القاهرة في 10 يونيو 2004

بعد حوالي عشرة أعوام من استشهاد الأستاذ عبد الحارث مدني في مايو 1994، وبعد حوالي ستة شهور من استشهاد الأستاذ مسعد قطب في نوفمبر 2003، يستشهد اليوم المهندس أكرم زهيري بنفس اليد التي قتلت عبد الحارث ومسعد وغيرهم وعذبت آلاف المصريين في زنزانات ومقار مباحث أمن الدولة.

منذ عام 1994 وحتى الآن لازلنا ننتظر تقرير الطب الشرعي ليقدم لنا تفسيرا لمقتل عبد الحارث مدني. لم نكن بحاجة إلى التقرير في عام 94 ولن ننتظره في عام 2004، لكي نعلم بأي أياد قتل هؤلاء الرجال.. فآثار التعذيب والحرق بالسجائر والكهرباء وكدمات الضرب والسحل والتعليق وهتك عرض النساء والرجال بفعل رجال الأمن لم تعد بحاجة إلى دليل..

أكرم زهيري قتلته الداخلية ومن قبله مسعد قطب وعبد الحارث مدني وفي أثناء ذلك قتل الكثيرين إما تحت وطأة التعذيب مباشرة أو نتيجة له. ولا تقف المهزلة عند جرائم القتل، وإنما تمتد لما يتلو ذلك من تحقيق فيها.. فالمحقق هو ذاته جهة الاتهام وهو أيضا القاضي الذي عادة ما يحكم بأنه لا يوجد دليل للشبهة الجنائية أو يحكم بأن المواطنين قتلوا خطأ!!! خطأ من؟ خطأ الداخلية أن أوصلت أجساد المواطنين بالكهرباء وأطفأت في أجسادهم السجائر وضربتهم بدون تمييز وبكل ما هو متاح على أجسادهم من أخمص القدمين حتى الرأس؟ أم خطأ المواطن الذي لم يتحمل ذلك كله فمات لأن جسده عجز عن المقاومة؟

التعذيب يؤدي في كثير من الأحوال إلى القتل. وهو في حد ذاته جريمة متعمدة لكسر روح الضحية ومن هم حولها.. سواء ترتب عليها الموت أو لا.. إنهم لا يعذبون من باب الخطأ.. وبالتالي فإن ما يترتب على تعذيبهم من موت هو في حالات قتل متعمد.

إن مقتل أكرم زهيري يقدم لنا دليلا جديدا على أن هذه الحكومة وأجهزتها البوليسية لا تعرف سقفا للقمع وأن جهازها الأمني قد توحش بلا حدود متجاوزا لكل الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها و الدساتير والقوانين التي صاغتها بما في ذلك قانون الطوارئ.
إنه دليل جديد، يقدمه لنا النظام بنفسه، على انه ليس قابلا للإصلاح وأنه لا يرغب في الإصلاح وأن حديثه عن الديمقراطية والحوار وحقوق المواطن إلى آخر مفردات مرحلة الفكر الجديد ليست إلا أدوات تجميل رخيصة الثمن لم تعد تنطلي على أحد.. وعمليات التجميل التي استهدفت إغراء المجتمع الدولي واسترضاء الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تزيد تشوهه توشها.
لكننا نحن الموقعين على هذا البيان قد اكتفينا.. اكتفينا أن نقدم أجساد وأرواح وأعراض بنات وأبناء شعبنا لتكون الوقود الذي يجب ان يحترق في كل يوم ليقدم الدليل تلو الدليل على وحشية نظام لم يعد فيه ما يصلح.
لم نقبل التعذيب يوما.. ولا يزيدنا تفشيه سوى إصرارا على فضحه وفضح القائمين عليه ورؤسائهم ممن يصدرون الأوامر وممن يوفرون لهم الحماية وممن يمارس التعذيب لحمايتهم.
أكرم زهيري ليس أول شهداء الداخلية.. لكننا يجب أن نفعل كل ما في وسعنا أن يكون آخرهم.
ما يحدث في مقار البوليس المصري ليس مختلفا عما يحدث في سجن أبو غريب.. اختلفت الجغرافيا واختلفت جنسية الجلادين.. لكن التعذيب يبقى واحدا.. جريمة ضد الإنسانية وضد الحياة.
أحد نساء حلوان التي ذاقت مر العذاب والإهانة على أيدي رجال الشرطة قالتها ببساطة: لا صلح ولا تفاوض.. يا احنا يا هم.

لقد استشهد أكرم زهيري وهناك العشرات غيره قد يلقون نفس المصير.. فلنعمل معا على ملاحقة جرائم التعذيب وجلاديه.. إننا اليوم نحذر الداخلية ونلفت نظر الرأي العام المصري عامة ومنظماته الحقوقية والإنسانية وأحزابه ولجانه المدافعة عن الحريات والديمقراطية أنه لا مجال للمساومة على أرواح المواطنين من أجل ما قد يتصور البعض إنها مؤشرات للإصلاح.. لا إصلاح مع التعذيب.. لا إصلاح مع استمرار جهاز مباحث أمن الدولة.. لا إصلاح مع الحصانة التي يتمتع بها جلادو الداخلية.

إننا نحن الموقعين أدناه
– نطالب بالإفراج عن جميع المعتقلين.

– ونلفت النظر إلى أن لا زال هناك سبعة مواطنين من المعتقلين في القضية رقم 462 لسنة 2004 حصر أمن دولة عليا، لازالوا محتجزين في مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر، حيث يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب من كهرباء وتقييد الأيدي أربعة ساعات من الخلف وتعمية الأعين كما يتم تعريضهم لسماع أنواع من السب والإهانة وهم معرضون لنفس المصير الذي لقيه أكرم زهيري

– كما نطالب بأن يتم انتداب قاضي تحقيق لباقي المتهمين فلا يجوز أن يتم التحقيق بواسطة النيابة التي تجمع ما بين سلطة توجيه الاتهام وسلطة التحقيق

– وأخيرا وليس آخرا فإننا نطالب بالتحقيق الفوري بمعرفة قاضي تحقيق في مقتل الشهيد أكرم زهيري، وأن يكون محامو أكرم زهيري طرفا في هذا التحقيق وأن يحضروا كل خطوة من خطواته بما في ذلك مناظرة جثمانه وأن يتم وقف المتهمين بقتله عن عملهم لحين الانتهاء من التحقيقات وتقديمهم لمحاكمة علنية يوم 26 يونيو سوف نقف احتجاجا أمام مقر النائب العام حاملين صور الشهداء وقصصهم محملين الداخلية مسئوليتها عما اقترفت من جرائم وما أزهقت من أرواح.. وموجهين الاتهام إلى النيابة العامة التي دأبت على إغلاق ملف تلو الآخر، وحفظ شكوى تلو الأخرى في انحياز سافر للجناة ضد المجني عليهم.. فلنكن هناك جميعا في هذا اليوم لنقول كلمة واحدة:
ضد التعذيب..وضد جلادي الداخلية.. وضد تواطؤ النيابة..
ومن أجل مجتمع لا حصانة فيه لمجرم..
مجتمع لا يعتقل فيه الناس بسبب معتقداتهم أو اختلافاتهم السياسية مجتمع ديمقراطي.. خال من التعذيب.. خال من مباحث أمن الدولة

الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي
مركز هشام مبارك للقانون