6/11/2005
يتابع مركز الجنوب لحقوق الإنسان أحداث العنف المتنامى التى تشهدها الضواحى الفقيرة في باريس وعدة مدن فرنسية والتى دخلت يومها الحادي العاشر بينما تسيطر حالة من التخبط على مواقف المسئولين بالحكومة الفرنسية بصورة تدعو للقلق، فالأسلوب الذى تتعامل به الحكومة الفرنسية مع الحدث يعطى مؤشراً خطيراً لفشل حكومات دول العالم الصناعى فى إستيعاب المهاجرين ودمجهم فى مجتمعاتهم ومنحهم جميع حقوق المواطنة على قدم المساواة مع غيرهم من السكان، فالمناطق التى اندلعت بها أحداث العنف حول باريس جرت العادة على إطلاق صفة الجيتوهات عليها، وقد تم إسكان المهاجرين بها منذ ستينات القرن الماضى.
وهى مناطق تعانى من سوء الخدمات التعليمية، والصحية، والاحوال المعيشية وإرتفاع نسبة البطالة التى وصلت فى فرنسا إلى 14% بين المواطنين من أصول أجنبية مقابل 9.2% فقط بين المواطنين من أصل فرنسى، كما يعانى سكان تلك المناطق من تمييز فى تقلد الوظائف المختلفة فضلاً عن كونهم شبه منعزلين عن العالم الخارجى ولا يمكنهم النفاذ والإستقرار فى المدن، الأمر الذى يجعل تلك الناطق تمثل قنبلة موقوتة تهدد بالإنفجار فى كل لحظة.
إن مركز الجنوب يحذر من أن لجوء الحكومة الفرنسية للمواجهة الأمنية لأحداث الشغب لا يمكن أن يكون حلاً لمشكلات الالاف من الفرنسيين من أصل أفريقى الذين يعانون من الفقر والبطالة ولا يجدون السبيل للاندماج الحقيقي فى المجتمع. وأن التلويح بتطبيق أغلظ القوانين ضد مثيرى الشغب لن يقض سوى على مظاهر الأزمة الأخيرة ولكن مسبباتها ستظل باقية لتمثل تهديدا كبيراً، ويأتى هذا فى الوقت الذى تقوم فيه فرنسا كأحد دول الإتحاد الأوروبى ببحث وتنفيذ خطط لتشديد السياسات المتعلقة بالهجرة الشرعية منها وغير الشرعية عبر دول الشمال الإفريقى متجاهلين فى وضع تلك السياسات الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
كما يرفض مركز الجنوب لحقوق الإنسان الزج بقضايا العرق أو الدين فى أحداث العنف بفرنسا، والذى تحاول عدداً من وسائل الإعلام الدولية والمسئولين الأوروبيين الإشارة إليه للتملص من مسئولياتهم والإلتفاف حول الأسباب الحقيقية التى تؤدى لإنفجار الفقراء بأشكال متعددة وفى مناطق متفرقة من أوروبا والتى تتمثل فى غياب العدالة والتمييز بكافة أشكاله وعدم كفالة حقوق المواطنة لكل المواطنين على قدم المساواة.
إن المزاعم التى تسود العالم منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر والتى تفيد بأن عرق معين أو دين معين يقف وراء الإرهاب وإستخدام العنف تتأكد يوماً بعد يوم فشلها وعدم قدرتها على تقديم تحليل دقيق للأحداث ومن ثم عدم القدرة على إيجاد حلول واقعية وملموسة للمشكلات الحيقيقية التى تقف وراء جنوح البعض لإستخدام العنف، فضلاً عن أن تلك الدعاوى تزيد من الشقة بين الشعوب وتعمل على تأجيج مشاعر الكراهية وعدم قبول الآخر بين مواطنى الدولة الواحدة على أساس العرق، أو اللون، أو الدين.
إن مركز الجنوب لحقوق الإنسان إذ يؤكد على رفضه القاطع لإستخدام العنف بكافة صوره فإنه يدعو حكومات العالم الصناعى لإعادة النظر فى سياساتها تجاه المهاجرين، وعلى وجه الخصوص هؤلاء الذين مثلت إسهاماتهم على مر عقود من الزمن أساساً لبناء المجتمعات التى هاجروا إليها والتى حصلوا على جنسيتها ليتحولوا إلى مواطنين لتلك الدول يحق لهم التمتع بكافة بحقوق المواطنة دون تمييز.