14/2/2005

طالبت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية اليوم الحكومة المصرية بمقاومة ضغوط لوبي صناعة الدواء الأمريكي، والذي يسعى إلى تعظيم أرباح منتجاته الدوائية على حساب حق المواطن المصري في الصحة عبر التخلص من منافسة الأدوية الأرخص سعراً.

وكان برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية قد اطلع على رسالة بعثت بها هيئة بحوث وتصنيع الدواء الأمريكية (فارما)، والتي تمثل كبرى شركات الأدوية في الولايات المتحدة، إلى الممثل التجاري للحكومة الأمريكية في 25 يناير الماضي. وطالب رئيس الهيئة بيلي توزين في الرسالة الحكومة الأمريكية بتأجيل موعد بدء مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع مصر عقاباً لها على قرار كان وزير الصحة الدكتور عوض تاج الدين قد أصدره في الأسبوع الأول من يناير الماضي يقضي بطرح 850 دواء جديداً في الأسواق المصرية من الأدوية الجنيسة، أي الأدوية التي تماثل المنتجات الأصلية في فاعليتها ولكنها تباع بسعر أقل بكثير نظراً إلى عدم تمتعها ببراءة اختراع، مما يجعل أسعارها في متناول الفئات غير القادرة في المجتمع.

وقد بدأت الرسالة بإبداء “انبهار” شركات صناعة الدواء الأمريكية “بالإصلاحات الفعالة للقطاع المالي التي قامت بها الحكومة المصرية الجديدة، ونجاحها في إقامة المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)”، ولكنها وجهت انتقادات شديدة إلى وزير الصحة وأضافت “إنه من المؤسف أن تؤدي سياسات وزير واحد إلى عرقلة التقدم الأخير الحاصل في اتجاه الإصلاح الاقتصادي في مصر.”

وترجع هذه الانتقادات إلى مطالبة شركات الأدوية الأمريكية للحكومة المصرية بتطبيق مبدأ “الاستعمال الحصري للبيانات data exclusivity”، والذي يقضي بأن تطلب الحكومة من شركات الدواء المحلية أو الأجنبية التي تقوم بإنتاج الأدوية الجنيسة رخيصة الثمن إعادة إجراء التجارب المعملية باهظة التكاليف لإظهار أن منتجاتها فعالة وآمنة وذات جودة عالية قبل طرحها في السوق المصرية، بعكس الوضع الحالي والذي يكتفي فيه مصنعو الأدوية الجنيسة بإثبات أن أدويتهم لها نفس الجودة والقدرة العلاجية للأدوية الأصلية ذات الأسماء التجارية، دونما حاجة إلى تقديم بيانات تجارب معملية جديدة. وفي حال استجابة الحكومة المصرية للمطالب الأمريكية فإن الحكومة ستلتزم لمدة معينة (خمس سنوات في الأغلب) بعدم استعمال بيانات التجارب المعملية للأدوية- التي تحصل عليها من الشركات المكتشفة للدواء- لتسجيل الأدوية الجنيسة الأرخص سعراً رغم وجود هذه البيانات التي تثبت فاعلية وجودة الأدوية الجنيسة في حوزة الحكومة.

وحذرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية من أن مطالبة شركات صناعة الدواء المصرية بإعادة إجراء تجارب جودة وكفاءة الأدوية قبل تسجيلها سيؤدي إلى ارتفاع شديد في أسعارها أو إلى غيابها عن الأسواق كلياً نظراً لارتفاع تكلفة هذه التجارب ومحدودية إنتاج المصانع المحلية. وسيسري هذا الأثر حتى على الأدوية التي لا تتمتع ببراءة اختراع نظراً إلى انتهاء فترة حماية ملكيتها الفكرية. كما أن إجراء التجارب على البشر رغم المعرفة المسبقة والمؤكدة بنتائج هذه التجارب يخالف أخلاقيات مهنة الطب. وأخيراً، فإن من شان تطبيق مبدأ الاستعمال الحصري للبيانات أن يقيد من سلطة الدولة الممنوحة لها في ظل اتفاقية حماية الملكية الفكرية (التريبس) في إصدار تراخيص إجبارية لتصنيع الأدوية محلياً دونما اعتبار لبراءة الاختراع في حال نقصان الأدوية في السوق أو الارتفاع الشديد في أسعارها؛ حيث أن الشركة الحاصلة على الترخيص الإجباري لن تتمكن من تصنيع الدواء قبل انقضاء فترة حماية الاستعمال الحصري لبيانات تجاربه.

وقد فندت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية زعم لوبي صناعة الدواء الأمريكية في رسالته أن قرار وزير الصحة ينتهك كلاً من اتفاقية التريبس وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري. فاتفاقية التريبس لا تنص على أية حقوق “حصرية” لأي فترة محددة لاستعمال البيانات السرية التي تقدمها الشركات المكتشفة للدواء مع طلب تسجيله في الدولة العضو، وتترك لكل دولة الحرية في تحديد كيفية حماية هذه المعلومات من “الاستخدام التجاري غير المنصف”(المادة 39 فقرة 3). أما القانون المصري لحماية حقوق الملكية الفكرية رقم 182/2002 فإنه يلزم الدولة بحماية سرية المعلومات لمدة لا تزيد عن خمس سنوات من الأفعال التي تتعارض مع “الممارسات التجارية غير الشريفة” (المواد 56-57). وتضم المادة 58 من القانون قائمة بمثل هذه الممارسات لا تتضمن استناد الدولة إلى بيانات التجارب المعملية للأدوية عند تسجيل أدوية جنيسة.

وقالت آية الهلالي، مسئولة برنامج الصحة وحقوق الإنسان بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “إن لوبي صناعة الدواء الأمريكي يحاول بمساعدة الحكومة الأمريكية أن يفسر القوانين الدولية والمصرية على نحو ضيق يحقق له التخلص من منافسة الأدوية الجنيسة الأرخص سعراً من منتجاته والقادرة على إنقاذ حياة الآلاف من المصريين غير القادرين.”

وحذرت المبادرة المصرية من أن ضغوط شركات الدواء الأمريكية يتوقع لها أن تتزايد مع إعلان الحكومتين المصرية والأمريكية استئناف مفاوضات التجارة الحرة بين البلدين في شهر مارس القادم؛ حيث أن الحكومة الأمريكية تصر دائماً على إدراج مبدأ الاستعمال الحصري لبيانات تجارب الأدوية في الاتفاقات التجارية الثنائية التي تعقدها مع الدول النامية، مما يؤثر سلباً على حق مواطني هذه الدول في الحصول على الأدوية الأساسية.

وأضافت آية الهلالي: “إننا نخشى أن يؤدي الحرص الشديد للحكومة الحالية على التوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة إلى التضحية بحق المواطن المصري في الصحة. ونتمنى ألا تنضم مصر إلى قائمة الدول أخرى في المنطقة كالأردن والمغرب، والتي فشلت في الدفاع عن حقوق مواطنيها في اتفاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة أمام الضغوط الهائلة للشركات والحكومة الأمريكية.”