2/7/2005
“كل شويه شايفاه قدام عنيه.. هدومه مقطعة.. بقه مقطوع.. محاشمه وارمة من تحت.. رجليه متعورة مطرح السلاسل.. صورته ما بتروحش من عنيا”
تلك كلمات أم عبد الجواد التي تعاني من إنزلاق غضروفي لم يمنعها من طلوع ونزول سلالم نيابات الجيزة والرواق بدلا المرة عشرات بحثا عن ابنها الذي تخشى عليه الموت بعد أن وقع ضحية تعذيب طاقم شرطة قسم الوراق.. ذات القسم الذي شهد من قبل موت مواطنين وأطفال مصريين تحت التعذيب.
طوال يوم أمس الخميس الموافق 30 يونيو 2005 أمضينا، عشرة مواطنين مصريين، أطباء ومحامين ووالدة عبد الجواد عبد الجواد وأخيه، ساعات النهار وبعضا م ساعات المساء نجري وراء ملف عبد الجواد من نيابة جنوب الجيزة إلى نيابة شمال الجيزة إلى نيابة الوراق لتحقيق مطلب واحد وبسيط: أن يتم تحويل عبد الجواد إلى المستشفى للعلاج بعد أن أوصى أطباء مستشفى أم المصريين بضرورة وضعه تحت الملاحظة مما ترتب عليه خطف عبد الجواد من المستشفى وإعادته إلى قسم الترحيلات بالجيزة.
توجهنا أولا إلى مقر نيابة جنوب الجيزة وطلبنا مقابلة المحامي العام وعرفنا نفسنا والغرض من طلب المقابلة لكن السكرتارية كانت لديها أوامر أخرى فالمحامي العام لا يقابل أحدا وعلينا أن نقابل رئيس النيابة.. شرحنا لهم أننا سبق أن توجهنا إلى النيابة وأننا نرغب في مقابلة المحامي العام.. نصف ساعة أخرى من المشاحنة حتى تكرم المحامي العام ووافق على مقابلة اثنين منا ..
فدخل منا اثنان.. من ممر إلى ممر إلى غرفة إلى حجرة مكيفة يجلس فيها المحامي العام يشاهد مباراة للكرة الطائرة النسائية .. نظر إلينا في استغراب شديد: ماذا تريدون؟ طلبنا أن يدخل باقي الوفد واحتاج الأمر إلى تفسير مفصل من المحامي حتى تنازل سيادته ووافق على دخول الوفد إليه..
دخلنا وشرحنا له الأمر: أن مواطنا تعرض للتعذيب الشديد مما أسفر عنه جروح خطيرة واحتمال نزيف داخلي لأنه يتقيأ دما محجوز في حبس الترحيلات في نفس المبنى ويجب تحويله إلى العلاج فورا لإنقاذ حياته..
تليفونات وأسئلة وتليفونات وأجراس وأوراق تدخل وتخرج بحثا عما إذا كان عبد الجواد فعلا محجوز في الترحيلات.. حاضر هنشوف.. قلنا أننا لن نرحل قبل ان نطمئن على حالته.. طيب اتفضلوا.. وكان المقصود بـ”اتفضلوا” هو الخروج من الغرفة المكيفة والانتظار بالخارج
وخرجنا..
بعد دقائق جاء رئيس نيابة جنوب الجيزة – الذي كان ينوي السفر إلى مكان ما في الساعة الرابعة ويبدو ان شكوانا قد غيرت خططه فلم يكن سعيدا بنا بالمرة.
على مدى نصف ساعة دار بيننا حوار طرشان: نحن نتحدث عن شاب قد يفقد حياته، محجوز في هذا المبنى الذي يقع في دائرة مسئولية رئيس النيابة والأخير يتحدث عن السبل القانونية التي يجب إتباعها للكشف على “المتهم” كما وصفه وأن من واجبه تطبيق القانون.. ولو مش عاجبكم القانون غيروه.
مرة أخرى تليفونات وأجراس وتليفونات وأجراس ثم وصلت الإخبارية أنه تم ترحيل عبد الجواد إلى السجن..
قلنا له أنه قد تم ترحيله أربع مرات إلى السجن وأن السجن رفض استلامه لأنه مصاب والسجن لا يريد تحمل المسئولية.. رئيس النيابة يصر: لقد تم ترحيله.. وروحوا اسألوا في نيابة شمال فقضيته تابعة لمكتب شمال! خبرة الأسرة جعلتهم يطلبون منا الانتظار لان السجن لن يقبل عبد الجواد وسوف يعيدونه إلى الحجز وانتظرنا وصدقت الأسرة فحوالي الساعة الثانية عشرا جاء أخوه يجري إلينا.. لقد عاد في سيارة الترحيلات وحده، وهو غير قادر على الكلام ويمشي بصعوبة شديدة.
عدنا إلى مكتب رئيس النيابة.. عاد يحدثنا عن القانون وأن مسئولية عبد الجواد في نيابة شمال.. بعضنا ذكره بان من سلطاته التفتيش على هذا المبنى بما فيه حجز الترحيلات.. بعضنا طلب أن يجعلنا نناظره كأطباء.. رفض؟ بعضنا توسل إليها أن يمارس مسئولياته وأن ينزل إلى الترحيلات فيناظر عبد الجاد بنفسه.. رفض! رفض أن يفعل أي شيء سوى أن يخرجنا من حجرته لعدة دقائق ليستطيع أن يتحدث براحته في الهاتف ثم أدخلنا مرة أخرى ليقول لنا: جايز يكون تك الكشف عليه النهارده!!!!
أجراس وتليفونات وأجراس ويطلب السيد رئيس النيابة ملف عبد الجواد فيأتي الملف ويا للعجب: لقد عرض عبد الجواد فعلا على مفتش الصحة الذي أفاد بوجود جروح قديمة وملتئمة في الساقين والخصيتين!!! ورغم أنها قديمة إلا أنها تحتاج إلى علاج أقل من 21 يوم… لكن التأشيرة لا تحمل علاجا!! لا لمدة 21 يوم ولا لمدة 21 دقيقة!!
أجراس وتليفونات وأجراس وتليفونات واستدعى السيد رئيس النيابة “المسئول” أحدا من مرؤوسيه وطلب منه نقل الملف إلى نيابة شمال الجيزة وطلب منا التوجه إلى هناك للتفاهم مع المحامي العام..
وخرجنا من الحجرة فدخلها عسكري المراسلة بالملف مرة أخرى وغاب هناك قرابة الربع ساعة ثم خرج جريا متوجها إلى نيابة شمال.
ونحن وراءه!!
في نيابة شمال قيل لنا أن الورق لم يصل بعد.. بعد قليل وصل الورق.. لكن المحامي العام لم يكن هناك.. اختفى هو الآخر..
سكرتير السيد المحامي العام لشمال الجيزة وضع الأوراق في الملف وقال لنا يوم السبت إن شاء الله.. ما الذي سوف يجري الآن؟ ليس من شأننا.. ماذا عن حياة الشاب عبد الجواد؟ ما يخصنيش.. لن نتحرك من هنا قبل أن نعرف مصير الشاب.. اخرجوا .. لن نخرج.. اخرجوا .. لن نخرج.ز سوف أطلب لكم الشرطة.. اطلبها.. انتم لا تعرفون ما يمكنني عمله فيكم..
اعمل اللي انت عاوزه لن نتحرك قبل أن نعرف مصير عبد الجواد.. طيب أنا هأقفل عليكم الباب!!! وتوجه السكرتير الهمام إلى الأبواب يغلقها علينا غير أن محموله رن في هذه اللحظة.. فهتف في الهاتف بأنهم لا يريدون أن يمشوا يا باشا.. ثم انخفض صوته وانسحب إلى حجرة داخلية ليكمل المكالمة مع الباشا على انفراد.. وخرج من تلك الحجرة ومعه الملف وغادر المبنى وبقينا مع اثنين من المتعاطفين.. أغلب الظن أنهما مساعدي السكرتير الهمام..
ما العمل؟ لا يبقى سوى التوجه إلى نيابة الوراق.. في طريقنا إلى النزول قابلنا قوة من قسم إمبابه تدخل إلى حيث كنا يتقدمها رئيس مباحث قسم إمبابه يحمل اللاسلكي ومستعدا لفتح عكا! كنا في طريقنا إلى الخروج ورحبنا به ممثلا عن المباحث التي تعتقل وتعذب وتقتل فدار في مكانه وعاد من حث أتي وتركنا المبنى الكئيب إلى مبنى أكثر كآبة.. نيابة الوراق.
هناك لم نضطر إلى الدخول فقد قابلنا على الباب أمين شرطة ومباحث قسم الوراق ليقول لنا أنه يعلم أننا هنا بخصوص عبد الجواد عبد الجواد!!! وأن ورقه قد وصل!!! وقد تم التأشير عليه بإعادته إلى السجن وقبوله على حالته!!!!!!
ما هي حالته:
قطع في الشفة والأنف وجروح متقيحة في الساقين وتورم واحتقان في الخصيتين ونزيف من الفم كلما ضغط على بطنه!! لم نترك مكانا ذهبنا إليه.. لم نترك شخصا قابلناه دون أن نقول له أن سجل الأموات في أقسام البوليس قد وصل في عام واحد إلى 31 ضحية.. وأننا لا نريد أن يكون عبد الجواد هو الضحية رقم 32.. ولا حياة لمن تنادي.
لن نتوقف عن البحث عن عبد الجواد.. والى ذلك الحين فإننا لا نحمل قسم الوراق وحده مسئولية حياته وسلامته.. بل نحمل ذات المسئولية للسيد المحامي العام في شمال وجنوب الجيزة.. وقبلهم السيد رئيس نيابة جنوب الجيزة الذي كان الانتقال من مكتبه بضعة خطوات أصعب عليه من أن يعيش مدركا انه مع سبق الإصرار والترصد امتنع عن تأدية واجبه بالتفتيش عن حالة مواطن قيل له أنه ينزف دما في مقر عمله.. هذا تواطؤ واضح وصريح.. ويبقى أن نفهم لمصلحة من؟ ومن يحكم من في هذا البلد؟ ومن أين جاءت الشرطة.. أي شرطة.. بكل هذه السلطة إن لم يكن من حالة طوارئ أبدية جعلت الداخلية هي أعلى سلطة في البلاد لا يخضع لها عموم المواطنين فحسب بل النيابة العامة أيضا!
مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف
مركز هشام مبارك للقانون
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان