .
ولكن اطلاق سراح ” شاليت ” له استحقاقاته وأهمها الشروط والمعايير الفلسطينية :
أن يكون في اطار صفقة مشرفة لتبادل الأسرى ، وفقاً للمعايير والشروط الفلسطينية المتمثلة في التالي :
– أن يحدد الجانب الفلسطيني قائمة الأسرى دون قيد أو شرط أو فيتو اسرائيلي على أي اسم وبغض النظر عن الإنتماء الحزبي أو التهمة التي أعتقل بسببها ، أو مدة الحكم التي صدرت ضده ، أو منطقة سكناه ،.
– أن يكون في مقدمة القائمة كافة الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو من كافة المناطق الفلسطينية بدون تمييز أو استثناء لأي أحد منهم ، هؤلاء الذي مضى على اعتقالهم عشرات السنين ، وعددهم جميعاً ( 336 أسير ) .
– أن يكون للمفرج عنهم حرية اختيار الجهة التي ينوون التوجه إليها بعد التحرر ، لا أن يُجبروا على الإبعاد القسري الى غزة أو خارج فلسطين .
-أن لايستثنى أسرى القدس وأسرى الـ48 من الصفقة باعتبارهم جزء لايتجزأ من الحركة الأسيرة ، والشعب الفلسطيني عامة .
– أن لا تستثني الأسيرات ولاسيما ممن يقضين أحكاماً بالسجن المؤبد مرة أو لمرات أمثال آمنة منى وأحلام التميمي وقاهرة السعدي ودعاء الجيوسي .
– أن تشتمل على الأسرى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة كمرضى السرطان والقلب والشلل النصفي والكلى .
– أن تتضمن الصفقة القادة السياسيين أمثال البرغوثي وسعدات والوزراء والنواب ورموز المقاومة .
هذه معايير تحظى باجماع فلسطيني ، وهي أيضاً شروط وضعتها الفصائل آسرة ” الجندي الإسرائيلي شاليت ” ، وبالتالي فان أية صفقة لتبادل الأسرى تتم وفقاً لتلك المعايير ، وتتجاوز عملياً أخطاء أوسلو ، ، هي صفقة مشرفة ، مرحب بها من قبل الجميع .
وبالمقابل فان أية صفقة تتجاوز تلك المعايير أو بعضها أو تستثني أسرى القدس و الـ48 ، فإنها تعني ضمنياً اخضاعها للمعايير الإسرائيلية التي مزقت وحدتنا ووحدة الأسرى وفاقمت من حدة الإنقسام الداخلي ، وبهذا الشكل لن تكون مقبولة فلسطينياً ، و ستكون محط انتقاد من قبلنا ومن قبل الأسرى وذويهم .
وأقولها صراحة بأنني سأكون سعيداً لو تمت الصفقة اليوم قبل غد لأنها ستضع حداً لمعاناة مئات الأسرى وستشكل انتصاراً جديداً للمقاومة وللحركة الأسيرة ، وسأكون سعيداً أكثر لو تكاملت الأدوار وحققت ” الصفقة ” ما عجزت عن تحقيقه العملية السلمية .
وليعذرني البعض حينما أقول بأنه من غير المسموح والمقبول لفصائل المقاومة وآسري ” شاليت ” تكرار أخطاء أوسلو والإتفاقيات السياسية والتي سبق وانتقدناها جميعاً مراراً وتكراراً ، وان أهالي الأسرى القدامى عموماً والمقدسيين والـ48 منهم خصوصاً لن تكون مقبولة لهم صفقة تبادل لا تضمن اطلاق سراح أبنائهم .
وفي الختام أناشد أسري ” شاليت ” بالتمسك بالمعايير الفلسطينية كشرط أساسي لنجاح ” صفقة مشرفة ” ، مما سيشكل وبدون شك نصراً جديداً للمقاومة الباسلة ، وقيمة معنوية ووطنية وسياسية كبيرة ، وسيمنح باقي الأسرى أمل جديد بحرية قريبة .
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
ferwana2@yahoo.com
* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي
” فلسطين خلف القضبان ”
http://www.palestinebehindbars.org