18/3/2007
محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بدمنهور
جنايات أمن الدولة طوارئ مركز دمنهور
والمقيدة برقم 317/2005 جنايات كلى دمنهور
المنظورة بجلسة 22/1/2007نخصص هذه المذكرة
للدفوع الدستوريةكرم عبد الله الجيزاوي (11)
عبد الرازق عبد الرازق أبو العلا (12)
مبروك أحمد عبد العزيز (14)
سماح عبد الحميد علي الجرف (21)
رسمية أحمد محمد خلاف (23)
عايدة عبد الله الجيزاوي (27)
السيد الرئيس … حضرات المستشارين
لا اجد بداية لمرافعتى خيرا من حكم محكمة النقض المصرية الذى اعلى الحرية فى مواجهة التعسف
“لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب، بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس، والقبض عليهم بدون حق”
وهو المبدأ الذى صار نبراسا يدلنا على جادة الطريق لتحقيق العدل والحق
سيدى الرئيس …. السادة المستشارين
نحن أمام محكمة أمن دولة طوارئ
حدد اختصاصها بقرارات إدارية يصدرها الحاكم العسكرى بموجب صلحياته وفقا لقانون الطوارئ
كما حدد تشكيلها بموجب قرارات ادارية
وحددت الاجراءات الجنائية امامها بقرارات ادارية
وأمر الإحالة فى هذه الدوى صدر مستندا على أمر الحاكم العسكرى رقم 1 لسنة 1981
واذا كانت مصر تأمل ان يزاح عن كاهلها نير الطوارئ الذى ورثه المستبدين المحليين من من المستبد المحتل (المندوب السامى البريطانى)
فان مصر تعلق كبير امالها على نضال قضاة مصر فى مواجهة طغاة مصر ليتحقق الاستقلال الكامل للقضاء ليس بوصفه مطلبا مهنيا أو فئويا وإنما بوصفه مطلبا يأتى على رأس مطالب المجتمع كله كبوابة رئيسية لتحقيق مستقبل جدير بتاريخ وتضحيات وطاقات وقدرات الشعب امصرى
ولا مشاحة بانه لا استقلال كامل للقضاة طالما استمرت السلطة التنفيذية تتحكم فيهم بمحض قرارات ادارية فى ظل حالة الطوارئ التى ادمنها حكام مصر
وها هم يعدون عدتهم الان لتغليف ادمانهم القديم بغلاف جديد اسمه قانون محاربة الارهاب من خلال المزيد من اخصاء الدستور المصرى بتعديلات شوهاء يدفع ثمنها المجتمع كله
الم يحن الحين لفتح تغرة فى حائط الاستبداد ينفذ منها ضوء المستقبل
ومن اقدر واجدر من قضاة مصر لهذه المهمة
فى البداية
يخطئ من يظن أن إعلان حالة الطوارئ يجيز التحلل من أحكام الدستور المصرى الحالى قبل تعديله حيث نظم الدستور الحالى نظام الطوارئ فى المادة 148: “يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوماً التالية ليقرر ما يراه بشأنه. وإذا كان مجلس الشعب منحلاً يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له. وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محدودة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب.”
ويلاحظ أن الدستور الحالى لم يتضمن نصاً مشابهاً لنص المادة 155 من دستور 1923 التى كانت تجيز التحلل من بعض المواد الدستورية أثناء إعلان الأحكام العرفية وهو الأمر الذى له دلالته فى عدم جواز التحلل من أحكام الدستور الحالى حتى خلال فترة الطوارئ.
وفى ذلك ذهبت محكمتنا الدستورية إلى:
أنه لا وجه للاستناد إلى ما كان يجيزه دستور سنة 1923 ودستور سنة 1930 فى المادتين 155، 144 منهما من جواز تعطيل حكم من أحكام الدستور وقتياً فى زمن الحرب أو أثناء قيام الأحكام العرفية للقول بجواز إسقاط حكم من أحكام الدستور فى فترة قيام حالة الطوارئ، ذلك أن إغفال الدساتير المصرية الصادرة منذ دستور سنة 1956 حكم هاتين المادتين – وقد كانت تحت نظر واضعى هذه الدساتير – يدل على أنهم نبذوا هذا الحكم ولم يجيزوا إسقاط أى حكم من أحكام الدستور حتى فى حالة قيام حالة الطوارئ وذلك تأكيداً لمبدأ سيادة الدستور واحترام أحكامه فى الظروف العادية والاستثنائية على السواء.
سيدي الرئيس … حضرات المستشارين
تأسيساً على ما تقدم نخصص هذا الجزء للدفوع الدستورية العامة والمتمثلة فى:
أولاً: عدم دستورية إنشاء محاكم أمن الدولة “طوارئ وفقا للمواد 7، 8، 9، 10، 12، 13 من قانون الطوارئ لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 66، 73، 137، 151، 152، 165، 166، 167، 195 من الدستور
ثانياً: عدم دستورية الأمر رقم 1 لسنة 1981 بتحديد اختصاصات نيابة ومحاكم أمن الدولة “طوارئ” لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 165، 166، 167، 195 من الدستور
ثالثاً: عدم دستورية المادة 214 أ.ج لتعارضها مع المواد 70، 41، 195 من الدستور
أولاً: عدم دستورية إنشاء محاكم أمن الدولة “طوارئ:
1- تعيين رئيس الجمهورية لقضاة المحكمة فى حد ذاته يهدر مبدأ استقلال القضاء، وامكانية تعيين غير القضاة فى تشكيل المحكمة يهدر مبدأ القضاء الطبيعى (م 7):
يلاحظ أن رئيس الجمهورية يعين أعضاء محاكم أمن الدولة “جزئية” أو “عليا” بعد أخذ رأى وزير العدل (بالنسبة إلى القضاة والمستشارين)، ورأى وزير الحربية (بالنسبة إلى الضباط) (م 7/3). وهو ما يشكل تدخلا من السلطة التنفيذية فى السلطة القضائية بما يخل بالتوازن الدستورى بين السلطات من ناحية كما يهدر مبدأ استقلال القضاء من ناحية ثانية
ويعد من ناحية ثالثة إخلالاً بمبدأ القضاء الطبيعى، حيث اتاح امكانية إدخال عنصر غير قضائى (ضباط القوات المسلحة) فى تشكيلها. ولم يشترط الشارع فى هؤلاء الضباط أن تكون لهم ثقافة قانونية وبدون هذا التكوين المهنى فلن يتحقق الاستقلال القضائى على الوجه الصحيح لأن القاضى الذى لا يعرف حدود وظيفته ومناط قضائه قد لا يتمكن من مواجهة أى تدخل فى شئونه، بل قد لا يدرك خطر هذا التدخل عند حدوثه. ولهذا قرر مؤتمر رجال القانون- المنعقد فى لاجوس سنة 1962 – أن منح الاختصاص القضائى لأشخاص محرومين من التكوين والخبرة القانونية لا يوفر الضمانات التى يحتمها مبدأ سيادة القانون.
وليت الأمر اقتصر على تلك المشاركة المنتقدة بل تعداه إلى إجازة تشكيل تلك المحاكم من ضباط فقط الأمر الذى يعنى أن يعهد بالفصل فى جرائم خطيرة إلى من ليست لهم صفة القضاة (م 7/3، 8 طوارئ)، ولمن ليست لهم استقلالية تجاه السلطة التنفيذية حيث يخضع هؤلاء الضباط للجهة التى يتبعونها ولا يتمتعون – بالتالى – بأهم حصانات القاضى وهى عدم القابلية للعزل, الأمر الذى يفقدهم الحياد كركيزة لا يتحقق استقلال القضاء حال تخلفها وتقوم تبعية العنصر العسكرى – حتى بالنسبة لرجال القضاء العسكرى – إلى المادة 57 من قانون الأحكام العسكرية لسنة 1966 التى تنص على خضوع رجال القضاء العسكرى لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية.
فاشتراك غير القضاة فى محكمة يؤدى إلى انتفاء صفة القضاة عن أعضائها، بمن فيهم من توافرت لديه فى الأصل. فبدخولهم فى تشكيل هيئات استثنائية يتساوى رأيهم مع رأى من هو من غير القضاة فى ذات الهيئة؛ أى أن منطق التساوى يفرض هذه النتيجة.
2- تحديد اختصاصات المحكمة بقرار إداري وليس بقانون يتعارض مع الدستور (م 9):
ويمثل مخالفة هذا القانون لمبدأ الطابع الإلزامي لقواعد الاختصاص القضائى “فى الترخيص لرئيس الجمهورية أن يغير من اختصاص محاكم أمن الدولة العليا وفقاً للمادة الطعينة، أو أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ” الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام (م 9 طوارئ) بالإضافة إلى ما ينطوى عليه ذلك من حرمان المتهم من قاضيه الطبيعى وإخضاعه لاختصاص قضاء لم يكن مختصاً وقت ارتكاب جريمته.
فمحور فكرة القاضى الطبيعى يتمثل فى اللجوء إلى القاضى المختص بنظر كافة المنازعات وفقاً للضمانات المقررة فى القانون بمعناه الواسع وتبتعد محاكم أمن الدولة (طوارئ) عن مفترضات القاضى الطبيعى ومنها:
1- دوام المحكمة المعهود لها بنظر النزاع، وهو ما تفتقده محاكم أمن الدولة (طوارئ) حيث يرتبط وجودها بفترة تطبيق قانون الطوارئ.
2- المساواة بين الأفراد كمبدأ دستورى، فالمحاكم الاستثنائية بنظرها منازعات بعينها، تهدر تلك المساواة بالنسبة للفئة التى يفرض عليها طرح منازعاتها على غير القضاء العادى ويختلط بهذا الإهدار اهتزاز الثقة فى القضاء العادى، مما يسئ لاستقلاله ويشكل افتئاتاً على سلطته.
3- إن شئون القضاء – من حيث توزيع العمل بين قضاة المحاكم ومستشاريها – تكون فى يد الهيئات القضائية ذاتها عن طريق الجمعيات العمومية للمحاكم كما قننها قانون السلطة القضائية (فى المادة 30 من القانون 46/72 بشأن السلطة القضائية)، وفى المقابل يكون تعيين القضاة والمستشارين بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأى وزير العدل (م7 طوارئ) بما يوحى بالاختيار المقصود وبما قد يضع الشك فى قلب الأفراد من ناحية نزاهة القاضى وعدم تأثره باتجاهات السلطة التنفيذية.
وقد أوضح مؤتمر العدالة المنعقد فى إبريل 1986 فى توصياته: “أن كل قانون يحرم مواطناً من المواطنين الحق فى الالتجاء إلى قاضيهم الطبيعى وذلك بإنشاء قضاء استثنائى يحل – بالنسبة لهم – محل القضاء الطبيعى، هو بالضرورة قانون غير دستورى لإخلاله بمبدأ المساواة الذى قررته المادة 40 من الدستور.”
ولا مبرر مطلقاً لحرمان الفرد من اللجوء إلى القضاء العادى بالنسبة لجرائم القانون العام، ولا مبرر أيضاً للتوسع فى اختصاص المحاكم الاستثنائية بهذه الجرائم، لما يمثله ذلك من عدوان من قبل السلطة التنفيذية على ولاية السلطة القضائية، بإصدار أوامر بإحالة كثير من جرائم القانون العام إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ”، بما يقلص من دور المحاكم ذات الولاية العامة، ويؤدى إلى أن تكون المحاكم الاستثنائية أكثر اتساعاً وأظهر اختصاصاً بما يعكسه من أسوأ الأثر على الحقوق والحريات العامة للمواطنين.
يقتضى احترام مبدأ الشرعية الجنائية أن يكون التنظيم القضائى الجنائى واضحاً، وأن تكون القواعد التى تحكم الاختصاص محددة سلفاً بواسطة القانون وفقاً لمعايير موضوعية مجردة، بحيث لا تخضع للظروف أو للأهواء السياسية وضماناً لذلك فقد قرر الدستور المصرى لسنة 1971 فى المادة 167 منه على أن القانون هو الذى يحدد الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم، إلا أن الشارع المصرى خرج عن هذا المبدأ الهام فى قانون الطوارئ، على النحو الذى مس فيه الحرية الشخصية والحقوق المكتسبة التى أسبغ عليها مبدأ الشرعية الحماية والاحترام، حين لم يحدد اختصاص محاكم أمن الدولة “طوارئ” سلفاً على نحو ثابت غير متغير بجرائم معينة بواسطة القانون وفقا لمعايير موضوعية مجردة، بل جعل مناط الاختصاص فى يد رئيس الجمهورية أو سلطة الاتهام أو الإحالة إذ نصت الفقرة الثانية من المادة السابعة من قانون الطوارئ على اختصاص محكمة أمن الدولة العليا بالجرائم التى يعينها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أيا كانت العقوبة المقررة لها. كما نصت المادة التاسعة منه على أنه “يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام.”
والواقع أن هذا الاختصاص المزدوج بين المحاكم العادية، ومحاكم أمن الدولة “طوارئ” – المتفاوتين فى الضمانات – وجعل مناط الاختصاص فى يد رئيس الجمهورية أو سلطة الاتهام أو الإحالة إنما يتعارض بلا شك مع أصول الشرعية الإجرائية لأسباب ثلاثة وهى:
1- إن اختصاص المحاكم يجب أن يتحدد سلفاً بواسطة القانون وفقاً لمعايير موضوعية مجردة لا أن يكون متوقفاً على مشيئة سلطة معينة.
2- أنه لا يجوز لأية سلطة أن تنتزع الدعوى من قاضيها الطبيعى إلى محكمة أخرى.
3- ينطوى هذا الاختصاص المزدوج على إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون الذى قررته المادة 40 من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 فى قولها أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ” ذلك لأنه يجعل حظ المواطنين فى مدى التمتع بالضمانات – التى تتوافر بدرجة كبيرة فى المحاكم العادية عن محاكم أمن الدولة “طوارئ” – متوقف على مشيئة سلطة رئيس الجمهورية أو سلطة الاتهام أو سلطة الإحالة بما قد يجعل هذا التنظيم التشريعى لتحديد الاختصاص لمحاكم أمن الدولة طوارئ بنوعيها يتعارض مع مبدأى استقلال القضاء (المادة 165، المادة 166 من الدستور) والمساواة أمام القانون (المادة 40 من الدستور).
3- منح الحاكم العسكرى اختصاصات قضائية يتعارض مع الدستور (م 12، 13):
حيث يخل ذلك بمبدأ الفصل بين السلطات حين خول رئيس الجمهورية اختصاصات قضائية متعددة مخالفاً بذلك نصوص الدستور التى لم تخول رئيس الجمهورية أى اختصاص قضائى (المادة 73، 137، 152) وخالف نصوصه التى حصرت السلطة القضائية فى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها” (المادة 165 من الدستور) وأهدر المادة 166 التى نصت على أن “القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل فى القضايا وفى شئون العدالة”.
وأهم الاختصاصات القضائية التى خولها قانون الطوارئ لرئيس الجمهورية ما يلى:
1- حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة (م 13/1 طوارئ) وهو ما يعنى الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، حيث الفرض فى هذه الحالة – أنه قد أجرى تحقيقا فيها وهذا الأمر ذو طابع قضائى باعتباره التصرف فى التحقيق الذى هو بطبيعته عمل قضائى.
2- الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم، قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة (م 13/2 طوارئ) وهو أمر بطبيعته ذو “طابع قضائى”. ومن حيث إهداره لاستقلال القضاء – الذى قررته م 166 من الدستور فيظهر هذا من تخويل رئيس الجمهورية اختصاصاً قضائياً يعلو به القضاء ويتيح له أن ينقض عليه فأحكام محاكم أمن الدولة (طوارئ) لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية (م 12 طوارئ).
4- تنظيم أوضاع تمس بالحرية الشخصية بأداة أدنى من القانون يتعارض مع الدستور:
تولت المادة العاشرة من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 بيان إجراءات وقواعد تحقيق القضايا التى تدخل فى اختصاص محاكم أمن الدولة “طوارئ” وذلك فى قولها أنه “فيما عدا ما هو منصوص عليه من إجراءات وقواعد فى المواد التالية أو فى الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية تطبق أحكام القوانين المعمول بها على تحقيق القضايا التى تختص بالفصل فيها محاكم أمن الدولة وإجراءات نظرها والحكم فيها وتنفيذ العقوبات المقضى بها ويكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها ولقاضى التحقيق ولغرفة الاتهام (قاضى الإحالة) بمقتضى هذه القوانين.”
ويعنى ذلك أن النيابة العامة هى وحدها التى لها سلطة الاتهام والتحقيق الابتدائى فى الجرائم التى تختص بها محاكم أمن الدولة “طوارئ” طالما لم يصدر قرار من رئيس الجمهورية بإحالة الدعوى إلى القضاء العسكرى طبقاً للمادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 ويكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها، ولقاضى التحقيق ولغرفة الاتهام بموجب القواعد المقرة فى هذا الشأن وهى تطبيق أحكام القوانين المعمول بها على تحقيق القضايا التى تدخل فى اختصاص محاكم أمن الدولة وإجراءات نظرها والحكم فيها وتنفيذ العقوبات المقضى بها فيما عدا ما هو منصوص عليه من إجراءات وقواعد فى قانون الطوارئ أو فى الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه
ولا شك أن المادة العاشرة من قانون الطوارئ تكاد تحرم المتهم من كافة الضمانات المقررة فى قانون الإجراءات الجنائية فى مرحلة التحقيق الابتدائى حيث ركزت كل الاختصاصات المخولة لجهة تحقيق تعتبر أعلى فى الضمان من جهة النيابة العامة فى يد هذه الجهة أى النيابة العامة مما كان له أسوأ الأثر فى انحسار الضمانات التى قررها الدستور والقانون للمتهم فى مرحلة التحقيق الابتدائى ومن ثم إهدار حريته الشخصية وحقوق الفردية، وهو ما زال بريئاً لم تثبت إدانته بعد بحكم نهائى فى محاكمة قانونية تكفل له ضمانات الدفاع عن نفسه طبقاً للمادة 66 من الدستور.
من المقرر أن السلطة التنفيذية لا تملك بواسطة اللوائح أن تجرى أى تعديل على التنظيم التشريعى للحريات، وتحديد إجراءات المحاكمات وفقا للمادة 10 من قانون الطوارئ أدخل ما يكون فى نطاق التنظيم التشريعى للحريات، بما يشكله من الانتقاص من الضمانات المقررة لحماية المتهم. ولا يتعدى دور التنظيم اللائحى الدور التابع لما يحدده القانون والدستور، وليس له أى اختصاص أصيل فى التنظيم التشريعى للحريات. ويخلص د/ أبو الفتوح – ونحن معه – إلى أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية بقرار لائحى سواء فى الظروف العادية أو الاستثنائية أن تتولى تنظيم خصومة جنائية سواء من حيث سير إجراءاتها أو من حيث الإحالة إلى المحاكم أو الاختصاص القضائى بنظرها، وكل تنظيم إجرائى يصدر بلائحة لأى وجه من الوجوه أو لأية مرحلة من مراحل الخصومة الجنائية يكون مخالفاً لمبدأ الشرعية الجنائية، فكل ما يتعلق بضمانات الحرية الشخصية يجب ألا يترك تنظيمه لإرادة السلطة التنفيذية، وإنما يتعين إسناد هذا التنظيم إلى المشرع وحده ضماناً لعدم العصف بها من جانب السلطة التنفيذية. ولما كان مبدأ تنظيم الحريات بقانون هو من المبادئ الدستورية العامة التى حرص على تأكيدها الدستور الحالى، فإن أى قرار صادر من السلطة التنفيذية يعالج أمراً يتعلق بالخصومة الجنائية يكون مشوبا بعدم الدستورية، حتى لو كان صادراً بتفويض من السلطة التشريعية، إذ أنه لا يجوز للمشرع أن يتنازل عن اختصاصه بتحديد قواعد الإجراءات الجنائية بجميع أنواعها، وذلك لارتباطها بالحرية الشخصية للمواطنين، فإذا جاء القانون وفوض السلطة التنفيذية فى وضع قواعد إجرائية معينة، فإنه يكون مخالفاً للدستور. وبذلك يكون قانون الطوارئ قد خالف الدستور فيما تضمنه من نصوص خولت لرئيس الجمهورية إصدار أوامر مما تدخل فى اختصاص السلطة التشريعية، وهى التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية.
5- أوجه العوار الدستورى للمادة 12 من قانون الطوارئ:
نصت المادة 12 من قانون الطوارئ على أنه “لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه فى الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة، ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية…”
ويستفاد من هذا النص أن أحكام محاكم أمن الدولة “طوارئ” لا يجوز الطعن فيها بأى وجه من الوجوه، كما أنها لا تحوز أية حجية طالما أنها فى مرحلة التصديق عليها من رئيس الجمهورية، أما بعد التصديق عليها فإنها تحوز حجية الشيء المحكوم به، بحيث لا يجوز إعادة المحاكمة عن نفس الفعل – موضوع قضائها – أمام أية محكمة أخرى.
إلا أن رئيس الجمهورية لا يراجع الأحكام التى تصدرها محاكم أمن الدولة “طوارئ” ولا يقرها أو يرفضها بنفسه بل بواسطة المفوض عنه ومعاونيه من القضاة وقد يكون هؤلاء القضاة أقل درجة من القضاة الذين أصدروا الأحكام ولنأخذ مثالاً لذلك؛ الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة العليا “طوارئ” فهى تعد فى منزلة الأحكام التى تصدرها محاكم الجنايات وبالتالى فهى مشكلة من مستشارين بل قد يكون رئيسها بدرجة “رئيس استئناف” قد يراجعها قضاة بدرجة “رئيس محكمة” التى تعتبر دون درجة “المستشار” وفقاً لقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 والقوانين المعدلة له على النحو الذى يكون من شأنه الإخلال الجسيم بحسن سير العدالة الجنائية حيث نصت المادة 16 من قانون الطوارئ على أنه “يندب رئيس الجمهورية بقرار منه أحد مستشارى محكمة الاستئناف أو أحد المحامين العامين على أن يعاونه عدد كاف من القضاة والموظفين وتكون مهمته التثبت من صحة الإجراءات وفحص تظلمات ذوى الشأن وإبداء الرأى ويودع المستشار أو المحامى العام فى كل جناية مذكرة مسببة برأيه ترفع إلى رئيس الجمهورية قبل التصديق على الحكم وفى أحوال الاستعجال يجوز للمستشار أو المحامى العام الاقتصار على تسجيل رأيه كتابة على هامش الحكم “.
وتتضح طبيعتها الاستثنائية مما قرره قانون الطوارئ بعدم جواز الطعن – بأى وجه من الوجوه – فى الأحكام الصادرة منها (م 12 طوارئ) مما يعنى عدم خضوعها لرقابة محكمة النقض، الأمر الذى يخل “بوحدة القضاء الجنائى المصرى”، ويحرم الخاضعين له من الضمانات التى ترتبط بما تقرره محكمة النقض من ضوابط للتطبيق القضائى والتى من شأنها كفالة المساواة بين المواطنين أمام القضاء.
1- عدم دستورية ما تقرره المادة من حظر الطعن بالنقض على أحكام محاكم أمن الدولة طوارئ بما يهدر قرينة البراءة ويخل بحق الدفاع، ويشكل قضاءًا مبتسرًا ويخل بقاعدة المساواة:
يستهدف الطعن بالنقض توحيد تفسير وتطبيق القانون، وجميع المحكوم ضدهم يكونون فى مركز قانونى واحد بالنسبة لموضوع توحيد تفسير وتطبيق القانون، بغض النظر عن الاختلاف فى النظم القانونية التى تشكل المحاكم المختلفة ما بين محاكم عادية أو خاصة أو حتى استثنائية أو عسكرية، ومن ثم يقتضى مبدأ المساواة معاملتهم بخصوص وحدة التفسير والتطبيق والتأويل للنصوص القانونية فتح باب الطعن بالنقض أمامهم جميعا كمبدأ دستورى.
2- عدم دستورية ما تقرره المادة من حظر الطعن على الأحكام الجنائية التى تصدر من محاكم أمن الدولة طوارئ والتى تتضمن مساس بالحرية الشخصية وقد تتضمن مساسا بالحق فى الحياة بما يهدر قرينة البراءة ويخل بحق الدفاع، ويشكل قضاءًا مبتسرًا:
إن الحس القانونى والدستورى يستلزم فى مثل هذه الحالات إجازة الطعن أمام محاكم أعلى بالمعارضة والاستئناف والنقض (فى حالة الجنح)، والطعن بالنقض فى حالة الجنايات. وتقرر هذا الطعن كضمانة لحرية المتهمين وحفاظا على حقوقهم، ويأتى الحظر الوارد فى المادة الطعينة ليتسم بعدم الدستورية وهذا الفهم كان وراء ما تضمنته نصوص العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية فى المادة 14/5 منها من أن “لكل شخص أدين بجريمة حق اللجوء، وفقاً للقانون، إلى محكمة أعلى كيما تعيد النظر فى قرار أدانته وفى العقاب الذى حكم به عليه.” ويستفاد من هذا النص أنه قد اعترف لكل شخص حكم بإدانته فى جريمة بالحق فى الطعن فى هذا الحكم أمام محكمة أعلى من تلك التى أصدرت هذا الحكم، طعناً بمقتضاه يعاد النظر مرة أخرى فى حكم الإدانة وأيضاً فى العقوبة المحكوم بها.
وهذا النص يقطع بأن للمتهم حقاً لا يداخله شك فى أن تنظر قضيته على درجتين، يستوى فى ذلك أن يكون متهماً فى مخالفة أو جنحة أو حتى جناية (كانت الجنايات قبل عام 25 فى مصر تنظر أمام درجتين قضائيتين). ولا وجه للقول بأن المقصود من النص هو الطعن بالنقض؛ وذلك لأن الطعن بالنقض لا يعيد طرح النزاع مرة أخرى أمام محكمة النقض على اعتبار أن هذه الأخيرة ليست محكمة وقائع، وإنما هى محكمة قانون. ومقتضى هذا النص لزوم أن يترتب على الالتجاء إلى محكمة أعلى إعادة طرح القضية بوقائعها مرة أخرى أمامها، حتى يتسنى لها تصحيح ما أصاب حكم أول درجة من شطط، وأن تزيل ما حاق به من خطأ، فتلغى الإدانة أو تخفف العقوبة، وهذا ليس من وظيفة ولا من شأن محكمة النقض. ولا يقدح فى ذلك وجود حالات يعاد فيها طرح النزاع برمته أمام محكمة النقض، لأن هذه الحالة من الحالات الاستثنائية المحدودة الواردة حصراً فى القانون، فلا يسرى كأصل عام على جميع القضايا المعروضة على محكمة النقض، وفى المقابل تعترف المعاهدة بوجوب الطعن فى حكم أول درجة فى جميع الحالات بدون استثناء. وبذلك نخلص فى تحديدنا لنطاق نص المعاهدة المذكور إلى أن الطعن أمام محكمة النقض ليس هو المقصود فى هذا النص، كما أنه لا يستجيب لكامل مقتضيات النص.
والنص الطعين لا يستجيب لمقتضيات المحاكمة المنصفة. ولذلك قرر المؤتمر العالمى لاستقلال العدل الذى عقد فى مونتريال بكندا فى الفترة من 5-10 يونيو 1983 بأنه فى مجال أوقات الطوارئ يتعين أن تجرى محاكمة المدنيين المتهمين بارتكاب جرائم مدنية أياً كان نوعها أمام محاكم مدنية عادية، وأن تقتصر ولاية المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية التى يرتكبها أفراد عسكريون، ويكفل للمتهم دائما حق استئناف هذه الأحكام أمام جهة أو محكمة استئنافية مؤهلةً قانوناً. وأوصى مؤتمر العدالة الأول المنعقد فى القاهرة من 21 – 24 إبريل 1986 بقصر اختصاص القضاء العسكرى على الجرائم العسكرية فى مدلولها الصحيح، وهى الجرائم التى يرتكبها عسكريون إخلالاً بمقتضيات النظام العسكرى. وتبنى المؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائى المعقود فى القاهرة فى الفترة من 14 – 15 مارس 1987 توصية تتضمن أن “القضاء العسكرى قضاء طبيعى فيما يتعلق بمحاكمة العسكريين فى الجرائم العسكرية البحتة.”
3- انتفاء أية ضرورة اجتماعية لإنشاء محاكم استثنائية ولتحديد إجراءاتها على هذا النحو:
وفى الواقع أن إنشاء محاكم استثنائية ليس نتيجة حتمية لتطبيق قوانين الأزمات ففى غير قليل من الدول لا محل لمثل هذه المحاكم حيث تنظر المحاكم العادية المنازعات التى تثور بصدد تطبيق قوانين الأزمات، مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
ولا يوجد أى مبرر قانونى مقنع يمكن أن يساق لتأييد إقامة مثل هذا النظام الذى لا يتفق مع نظام قضائى بالمعنى الصحيح. ولو كان الأمر أمر حسم خصومة قضائية لوجب أن يترك ذلك للقضاء العادى فى جميع الظروف والأوقات سواء فى الظروف العادية أو فى الظروف الاستثنائية على حد سواء.
وهناك من التشريعات ما حظرت إنشاء محاكم استثنائية سواء فى الظروف العادية أو فى غيرها وأوضح مثل على ذلك الدستور الإيطالي الصادر عام 1947 حيث نص فى المادة 102 منه على أنه يباشر الوظيفة القضائية قضاه عاديين يختارون وفقاً للوائح التنظيم التى تنظم نشاطها ولا يجوز أن يعين قضاه استثنائيين وقضاة خاصين…”
وقد أكدت الوثائق العالمية والمحلية على ضرورة حظر إنشاء مثل هذه المحاكم فوفقاً للمادة السادسة من الإعلان العالمى لاستقلال القضاء الصادر فى “مونتريال” فى إطار منظمة الأمم المتحدة “لا تنشأ أية محكمة استثنائية ” وأوصى مؤتمر العدالة الأول المنعقد بالقاهرة فى 1986 بإلغاء المحاكم الاستثنائية ومنها محاكم “أمن الدولة” المنشأة وفقا لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 58.
4- المحاكم الاستثنائية لا تنتمى إلى القضاء الجنائى العام:
لا تعتبر محاكم أمن الدولة التى تستند فى وجودها إلى قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 محاكم عادية ذات ولاية خاصة كمحاكم أمن الدولة الدائمة المنشأة طبقاً للقانون رقم 105 لسنة 1980، وإنما هى فى حقيقتها محاكم استثنائية موقوتة بحالة الطوارئ كما أسلفنا، ومن ثم فإن ولايتها تنحصر فى الجرائم التى تختص بنظرها دون غيرها، وفى فترة سريان قانون الطوارئ فقط، فلا ولاية قضائية لها حتى بالنسبة إلى تلك الجرائم متى انتهت حالة الطوارئ، وكل حكم يصدر خلافاً لحدود هذه الولاية يعتبر منعدماً قانوناً مع مراعاة التحفظ الوارد فى نص المادة 19 من قانون الطوارئ، وبالتالى فهى لا تنتمى إلى القضاء الجنائى العام حيث يتخلف فيها عنصر الدوام والاستمرار – إحدى المقومات الأساسية للقضاء العادى – إذ تبقى ما بقيت حالة الطوارئ وتنتهى بانتهائها أو على وجه الدقة أن وجودها واستمرارها مرهون بفترة معينة وهى قيام حالة الطوارئ التى تفترض ظروفاً استثنائيةً يمر بها الوطن واستمرار نفاذها فولايتها القضائية تكن موقوتة بهذه المرحلة، وبالتالى فهى محكمة استثنائية، بحيث إذا زالت هذه الحالة انحسر اختصاص هذه المحاكم بقوة القانون عن جرائم القانون العام لكى تعود إلى قاضيها الطبيعى كما أن أحكامها لا تقبل الطعن بأى وجه من الوجوه بل تصبح نهائية بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية وعلى وجه الخصوص فهى غير خاضعة لرقابة محكمة النقض، مما لا يتاح لها أن تلزمها بالضوابط والاتجاهات العامة للقضاء، وأن تفرض عليها الالتزام بالمبادئ الأساسية للعمل القضائى.
5- تخضع لتنظيم إجرائى ينتقص من الضمانات المقرة للمتهم:
أن التنظيم الإجرائى للمحاكم الاستثنائية مختلف عن المحاكم العادية والخاصة، ويتمثل هذا الاختلاف فى اتجاه هذا التنظيم نحو الانتقاص من الضمانات الممنوحة للمتهم، حيث يسلبه حقه فى الطعن على أحكامها، وتملك النيابة سلطات أوسع نطاقاً عما تملكه فى الظروف العادية، وتلعب السلطة التنفيذية دوراً بارزاً فى التصديق على الأحكام وفى الإحالة وفى تشكيل المحاكم، وفى توزيع الاختصاص.
وهكذا يبين لنا بجلاء أنه يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أثناء إعلان حالة الطوارئ فى البلاد أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة ما يراه هو من جرائم القانون العام كيفما شاء، دون الالتزام بأى معايير موضوعية مجردة فى القانون وسوء أكانت جنايات أم جنح أم مخالفات، وسواء أكانت منصوصاً عليها فى قانون العقوبات أم فى أى قانون أخر ودون ما بيان لعله تلك الإحالة وقد تكون لا صلة لها مطلقاً بالسبب الذى من أجله أعلنت حالة الطوارئ مما كان محلاً لاعتراضات كثيرة.
وجدير بالذكر أن هذه الطائفة من الجرائم التى نصت عليها تلك القرارات والأوامر الجمهورية سالفة الذكر، والتى صدرت استناداً إلى المادة التاسعة من قانون الطوارئ لا يرتبط تجريمها البتة بقيام حالة الطوارئ أو يزول عنها هذا الوصف بعد انقضاء تلك الحالة وإنما تبقى قائمة بكل آثارها العقابية كما هى منصوص عليها فى قانون العقوبات أو فى قانون آخر إلى أن يلغيها أو يعدلها المشرع بالطرق المقررة قانوناً خلافاً للوضع بالنسبة إلى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه استناداً إلى المادة الثالثة من قانون الطوارئ إذ يزول عنها – على الفور – وصف التجريم بانتهاء حالة الطوارئ حالة كونها تتضمن أفعالاً ليست مؤثمة فى القانون العام.
والواقع أن هذا الاختصاص المزدوج بين المحاكم العادية، ومحاكم أمن الدولة “طوارئ” – المتفاوتين فى الضمانات – وجعل مناط الاختصاص فى يد سلطة الاتهام أو الإحالة إنما يتعارض بلا شك مع أصول الشرعية الإجرائية لما سلف من أسباب.
وعلى هذا جرى قضاء محكمة النقض فتقول مثلاً فى أحد أحكامها أنه:
لما كانت النيابة كسلطة اتهام قد قبلت الحكم فحاز قوة الأمر المقضى بالنسبة لها ولم يجز لها الطعن فيه بهذه الصفة فإنها كذلك لا تنتصب عن المتهم فى صورة الدعوى لأنه لا مصلحة له فى أن يحاكم أمام محكمة أمن الدولة المشكلة وفقاً لقانون الطوارئ لأن فى ذلك إساءة إلى مركز المتهم (المطعون ضده) الذى لا يصح أن يضار بالاستئناف المرفوع منه وحده، على ما تنص بذلك المادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية ذلك بأن مصلحته تستوجب – فى صورة الدعوى – أن يحاكم أمام المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة فى نظر كافة الجرائم والدعاوى إلا ما استثنى بنص خاص. لان الشارع وقد أحاط هذه المحاكم بضمانات متمثلة فى تشكيلها من عناصر قضائية صرف، ومن تعدد درجاتها، ومن الحق في الطعن في أحكامها بطريق النقض متي توافرت شروطه، ولا تتوافر الضمانات تلك فى قضاء الطوارئ؛ فانه لا مراء فى انعدام مصلحة المتهم فى الطعن الماثل، وبالتالى انعدام صفة النيابة العامة فى الانتصاب عنه فى طعنها، وما دامت لم تنع على الحكم قضاءه بالإدانة لصالح المتهم ذاك، ومن ثم فإن طعن النيابة يكون قائماً على مجرد مصلحة نظرية صرف لا يؤبه لها.
ثانياً: عدم دستورية الأمر رقم 1 لسنة 1981 بتحديد اختصاصات محاكم أمن الدولة “طوارئ”
يقتضى احترام مبدأ الشرعية الجنائية أن يكون التنظيم القضائى الجنائى واضحاًُ، وأن تكون القواعد التى تحكم الاختصاص محددة سلفاً بواسطة القانون وفقاً لمعايير موضوعية مجردة، بحيث لا تخضع للظروف أو للأهواء السياسية وضماناً لذلك فقد قرر الدستور المصرى لسنة 1971 فى المادة 167 منه على أن القانون هو الذى يحدد الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها ويبين شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم، إلا أن الشارع المصرى خرج عن هذا المبدأ الهام فى قانون الطوارئ، على النحو الذى مس فيه الحرية الشخصية والحقوق المكتسبة التى أسبغ عليها مبدأ الشرعية الحماية والاحترام، حين لم يحدد اختصاص محاكم أمن الدولة “طوارئ” سلفاً على نحو ثابت غير متغير بجرائم معينة بواسطة القانون وفقاً لمعايير موضوعية مجردة، بل جعل مناط الاختصاص فى يد سلطة الاتهام أو الإحالة إذ نصت المادة التاسعة منه على أنه “يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام.”
عقد قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 لمحاكم أمن الدولة “طوارئ” اختصاصاً أصيلاً وثابتاً وهو الفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه بالتطبيق لقانون الطوارئ، ولما كان اختصاص محاكم أمن الدولة هو فى أساسه اختصاص استثنائى ومن ثم يتعين عدم التوسع فيه وقصره على ما يحقق الغاية من إعلان حالة الطوارئ، ولذا فإنه كان يجب أن يقف اختصاص محاكم أمن الدولة “طوارئ” عند تلك الجرائم المشار إليها إلا أن المشرع أجاز أن يناط بتلك المحاكم اختصاصات أخرى بالفصل فى الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام وهذه الاختصاصات تختلف وتتغير بحسب تقدير السلطة المختصة بإحالة تلك الجرائم إلى محاكم أمن الدولة المذكورة وذلك طبقاً للمادة التاسعة من قانون الطوارئ.
وبتاريخ 14 مايو 1980 صدر قرار رئيس الجمهورية مصر العربية رقم 207 لسنة 1980 بإنهاء حالة الطوارئ، وبعد اغتيال السادات فى 6 أكتوبر سنة 1981 صدر قرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 560 لسنة 1981 بإعلان حالة الطوارئ فى جميع أنحاء البلاد، وعلى ضوء ذلك صدر أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981 فى 22 أكتوبر سنة 1981 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ” والمعدل بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004 الصادر فى 19 يناير 2004 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 3 مكرر (أ) فى ذات التاريخ
يحدد ذلك أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981 فى 22 أكتوبر سنة 1981 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ” الذى ما زال ساريا حتى الآن حيث قرر فى المادة الأولى منه على أنه “تحيل النيابة العامة إلى محاكم أمن الدولة “طوارئ” المشكلة طبقا لقانون الطوارئ الجرائم الآتية:
(أولا): الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الجنايات المنصوص عليها فى الأبواب الأول، والثانى، والثانى مكرر، من الكتاب الثانى من قانون العقوبات. وفى المواد 172، 174، 175، 176، 177، 179 من قانون العقوبات.
(ثانيا): الجرائم المنصوص عليها فى المواد من 163 إلى 170 من قانون العقوبات بشأن تعطيل المواصلات. (ألغى هذا البند بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004 الصادر فى 19 يناير 2004 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 3 مكرر (أ) فى ذات التاريخ)
(ثالثا): الجرائم المنصوص عليها فى القانون رقم 394 لسنة 1958 فى شأن الأسلحة والذخائر والقوانين المعدلة له. (وينطبق هذا البند على قرار الاحالة)
(رابعا): الجرائم المنصوص عليها فى القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر وفى القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات (وينطبق هذا البند على قرار الاحالة) (وفى القانون رقم 85 لسنة 1949 الخاص بحفظ النظام فى معاهد التعليم وفى القانون رقم 34 لسنة 1972 بشأن حماية الوحدة الوطنية (ألغت المواد 2، 3، 9 من القانون رقم 34 لسنة 1972 بموجب المادة 32 من القانون رقم 40 لسنة 1977، ثم الغي القانون رقم 34 لسنة 1972 برمته بموجب المادة 1 من القانون رقم 194 لسنة 1983)، وفى القانون رقم 2 لسنة 1977 بشأن حماية حرية الوطن والمواطن (ألغت المادة 2 من القانون رقم 2 لسنة 1977 بموجب المادة 32 من القانون رقم 40 لسنة 1977، ثم الغي القرار بقانون رقم 2 لسنة 1977 برمته بموجب المادة 1 من القانون رقم 194 لسنة 1983)، وفى القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية والقوانين المعدلة له) ألغى ما بين القوسين بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004
(خامسا): الجرائم المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بالتسعير الجبرى وتحديد الأرباح والقرارات المنفذة لهما”. . (ألغى هذا البند بأمر رئيس الجمهورية رقم 1/2004)
وهكذا يبين لنا بجلاء أنه يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أثناء إعلان حالة الطوارئ فى البلاد أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة ما يراه هو من جرائم القانون العام كيفما شاء، دون الالتزام بأى معايير موضوعية مجردة فى القانون وسوء أكانت جنايات أم جنح أم مخالفات، وسواء أكانت منصوصاً عليها فى قانون العقوبات أم فى أى قانون أخر ودون ما بيان لعلة تلك الإحالة وقد تكون لا صلة لها مطلقاً بالسبب الذى من أجله أعلنت حالة الطوارئ مما كان محلاً لاعتراضات كثيرة.
وجدير بالذكر أن هذه الطائفة من الجرائم التى نصت عليها تلك القرارات والأوامر الجمهورية سالفة الذكر، والتى صدرت استناداً إلى المادة التاسعة من قانون الطوارئ لا يرتبط تجريمها البتة بقيام حالة الطوارئ أو يزول عنها هذا الوصف بعد انقضاء تلك الحالة وإنما تبقى قائمة بكل أثارها العقابية كما هى منصوص عليها فى قانون العقوبات أو فى قانون آخر إلى أن يلغيها أو يعدلها المشرع بالطرق المقررة قانوناً خلافاً للوضع بالنسبة إلى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه استناداً إلى المادة الثالثة من قانون الطوارئ إذا يزول عنها – على الفور – وصف التجريم بانتهاء حالة الطوارئ حالة كونها تتضمن أفعالاً ليست مؤثمة فى القانون العام.
والواقع أن هذا الاختصاص المزدوج بين المحاكم العادية، ومحاكم أمن الدولة “طوارئ” – المتفاوتين فى الضمانات – وجعل مناط الاختصاص فى يد سلطة الاتهام أو الإحالة إنما يتعارض بلا شك مع أصول الشرعية الإجرائية لأسباب سالفة الذكر.
ويضاف إلى ذلك من المستقر عليه من قبل المحكمة الدستورية العليا من أن تنظيم الهيئات القضائية وتحديد اختصاصاتها إنما يعد من ضمن القوانين المكملة للدستور والتى يستوجب الدستور عرضها على مجلس الشورى وفقاً للبند الثانى من المادة 195 من الدستور وهو الأمر المنتفى فى حالة الأمر الطعين.
ثالثا: عدم دستورية المادة 214 أ.ج لتعارضها مع المواد 70، 41، 195 من الدستور:
منحت هذه المادة بعد تعديلها بالقرار بقانون رقم 170/1980 للنيابة العامة إحالة الجنايات إلى محكمة الجنايات مع إلغاء مستشار الإحالة.
وكان قضاء الإحالة ضمانة أساسية فى النظام الجنائى، حرص الدستور المصرى الصادر عام 1971 على تأكيدها، فنص فى المادة 70 على أن “لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التى يحددها القانون”. وتفسير كلمة “الدعوى الجنائية” فى ضوء الأعمال التحضيرية لمشروع الدستور ينصرف فحسب إلى الدعوى العمومية فى الجنايات، كما أن مدلول “الجهة القضائية” لا ينصرف إلى مطلق الهيئة القضائية، بل إلى جهات القضاء بالمعنى الفنى الدقيق. ومن ثم فقد استهدف المشرع الدستورى إضفاء الطابع القضائى على الإحالة ليوفر ضمانات استقلال الإحالة عن التحقيق. وهذا ما حدا برأى فى الفقه المصرى فى تبريره لأهمية وجود قضاء الإحالة فى مواد الجنايات إلى القول بأن “القرار الصادر من رئيس الجمهورية بقانون رقم 170 لسنة 1981 والذى ألغى مرحلة الإحالة فى مواد الجنايات، غير دستورى، فقد صدر قبل أيام من انعقاد مجلس الشعب، وليست له صفة الاستعجال، فضلا عن أن القوانين الجنائية لا يجوز أن تصدر من السلطة التنفيذية لمساسها بالحرية الشخصية”.
النصوص الطعينة جميعها تنتهك الحرية الشخصية:-
تعد هذه المواد متعارضة مع المادة 41 من الدستور التى تحمى الحرية الشخصية والتى تشتد الحاجة إلى كفالتها فى مجال الاتهام الجنائى فكل ما يخل بضمانات المحكمة المنصفة أو حق الدفاع إنما ينطوى بالضرورة على مساس بالحرية الشخصية.
النصوص الطعينة تخل بالقوة الملزمة دستوريا للمعاهدات الدولية:-
بعد التصديق منذ عام 1981 على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية بقرار رئيس الجمهورية رقم 537/81، تلك الاتفاقية التى تكفل مادتها 14/5 لكل متهم حق التقاضى على درجتين، فأصبحت بذلك النصوص الطعينة تتناقض مع المادة 151 من الدستور، والتى تجعل للمعاهدة الدولية قوة القانون، طالما تم التصديق عليها ونشرت فى الجريدة الرسمية، علماً بأن الاتفاقية نشرت فى الجريدة الرسمية بالعدد رقم 14 الصادر فى 8 إبريل 82. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأن ورود هذا المبدأ فى الاتفاقية الدولية دلالة قاطعة على اعتباره واحد من مقتضيات الديمقراطية.
وعلى ذلك فإن عدم جواز الطعن على أحكام محاكم أمن الدولة طوارئ إنما يمثل إخلالاً بالمادة 14/5 من الاتفاقية وينطوى تبعاً لذلك على مخالفة لمقتضى المادة 151 من الدستور. فوفقاً لها يكون للمعاهدة الدولية قوة القانون، بعد تصديق رئيس الجمهورية عليها، وعرضها على مجلس الشعب ونشرها وفقا للأوضاع المقررة. ولما كانت الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية قد تم التصديق عليها منذ عام 81، وتم نشرها بالجريدة الرسمية على نحو ما تقضى به المادة 188 من الدستور، فأنها تكون بذلك قد أصبحت لها قوة القانون، وتكون واجبة التطبيق فوراً دون حاجة لصدور قانون خاص يقضى بإدخالها أو إدماجها فى القانون الداخلى.
والاستمرار فى إعمال النص الطعين على الرغم من ذلك يمثل خرقاً لمقتضى نص المادة 151 من الدستور، حيث يفرغه من محتواه، ويجرده من مضمونه.
المواد الطعينة جميعها تتعارض مع مبدأ خضوع الدولة للقانون المقرر دستورياً بالمادة 65 من الدستور: استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن على أن:
“وحيث أن الدستور إذ نص فى المادة 65 منه على خضوع الدولة للقانون وأن استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – وأياً كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، ذلك أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، ولكنها تباشر نيابة عن الجماعة ولصالحها، ولئن ثم القول بأن السلطة لا تعتبر مشروعة ما لم تكن وليدة الإرادة الشعبية وتعبيراً عنها، إلا أن انبثاق هذه السلطة عن تلك الإرادة وارتكازها عليها لا يفيد بالضرورة أن من يمارسها مقيدة بقواعد قانونية تكون عاصماً من جموحها وضماناً لردها على أعقابها إن هى جاوزتها متخطية حدودها، وكان حتماً بالتالى أن تقوم الدولة فى مفهومها المعاصر – وخاصة فى مجال توجهها نحو الحرية – على مبدأ مشروعية السلطة مقترناً ومعززاً بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدأين متكاملان لا تقوم بدونهما المشروعية فى أكثر جوانبها أهمية، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها فى إطار من المشروعية، وهى ضمان يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محوراً لكل تنظيم، وحداً لكل سلطة، ورادعاً ضد العدوان ”
وترتيباً على ما تقدم فأنه مما ينافى مفهوم الدولة القانونية على النحو السالف بيانه ما ورد فى المواد الطعينة من أوجه عوار دستورى.
النصوص الطعينة تخل بمبدأ ضرورة التزام الدولة بالحد الأدنى المقبول فى الدول الديمقراطية عند تصديها لتنظيم الحقوق والحريات الأساسية:
وفى ذلك تقول محكمتنا الدستورية:
“وحيث أن الدستور ينص فى مادته الأولى على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى اشتراكى، وفى مادته الثالثة على أن السيادة للشعب، وهو يمارسها ويحميها على الوجه المبين فى الدستور، وفى مادته الرابعة على أن الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى
وحيث أن مؤدى هذه النصوص – مرتبطة بالمادة 65 من الدستور – أنه فى مجال حقوق المواطن وحرياته الأساسية، فان مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، وتتقيد هى بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل بالتالى على انتهاجها فى مظاهر سلوكها المختلفة، وفى هذا الإطار، والتزاماً بأبعاده، لا يجوز للدولة القانونية فى تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التى توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام فى الدول الديمقراطية، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيوداً تكون فى جوهرها أو مداها مجافية لتلك التى درج العمل فى النظم الديمقراطية على تطبيقها، بل أن خضوع الدولة للقانون محدداً على ضوء مفهوم ديمقراطى مؤاده ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى تعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة 41 منه واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس.”
وترتيباً على ما تقدم فأنه مما ينافى مفهوم خضوع الدولة لمقتضيات الوضع الديمقراطى على النحو السالف بيانه ما ورد فى المواد الطعينة من أوجه عوار دستورى.
ندفــــع بـ:
أولاً: عدم دستورية إنشاء محاكم أمن الدولة “طوارئ وفقا للمواد 7، 8، 9، 10، 12، 13 من قانون الطوارئ لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 66، 73، 137، 151، 152، 165، 166، 167، 195 من الدستور
ثانياً: عدم دستورية الأمر رقم 1 لسنة 1981 بتحديد اختصاصات محاكم أمن الدولة “طوارئ” لتعارضها مع المواد 40، 41، 65، 165، 166، 167، 195 من الدستور
ثالثاً: عدم دستورية المادة 214 أ.ج لتعارضها مع المواد 70، 41، 195 من الدستور نلتمس من عدالتكم إحالة الدفوع للمحكمة الدستورية لنظرها أو التصريح لنا بإقامة الدعوى الدستورية خلال الأجل الذى تراه المحكمة
احمد سيف الإسلام حمد