12/8/2009

نظمت مؤسسة عالم واحد للتنمية ورعاية المجتمع المدني ندوة بعنوان “متى تحاسب الحكومة نفسها؟.. نظرة على الأداء الحكومي خلال الشهور الماضية” يوم الإثنين الموافق 10-8-2009 بفندق فلامنكو، وذلك في إطار إهتمام المؤسسة بنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، وشارك بالندوة عدد من المتحدثين من مختلف الأطياف السياسية، وقد أجمع المتحدثون والحضور أيضاً على إخفاق الحكومة في تأدية مهامها في معظم القطاعات، وعدم رضاء المواطن المصري عن الأداء الحكومي.

افتتح الندوة ماجد سرور المدير التنفيذي للمؤسسة بعرض عدد من القضايا المطروحة على الساحة السياسية مؤخراً والتي أثبتت ضعف وترهل الأداء الحكومي، منها قضية سياج والتي تلزم الحكومة بدفع تعويض بقيمة 135 مليون دولار إلى وجيه سياج، وواقعة إستيراد القمح الفاسد من روسيا والمتهم بها عدد من المسئولين الحكوميين بإهدار 6.9 مليون دولار قيمة الشحنة، بالإضافة إلى مشكلة البطالة والتي أشارت منظمة العمل الدولية في تقريرها إلى أنها المشكلة الأكبر التي يواجهها الشباب المصري حيث أن 91.5% من اجمالي المتعطلين عن العمل ينتمون للفئة العمرية من 15 – 30 عاماً وأن 79.5% منهم حاصلون على تعليم متوسط وعال، طرح سرور أيضا قضية الهجرة غير الشرعية وذكر أنه خلال الأشهر الستة الماضية غرق 23 شخص واختفى 12 وفُقد 6، وخطف 38 آخرون خلال رحلات الهجرة غير الشرعية لمواطنين مصريين متجهين إلى أوروبا!

وأشار سرور أنه على الرغم من كل هذا فإن نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء على عينة 1152 مواطن، أظهرت أن 89% من المصريين راضيين عن الأداء الحكومي! منهم 22% يرون أن الأداء الحكومي خلال العام الماضي كان جيداً جدا، و36% يرون أنه جيد، و31% يرون أنه مقبول بينما يرى 11% أنه سيئ.

أما عبد الغفار شكر المفكر والقيادي بحزب التجمع فاستهل حديثه بتساؤل متى يحاسب الشعب الحكومة وكيف يحاسب الشعب الحكومة؟ وعقب قائلاً أننا أمام حكومة تم تشكيلها منذ 5 سنوات غير راضي عن أداءها قطاعات عريضة من الشعب بسبب إنتشار الفساد والأمراض والبطالة وتدهور الخدمات وغيرها، وأنه بالرغم من حالة عدم الرضا إلا أن لا أحد يعلم متى ترحل الحكومة؟ ويرى عبد الغفار أنه لا يمكن الوصول إلى وضع سياسي جديد يمكن بمقتضاه محاسبة الحكومة إلا بتداول السلطة، عندها يمكن للشعب أن يحاسب الحكومة، وهو الأمر الذي يتطلب إصلاح سياسي شامل من أهم عناصره:

  • تعديل الدستور القائم، أو إصدار دستور جديد ينص على أن رئيس الجمهورية ليس رئيس السلطة التنفيذية، إنما يكون شخص منتخب يمكن لمجلس الشعب ان يحاسبه.
  • إصلاح وتفعيل دور مجلس الشعب.
  • استكمال استقلال السلطة القضائية والغاء محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
  • التحول من الإدارة المحلية إلى نظام حكم محلي حقيقي يمكن محاسبته.
  • إعمال مبدأ سيادة القانون.
  • أن يتوفر للمصريين فرصة في ممارسة حقوقهم الأساسية من الحق في الحياة الكريمة والمشاركة في الأحزاب والحق في التظاهر.. وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات وكافة منظمات المجتمع المدني وممارسة نشاطها.
  • توفر ضمانات نزاهة الانتخابات من خلال إنشاء لجنة نزيهة وتنتدب أجهزة الأمن تحت سيطرة هذه اللجنة، وتنوع وتحرر وسائل الإعلام من السيطة الحكومية.

وأكد عبد الغفار أن الشرط الأساسي الذي يمكن من خلاله تحقيق الإصلاح السياسي هو توفر القدرة على الضغط على الأجهزة التنفيذية، بواسطة الأحزاب السياسية القائمة، إلا أنه ذكر أن قيادات هذه الأحزاب غير راغبة في عقد مؤتمر وطني للضغط على الحكومة بسبب مصالح شخصية ضيقة.

ويرى عبد الغفار أن هناك ثلاث سيناريوهات متوقعة إذا ظل الوضع الراعن على ما هو عليه، الأول هو أن الأحزاب الرئيسية تحزم أمرها وتتفق على مؤتمر للحوار الوطني، وتعبئ الشعب للضغط على الحكومة، الثاني أن يحدث التوريث وفي هذه الحالة سيصاحبها إصلاح سياسي جزئي في البداية سرعان ما يتراجع ويتم العدول عنه، أما السيناريو الثالث فهو بناء تحالف سياسي شعبي من أسفل هو الذي يتولى الضغط على الحكومة، وفي حالة عدم تحقق أى من هذه السيناريوهات فالفوضى قادمة..

أيد أنور عصمت السادات وكيل مؤسسي حزب الإصلاح والتنمية وعضو مجلس الشعب السابق، فكرة أن الإصلاح السياسي الشامل هو الحل، إلا أنه طرح تساؤل هو كيف نستطيع الوصول إلى هذا الإصلاح؟ ويرى السادات أن التيارات المعنية بهذا الأمر لم تنجح حتى الآن في أن تمثل قوة ضغط، فالأحزاب تواجه صراعات داخلية وتواجه نوع من التشتت والتفكك، وهى المشكلة التي يجب وسريعاً أن نوجد حل لها، أما عن من يحاسب الحكومة فالمفترض أن هناك برلمان قوى يستطيع أن يحاسبها ولكن لا يحدث ذلك فعلى الرغم أن من حق المجلس سحب الثقة من الحكومة إلا أنه في المقابل يحق لرئيس الجمهورية حل البرلمان! بالإضافة إلى أن المجلس بالأساس لا يمثل الشعب تمثيلا حقيقي، والمشكلة الأكبر هي أن أى حكومة مرهونة برغبة “الرئيس” لذا فالأمر ليس متعلق بالأداء الحكومي، وذلك لأن نظامنا هو نظام جمهورى وهو ما ينبغي تغييره.

أما عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فقد أضاف إلى الكلام السابق والمتعلق بغياب آليات الإصلاح الديمقراطي أو محاسبة الحكومة، بعداً آخر متعلق بتصريحات المسئولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة متسائلاً متى تحاسب الحكومة على تصريحاتها؟، وذكر الشوبكي تصريحين للدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء، أولهما هو “أن الشعب المصري غير مهيأ للنظام الديمقراطي!!” حيث أشار إلى أن هذا النوع من التفكير هو أقرب إلى فكر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة والذين لم ينجحوا في الانتخابات الأخيرة ويوصف فكرهم بالتشدد والعنصرية، والمفارقة هي أن يصدر مثل هذا الكلام من مسئول في دولة عربية بحجم مصر يروج لكلام يردده بعض المستشرقين المتشددين والمحافظين الجدد، وهي سابقة تعد الأولى من نوعها في الوطن العربي!

ويرى الشوبكي أن هذا النوع من التفكير له دلالات على أرض الواقع وهي أن الحكومة ترغب في فرض أجندة للإصلاح بشرط ان يدفع ثمن الإصلاح المواطن العادي وليس رجل الأعمال وهو ما ينطبق على حالة “الخصخصة” على سبيل المثال والتي تم تطبيقها بشكل يتنافى مع مبدأ العدالة الاجتماعية حيث دفع ثمنها المواطن الفقير، أما التصريح الثاني على لسان نظيف أيضا فهو “عليكم ألا تنتظروا شيئ من الحكومة!” ويدل على أننا أصبحنا أما حالة من الفصل والانعزال الكامل عن الحكومة التي هى غير منتخبة بالأساس، وتساءل الشوبكي أنه إذا كان هناك بالفعل مشاكل تتعلق بالأمية والفقر والبطالة والديمقراطية، فماذا فعل الحزب الوطني الذي يحكم لأكثر من 30 عاما لمواجهة هذه المشاكل؟، واقترح الشوبكي لتطوير هذا الوضع اجراء انتخابات حرة نزيهة، وقضاء مستقل، وأن تكون الحكومة منتخبة من البرلمان بالتشاور مع الرئيس، بالإضافة إلى التحول إلى نظام “رئاسي- ديمقراطي”.

استهل حازم فاروق عضو مجلس الشعب كلامه بالثناء على الطالب عبد الله بظاظو الذي قام بمداخلة أمام أحمد نظيف في معسكر إعداد القادة ببورسعيد والتي قال فيها “أشعر بالفساد فى كل مكان.. ومش حاسس بمقاومة من جانب الحكومة.. كل يوم بحس بالغربة أكثر.. وإن البلد مش بلدى”، مؤكداً على أن هذا الجيل الشباب هو الجيل القادم الذي سيحدث على يده التغيير، ثم ذكر فاروق بعض الإحصائيات التي تعبر أيضاً عن مستوى الأداء الحكومي، منها أن 20 مليون مصري مصاب بالإكتئاب، أن هناك 48 مليون مصري فقير، 2 مليون يعيشون في فقر مدقع، 45% من المصرين يعيشون تحت خط الفقر، 41% من إجمالى عدد السكان في مصر فقراء، 22 ألف حادثة سيارات مؤخرا و179 ألف مصاب على الطريق في مصر.

وأكد فاروق أن الحكومة الحالية تخدم طبقة معينة فقط، وأنها الأسوأ في تاريخ مصر، مشيراً إلى أن هناك 23 ألف قضية فساد موثقة، وشبه الحكومة المصرية بفيلم “إبراهيم الأبيض”، وذكر أن الدورة البرلمانية الأخيرة كاملة لم يحضرها أيا من وزراء الوزارات السيادية، وحتى الوزراء الآخرون يحضرون دائما متأخرين، مستعرضاً حالات تدلل على الفساد الحكومي مثل حصول مرشحي النجمة والهلال من الحزب الوطني في انتخابات 2005 على نسبة 31% من الأسماء، وإعلان النتيجة على أنها 80%، كما ذكر أيضاً أن في مصر أصبح التعذيب بالوكالة عن الولايات المتحدة، وأنه يتم اعتقال مدونين ونشطاء والققاءهم في الشارع مجردين من ملابسهم، بالإضافة إلى أن جريدة الشعب وحزب العمل مازالوا مغلقين، وأن الأطباء المصريين يعانون في السعودية، كما أن زوج مروة الشربيني كان سبق وقد أبلغ السفارة المصرية بوقوع تحرش بزوجته قبل الحادث ولم تتخذ اجراءات لحمايتها.

أما إيهاب الخولي رئيس حزب الغد فيرى أن البداية الحقيقة لمحاسبة الحكومة هي أن تكون الحكومة هي مصدر الإصلاح وأن تكون هناك آلية للمراقبة، وأنه إذا أردنا تقييم أداء الحكومة فعلينا أن نبحث أولا في ما هو السند الدستورى لهذه الحكومة؟ ونجد أنه دستور 71 بعد التعديلات الأخيرة، ولا يوجد نص يحدد من له الحق في تشكيل الحكومة في مصر، والنص يعطي الصلاحيات كلها للسيد رئيس الجمهورية، وفي تقديري أنه لا خلاص إلا بالجمهورية البرلمانية، والوضع الحالي للحكومة المصرية أن هذه الحكومة ليست لديها أى أجندة ليبرالية واكن هي تحالف من رجال الأعمال ، وهو ما يعطى حماية لهؤلاء الفئة بالاستبداد وليس بالديمقراطية مثل باقي دول العالم، فبعض دول العالم تحظر دساتيرها عمل أى وزير بعد انتهاء خدمته في الوزارة في القطاع الخاص لمدة 5 سنوات، ولكننا نمارس العمل الخاص أثناء تولى المنصب!

ويطرح الخولي الحل في رأيه وهو إعادة الجماعة الوطنية في مصر مطالباتها بإصلاح سياسي وديمقراطي شامل، وبناء تحالفات بين القوى السياسية وتربية أجيال تؤمن أنه لا خلاص إلا بتغيير الدستور والإصلاح السياسي وهو ما يتطلب إرادة سياسية، فالحل الحقيقي مكون من ثلاثة أركان لا يمكن بدونهم إحداث إصلاح وهم التعليم- الديمقراطية- سيادة القانون.

بينما أكد طارق التهامي رئيس تحرير جريدة الشارع أنه من الصعب أن تحاسب الحكومة نفسها، فهو يرى أنه ليس من المتوقع أن “الفاسد” و”الضعيف” و”الكاذب” أن يحاسب نفسه، مشيراً أن الديمقراطية تعني “حرية التعبير عن الرأى وتداول السلطة” وهو الأمر الغير متحقق في مصر، موضحاً أن طريقة اختيار الوزراء أو فترة ولايتهم أو حتى نهايتها لا تتم على أسس سليمة، وأكد التهامي أن الفساد أصبح مستشرياً في كل أركان الدولة بدءاً من المسئول الصغير في الحى وصولاً إلى رأس الحكومة، وضرب مثال تصريح لأحمد نظيف أيضا أن “هناك 52 مشروع قومي سيتم تنفيذه خلال الفترة القادمة بميزانية 120 مليار جنيه” دون تحديد ما هية هذه المشاريع أو أين ستنفذ! وتصريح وزير الرى بعد 12 عام من مشروع توشكى “قاربنا على الوصول إلى 25% من المتوقع من المشروع!”، واختتم تهامي حديثه بأن الحكومة ستحاسب نفسها عندما يكون من حق الشعب اختيار حكامه بالنتخابات حرة ونزيهة.