10/2/2007

يدين مركز النديم العنف المفرط الذي استهله رجال الشرطة في مواجهة احتجاج أهالي قرية كفر تركي، هذا العنف الذي أدي إلى سقوط قتيل وإصابة عدد من الأهالي اثنان منهم بحالة خطرة وقت كتابة التقرير. ويدين كذلك التعسف واللجوء إلى العقاب الجماعي الذي اقترفته السلطات عقب تلك الأحداث وحملة الترهيب والتخويف التي تعرض لها أهالي القرية المنكوبة. .

كما يرصد النديم إن هذا الأسلوب في القمع الشرس الذي تم التعامل به مع أهالي قرية كفر تركي ليس فريدا في نوعه، وليس حادثا فرديا إنما هو تكرار لنمط صار دائما في أسلوب تعامل الشرطة لقمع احتجاجات الأهالي السلمية سواء كانوا فلاحين أو عمال أو متظاهرين أو أفراد

وكان وفد من أطباء مركز النديم قد توجه في يوم الاثنين 29 يناير 2007، لزيارة كفر تركي جنوب مركز العياط بمحافظة الجيزة عقب أحداث العنف التي أسفرت عن قتل مواطن وإصابة آخرين برصاص الشرطة.

على مدخل القرية بوكس شرطة وعدد من رجالها.

في منزل المرحوم أحمد “الشاب الذي قتل في الأحداث” كانت النساء متشحات بالسواد يجلسن حول والدة أحمد، تمنعها النساء من البكاء لئلا يكون في بكائها اعتراض على ما قدره الله.. فتحول بكاؤها إلى نوبات من فقدان القدرة على التنفس.. بدأت إحدى النساء تحكي لنا ما حدث فقاطعتها أخرى ونادتها إلى خارج الحجرة ثم عادت لتقول أن شيئا لم يحدث.”لقد كان أحمد أمانة، وضعها الله في يد أسرته ثم قرر أن يسترجعها”. فهمنا الرسالة وتركنا بيت العزاء إلى شوارع القرية.

في طرقات القرية ومنازلها الأفقر من الفقر.. لم يكن الحديث سهلا.. فقد كان الخوف يخيم على البيوت والناس.. سمعناهم وتركناهم بوعد أننا لن نذكر اسم احد من أصحاب هذه الشهادات تفاديا لبطش الشرطة.

ما حدث في كفر تركي أن هناك شخصا يدعى عدلي لطفي يملك قطعة من الأرض وافق على أن يؤجر جزءا منها لشركة محمول لتشييد محطة تقوية عليها.. كان أهل القرية قد سمعوا عن هذا الموضوع من قبل وقيل لهم أن مثل تلك المحطات لها آثار صحية سيئة “إحنا كنا سمعنا قبل كده عن الحكاية دي وأهل البلد قالوا إن المحطات دي بتجيب أمراض وسرطان واللي حامل يشوه الجنين” كما ذكر الأهالي أنهم قد سبق و اتصل سكان القرية بشقيق صاحب الأرض وهو “رجل طيب” على حسب ما قيل لنا “ليلغي الموضوع لكنه قال لنا إن الشركة رفضت تاخد فلوسها وتلغي العقد”.

وفي يوم الخميس، يوم السوق، كان عدد من سكان القرية، أغلبهم من النساء، عائدين من السوق حين وجدوا الشركة تحفر الأرض فعلا.. أحد سكان القرية نبه الباقين إلى ما يحدث فما كان من الضابط إلا أن أمسك به وأنزل به الضرب ثم وضعه في البوكس على حين كان الرجل يصرخ “حرام عليك”.

يقول أهل القرية: بقينا بنجري على الضابط رجاله وستات نقول له مش عاوزين المحطة.

إحدى النساء التي قابلناها ذهبت إلى الضابط تسأله لماذا تأخذه في البوكس، فما كان من الضابط إلا أن ضربها ثلاث أقلام متتالية على وجهها سقطت على أثرها على الأرض. أحد أقاربها جاء ليساعدها، فأطلق الضابط عليه النيران فأصابته الرصاصة في ساقه.

يقول أهل القرية: “هو نفس الضابط الذي ظهرت صورته في الجرائد.. مش صحيح أنه كان مصاب.. ده طلع يجري هو والبوليس بعد ما قتلوا المرحوم أحمد.. ضربونا وبهدلونا ورموا علينا قنابل دخان.. كان نازل فينا ضرب يمسك الست كده ويرميها مايهموش تقع علي ايه.. وضربوا رصاص علينا.. الرصاص كان زي المطر. وغير الرصاص كان فيه حاجة تانيه كمان.. حاجة كده زي الطوب.. تخبط في الواحد بعدين يطلع منها مسامير صغيرة بتعور.. العيال في الغيط سمعت صوت الرصاص كانت بترمي نفسها على الأرض عشان تستخبى.. كنا فاكرينه بيضرب في الهوا عشان يخوف الناس بس الناس انصابت وأحمد الله يرحمه أخد طلقتين مش طلقة واحدة.. ما كانش واقف بعيد عن الضابط.. زي كده من هنا لهناك (حوالي مترين).. الناس لما شافت القتيل راحت تجري ورا الضابط وهو أخد بعضه والعساكر بتوعه وهرب.. ما كانش حد معاه سلاح الا الضابط.. وكلهم جريوا وما حدش فيهم اتعور.. دول كدابين”.

في قرية كفر تركي أكثر من مصاب، بعضهم نقل إلى المستشفى، واثنان نقلوا إلى مستشفى الهرم، أحدهم بتهتك في عظمة الفخذ والآخر استدعت حالته استئصال الطحال.. لكن أهل القرية يؤكدون أن المصابين أكثر من ذلك، لكنهم لم يذهبوا إلى مستشفى العياط لأن الجرحى أصبحوا متهمين “فالناس خافت وقعدت في بيوتها وما راحتش المستشفى”.

أول المقبوض عليهم في بوكس الضابط محمود عاد بعد يومين ثم رجع مرة أخرى إلى المركز ليستكمل أوراقه ولم يعد.. لم يراه أحد من أهله ولم يعد لحين انتهاء زيارتنا للقرية.

في نيابة العياط حيث اقتيد جميع الأهالي في عربات الشرطة الي هناك تم سماع أقوال أهل القرية لكن “خفنا نقول إننا انضربنا لان الضابط محمود كان واقف وكان بيبص للواحدة فينا وعنيه كلها تهديد وقالوا لنا إياكم حد يجيب سيره اللي هيتكلم هنبهدله.. أنا خايفة أقعد في البيت وقاعدة عند ناس قرايب.. كل اللي انضرب عليه قواضي واللي في المستشفى عليهم تهم”.

لقد بدا احتجاج أهالي كفر تركي سلميا ألا أن الشرطة التي دأبت علي استعمال العنف والقوة للتعامل مع المواطنين هي المسئولة عن وقوع القتلى والجرحى.. في كفر تركي قتل مواطن وأصيب آخرون برصاص الشرطة من قبل ضابط لم يعرف كيف يتعامل مع غضب السكان من محطة المحمول سوى إطلاق النار عليهم..

وكما لخص الأهالي الموقف بكلمات بليغة “لو كانوا جم بالذوق وتفاهموا معانا وفهمونا كنا مشينا، الناس لما عرفت ان فيه واحد مات هاجت واتجمعت كلها… ده كان يوم كأنه يوم حرب.. كأنه بين إسرائيل وفلسطين”

لم يكن هناك تبادل إطلاق للنيران كما نشر في الجرائد.. كانت هناك سلطة وأهالي.. ولم تكتف السلطة بالاعتداء على الأهالي بل حضرت معهم التحقيق تمارس عليهم مزيدا من الإرهاب كي لا يفصحوا عما تعرضوا له من بطشها.

هذا ويطالب مركز النديم يطالب بإجراء تحقيقات نزيهة في الأحداث لتعيين المسئولين عن تدهور الأمور ومحاسبتهم وان يتم إسقاط التهم الجماعية لموجهة للأهالي وحمايتهم من تهديدات الشرطة وبطشهم.