11/8/2006
ماجد سرور
المدير التنفيذى
هل تحتاج مصر إلى دستور جديد؟ أم أن بعض التعديلات التي يمكن إجراؤها على الدستور الحالي تكفي لجعله دستوراَ يناسب مصر الآن؟ ، وهل يصلح المناخ الحالي السائد في مصر لطرح تعديلات دستورية أو لطرح تغيير دستوري هذه هي الأسئلة التي تطرح نفسها في مصر الآن سواءََ على مستوى النخبة أو داخل أوساط الجماهير العريضة.
قبل الإجابة على هذين السؤالين دعونا نلقي نظرة سريعة على مواد الدستور الحالي ونرى، هل هذا الدستور الذي تم إقراره منذ حوالي خمسة وثلاثون عاماَ في مناخ مختلف وظروف مغايرة مازال يصلح لمصر في الألفية الثالثة أم لا.
دستور مصر الذي صدر عام 1971 كان مكوناً من (193) مادة ثم عدل عام 1980 بإضافة باب جديد (الباب السابع) لتصبح مواده (211) مادة مع تعديل المواد 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 77 (التي كانت تحدد مدة الرئاسة بفترتين فقط وأصبحت غير محددة بعد التعديل) ، هذا الدستور يتوسع في سلطات واختصاصات رئيس الجمهورية حيث أفرد له فصلين من الباب الخامس . الأول بعنوان “رئيس الدولة” ويتكون من (13) مادة (من 73 حتى 85) ، والثاني تحت عنوان “رئيس الجمهورية” ويتكون من (16) مادة (من 137 حتى 152) .
لم يكتف الدستور (الدائم !!) بذلك ، بل زاد عليه بسلطات أخرى لرئيس الجمهورية حيث اختصه بـ (13) مادة من الفصل الثاني من الباب الخامس الخاص بالسلطة التشريعية (المواد 87 ، 100 ، 101 ، 102 ، 106 ، 108 ، 109 ، 112 ، 113 ، 127 ، 128 ، 132 ، 136) ،وفى الفرع الثاني الخاص بالحكومة اختصه بثلاث مواد هي (155، 156، 159) ، وفى الفرع الرابع المتعلق بالمجالس القومية المتخصصة استأثر بالمادة الوحيدة فيه (المادة 164) و في الفصل الرابع الخامس بالسلطة القضائية اختصه بالمادة (173) وفى الفصل السابع الخاص بالقوات المسلحة اختصه بالمادة (182) ، وفى الفصل الثامن الخاص بالشرطة استأثر رئيس الجمهورية أيضاً بالمادة الوحيدة فيه (المادة 184)، أما في الباب السادس المعنون أحكام عامة وانتقالية فقد اختصه بمادتين هما (189 ، 190) وفى الباب السابع الخاص بمجلس الشورى (الذي أضيف في تعديلات مايو 1980) فقد اختصه الدستور بأربعة مواد هي (195 ، 196 ، 202 ، 204) ، أما في المادة (205) الخاصة أيضاً بمجلس الشورى والتي تحيل للأحكام الواردة في مواد أخرى (المواد الخاصة بمجلس الشعب) فإن (4) مواد من المواد التي تحيل إليها تتعلق بسلطات رئيس الجمهورية . وهكذا فإن نصيب الرئيس وحده من الدستور – بعد إضافة المواد المحال إليها- يبلغ حوالي (59) مادة بنسبة تبلغ 28.6% من مواد الدستور.
ليس هذا فقط ، ولكن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة (م 73) وهو رئيس السلطة التنفيذية (م 137) وهو رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية (م 173) وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة (م 150) وهو الرئيس الأعلى لهيئة الشرطة (م 184) وهو رئيس مجلس الدفاع الوطني (الذي يجمع أجهزة المخابرات الخمسة) (م 182) وهو أيضاً رئيس مجلس الوزراء إذا حضر اجتماعاته (م 142).
ولرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب (م 136) وحل مجلس الشورى (م 204) وهو يعين ثلث أعضاء مجلس الشورى (م 196) وله حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها (م 112) وهو الذي يعلن حالة الطوارئ (م 148) وله حق العفو عن العقوبة الصادرة من المحاكم أو تخفيفها (م 149). أما نصيب الشعب من الحقوق والحريات في هذا الدستور فقد بلغ (18) مادة فقط بنسبة 8.6% وهى المواد (من 40 حتى 57).
أما عن الخلل وعدم التوازن بين السلطات في الدستور فحدث ولا حرج فبينما تلتهم سلطات رئيس الجمهورية حوالي 1/3 مواده، ويبلغ نصيب السلطة التشريعية حوالي (51) مادة منهم (42) مادة لمجلس الشعب، و(9) مواد لمجلس الشورى، أي أن نسبتهما معاَ من مواد الدستور حوالي 24.3% بينما لا يزيد نصيب السلطة القضائية عن (8) مواد بنسبة تقل عن 4% من الدستور.
والخلل في الدستور لا يطال فقط إهدار مبدأ الفصل بين السلطات حين جعل رئيس السلطة التنفيذية هو نفسه رئيس السلطة القضائية وهو الذي يعين القضاة ويعزلهم (م 44 من قانون السلطة القضائية) وهو المهيمن على السلطة التشريعية ، ولكنه يطال العديد من مواد الدستور لأنه قد تم إهدارها أصلاً ولا تطبق ، أو لأن الواقع قد تجاوزها تماماً. مثلاً المادة (1) التي تنص على أن مصر دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي !! يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة ، والمادة (4) التي تقرر أن نظام مصر الاقتصادي هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل والمادة (8) التي تلزم الدولة أن تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمادة (14) التي تقرر أن الوظائف العامة حق لجميع المواطنين ، أو المادة (20) التي تقرر مجانية التعليم ، والمادة (30) التي تؤكد الدعم المستمر للقطاع العام ، أو المادتان (48 ، 208) اللتان تحظران وقف الصحف أو إغلاقها والمادة (65) التي تلزم الدولة بالخضوع للقانون !! وتقرر أن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، أو المادة (68) التي تعطى لكل مواطن حق الالتجاء لقاضيه الطبيعي أو المادة (158) التي تمنع الوزراء أن يشتروا أو يستأجروا شيئاً من أموال الدولة.
بل إن هناك أبواباً كاملة في الدستور تم إهدارها وتعطيلها بموجب حالة الطوارئ مثل الباب الثالث المتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة (المواد من 40 حتى 63)، والباب الرابع الذي جاء تحت عنوان “سيادة القانون” (المواد من 64 إلى 72). وليس هذا كل شئ فمعظم مواد الدستور أحالت في طريقة تطبيقها وتنفيذها إلى القوانين ، وجاءت القوانين متناقضة مع هذه المواد ومهدرة لها بما لا يتسع المجال هنا لتفنيده .
هذا هو الدستور الذي نعيش في ظله الآن بكل ما تحمله مواده من تناقضات ، وبكل ما يحمله مضمونه من هيمنة للسلطة التنفيذية على بقية السلطات والخلط الواضح بينها ، فضلاَ عن وضع معظم السلطات في يد رئيس الجمهورية.
نعود للسؤالين الذين بدأنا بهما هل نحتاج إلى دستور جديد أو تعديلات دستورية؟، أم أن المناخ الحالي سوف ينتج لنا دستوراَ مشوهاَ يجعلنا نجز أصابعنا ندماَ على دستور 1971 (الدستور الحالي)؟. ربما كانت الإجابة على السؤالين متناقضة إلى حد كبير!! فمصر فعلاََ في حاجة إلى دستور جديد، بل ربما كانت في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد، عقد اجتماعي يكرس لحقوق الإنسان التي غاب بعضها وتأخر البعض الآخر كثيراَ، ذلك الغياب الذي شارك فيه الجميع … السلطة، النخبة، والجماهير أيضاَ.
نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي يكرس لحقوق المواطنة والمساواة وحرية الرأي والفكر والعقيدة ، عقد اجتماعي يكرس لفكرة تكافؤ الفرص ومبدأ تداول السلطة، ويكرس لأهمية الشراكة المجتمعية في اتخاذ القرار مثلما يكرس لأهمية المشاركة في ثروات المجتمع، دستور يحدد حقوق المواطنة بشكل واضح لا لبس فيه، دستور يجعل من المواطن في مصر هو صاحب القداسة وينفي أي قداسة عن مسئول أو مؤسسة، دستور يضع معايير دقيقة ومجردة وواضحة لتمثيل الشعب في المؤسسات المنتخبة، ومعايير دقيقة ومجردة وواضحة لتكافؤ الفرص في كل المؤسسات والمجالات بحيث نمنع تماماً أية سلطة تقديرية في اختيار الوظائف والمناصب أو الحكم على الناس، من تنطبق عليه المعايير المحددة سلفاً يحق له أن يدخل الكلية التي يريدها أو أن يعمل في المهنة التي يختارها أو ينضم للنقابة التي تناسبه أو يلج أي سلك من أسلاك الوظائف رغم أنف الجميع حتى نغلق من المنبع أبواب الرشوة والمحسوبية وتوريث الوظائف، دستور يجعل حقوق الإنسان وأمنه وكفالة عيشه وحريته مقدسات تعلو على كل شئ وعلى كل المناصب، نريد دستوراً يجعل من مصر جمهورية ديمقراطية ليبرالية بها فصل حقيقي بين السلطات، وتوازن حقيقي بينها بحيث لا تجور سلطة على صلاحيات واختصاصات سلطة أخرى، ويجب أن ترسخ في مجتمعنا أفكاراً مثل حكم القانون، وتداول السلطة، وشفافية الثروة، وتكافؤ الفرص للجميع.
ويجب أن تكون البداية هي أن نحدد وبدقة كيف تحكم مصر وليس من الذي يحكم مصر، يجب في البداية أن تسقط كل البديهيات والمسلمات التي تعودنا عليها طوال عقود مضت، يجب أن نعترف بأننا لسنا الأفضل، وأن كل ما لدينا يحتاج إلى تعديل أو تغيير، يجب أن نبدأ بصياغة عقد اجتماعي جديد أو صياغة جديدة لهذا المجتمع، للعلاقة بين السلطة والناس، بين السلطة والثروة، بين السلطة والدين، بين السلطة والصحافة،
ولكن الإجابة على السؤال الثاني تبدو مخيبة للآمال، هل يمكن للمجتمع المصري أن يصنع دستوراَ جديداَ أو يجري تعديلات دستورية في الوقت الراهن خاصة بعد ما حدث إبان تعديل المادة 76 العام الماضي والنتيجة التي ترتبت على ذلك التعديل ، وهو نفس المناخ الذي جرى في ظله إقرار قانون السلطة القضائية وتعديل قانون العقوبات فيما يخص جرائم النشر والجرائم التي تقع بواسطة الصحف مؤخراَ، للأسف قد تكون الإجابة بلا، لأن كل هذه الأفكار جميعاً غائبة الآن ليست فقط في حزب السلطة أو رجالها ومؤسساتها بل في كل الأحزاب والجمعيات الأهلية والمؤسسات والنقابات والنوادي. تلك هي المشكلة ، وهذا هو المأزق الحقيقي. نحن نحتاج لدستور جديد، بل صياغة جديدة لحياتنا، ولكننا في هلع من التغيير للأسوأ … في خوف من أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير
الباحث السياسى
بمؤسسة عالم واحد للتنمية
و رعاية المجتمع المدنى