16/11/2008

يحتفل العالم في يوم 16 نوفمبر من كل عام باليوم العالمي للتسامح الذي أقره المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين المنعقدة عام 1995 بعد أن أقرت عدة مبادىء حول أهمية التسامح ونبذ العنف والتعايش المشترك بين الشعوب ، وقد تميز المجتمع المصري بالتسامح على مر العصور ومختلف الحضارات وقد بلغ مداه خلال الحقبة الليبرالية من عام 1919ـ 1952 حيث تغلبت صفة المصري علي أي اختلافات ثقافية واجتماعية ودينية أخري موجودة في المجتمع وشهد التسامح وقبول الأخر خلالها أزهي عصوره في المجتمع المصري ،

إلا أنة ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين شهد المجتمع المصري العديد من المتغيرات والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتي كان من نتيجتها تنامي ظاهرة الهجرة علي مستويات مختلفة سواء علي المستوى الداخلي بين الريف والمدينة والعكس وزيادة ظاهرة هجرة العمالة المصرية لدول الخليج منذ السبعينات وبالتالي ترتب علي ذلك تطور الاحتكاك بثقافات أخرى وأنماط تفكير وأساليب حياة مختلفة وكان نتاج هذا التطور شعور الجماعات الثقافية المختلفة بشكل متزايد بتعرض هويتها الثقافية للتهديد بتأثير من الظواهر والتيارات الثقافية القادمة من العالم الأوسع وخاصة من البلدان المتقدمة وكرد فعل علي هذا التهديد يشهد العالم الآن اتجاها بين الجماعات الثقافية المختلفة للتأكيد علي ذاتها وهويتها الثقافية وهو التأكيد الذي يأخذ شكل المزيد من التمسك بالتقاليد والأعراف والخصوصية الثقافية والدينية والعرقية حتى يصل إلي مستوي التعصب وكراهية الأخر ويتضح من ذلك أن نموذج قبول الأخر والتسامح في مصر لم يعد بالمتانة والقوه والرسوخ الذي كان علية حتى أوائل القرن العشرين ويفسر بعض الباحثين ذلك بأنة بعد تحقق الاستقلال لم يعد هناك مشروعاً قومياً يلتف حوله المصريون مما أدي إلي غلبة الانتماء الديني علي الانتماء الوطني وضرب مثال لذلك بأن الفترة التي سبقت ثورة 1919 شهدت بعض المشاحنات بين المسلمين والأقباط والتي شهدت انعقاد المؤتمر القبطي عام 1911 ثم انعقاد المؤتمر الإسلامي حتى جاءت ثورة 1919 لتغطي علي هذه المشاحنات وتحقق الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط في مواجهة المحتل البريطاني .

ويرى البعض الأخر أنة يمكن تفسير انتشار التعصب في المجتمع المصري بوجود مراحل من التاريخ في حياه البشر تستخلص أسوأ ما فيهم وأخري تستخلص أفضل ما فيهم وهناك مرحلة تشيع فيها روح التسامح وأخرى تشيع فيها ثقافة التعصب ورفض الأخر وفي ظل مظاهر التوتر الموجود في المجتمع الآن والضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة يكون الناس في حالة استعداد لقبول الأفكار المتطرفة وما يترتب عليها من انتشار ثقافة عدم التسامح ، ففي ظل غياب ثقافة الاعتدال التي يمكن أن تتحقق من خلال مناهج التعليم وأجهزه إعلام متوازنة وغياب النموذج والقدوة ومع غياب كل تلك العناصر من الممكن أن تتواجد وتشيع ثقافة التعصب بدلاً من ثقافة التسامح داخل المجتمع المصري .

فقد أظهرت الدراسات الميدانية حول واقع التسامح في المجتمع المصري تركزه بدرجه أعلى في المناطق ذات المستوى الأجتماعى والأقتصادى المرتفع ويقل كلما أنخفض هذا المستوى وكلما ذادت الكثافة السكانية في منطقة معينة كلما ذادت احتمالات عدم التسامح وتم تفسير ذلك بأن الكثافة السكانية المرتفعة تؤدى إلى تشابك العلاقات الاجتماعية وتشعبها بما يؤدى إلى زيادة الضغوط وخلق حالة من السخط والغضب بين السكان سواء في علاقاتهم ببعضهم البعض أو في علاقاتهم بمؤسسات وأجهزة الدولة ، كما كشفت النتائج من أنه كلما أزداد عدد أفراد الأسرة كلما قل التسامح والعكس صحيح ، وفيما يتعلق بالآثار الناتجة عن عدم التسامح أوضحت الدراسة أن عدم التسامح يؤدى إلى زيادة الكراهية والخصام بين أفراد المجتمع ثم إلى زيادة العداوة ثم انتشار الفوضى ثم زيادة العنف بين الأفراد والجماعات ثم زيادة الظلم وأخيراً تقييد الحريات.

وحول أسباب عدم التسامح أثبتت الدراسات أن الأسباب الرئيسية تتعلق بواقع المجتمع وظروفه حيث جاءت زيادة الضغوط في المجتمع في المقام الأول ويليها زيادة الفقر ثم تراجع العدالة ثم تأثير وسائل الأعلام وأخيراً زيادة الهجرة. ففي خلال الفترة من 94 إلي 2000 بلغ معدل النمو في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المدن الكبرى 8,9% سنوياً مقابل معدل نمو متواضع في الدلتا بلغ 5% ومعدل نمو متدني بلغ 0,5% في صعيد مصر وقد أثبتت الدراسات أن 90% من الأسر التي تقع في شريحة الأسر الأشد فقراً تعيش في المناطق الريفية مقابل 19% من الأسر التي تقع في شريحة الأسر الأكثر غني وإزاء واقع التسامح في المجتمع المصري وبعد أن صار مهدداً بانتشار التعصب ومصادره الرأي الأخر وانحسار مبدأ التسامح وافتقاد قيم التعايش وقبول الآخر لا سيما بعد أن أثبتت الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص تفاوت درجات التسامح بين الريف والحضر ، فضلاً عن أنه لا يمكن إنكار التغيرات الاقتصادية وما أحدثته من تفاوت ملحوظ بين فئات المجتمع الواحد وبالتالي اختفاء التوازن الأجتماعى حيث يحصل أفقر 10%من سكان مصر على 3,7%من الدخل القومي في حين يحصل أغنى 10%من سكان مصر على 29,5% من هذا الدخل وذلك كأحد أهم الأسباب الرئيسية في انتشار ثقافة التعصب وعدم التسامح وما يخلقه من ظواهر اجتماعية مثل تفشى العنف وانتشار الفوضى ومصادرة الرأي الآخر وتكبيل الحريات وهنا نكرر سؤالنا هل يمكن أن يوجد مكان للتسامح داخل المجتمع المصري ؟؟؟ ننتظر الأجابة0.

المركز الوطني للحقوق الإنسانية
لمزيد من التفاصيل يرجى الاتصال بالمركز
ت/ف 35730877
pchr_2006@hotmail.com