25/3/2008

فيما العالم مشغول بقضايا تتجاوز كثير مسائل الاختلاط بين تلاميذ المدارس، والمرأة التي تثير الرجال المساكين وتجرد هم من عقلهم وأهليتهم وتدفعهم على غير إرادتهم للتحرش بها، إلى قضايا حقوق الإنسان و جودة التعليم والتغيرات ألمناخيه وأزمة المياه والطعام على الكرة الأرضة وتأثيرها على الحياة البشرية والبحث عن الحلول في الفضاء، ومسئولية النساء في القيادة والمساهمة في القرارات المصيرية للكرة الأرضية لاسيما قرارات المياه قبل قرارات السياسية .

ما زلنا نحن مشغولون بكفاءة المرأة وأهليتها للشهادة وهل هي بنصف رجل أم ربع أم أنها لا تصلح لأن تكون إنسان بالأساس وخلقها الله عالة على الرجال وعلى كوكب الأرض، وفى الحقيقة لم يكن لدى الرغبة في الحديث عن هذا الموضوع لأسباب شخصية وهى الإحساس بالإهانة الشخصية لمجرد تذكر هذا الموضوع المؤلم, لكن الدكتورة زينب رضوان وكيلة مجلس الشعب جزاها الله عن هذا البلد وعن الإسلام كل خير طرحته لتنكأ الجرح من جديد.

جرح لا يمس النساء أو يحط من أقدارهن مهما بلغن من المنزلة حتى لو كن المرأة الحديدية الشهيدة بناظير بوتو أو أو الميكنة الألمانية الجبارة ميركل, أو الشبح المدمر كوندليزا رايس ” والحمد لله أنهن جميعا وفقا لتفسير البعض بنصف شهادة ونصف عقل لغلبة العاطفة عليهن ,وألا الله وحده كان يعلم ما الذي كان قد يحث للعالم العربي و الأسلامى المنشغل يهل النساء لهن عقل أصلا أم بنصف عقل ونصف شهادة “.

في الحقيقة الجرح هنا لا يمس النساء بقدر ما يمس الدين الأسلامى نفسه الذي أبتلى بنفاق اجتماعي وسياسي وخلط في التفكير والتفسير يصل إلى حد الجريمة في حق الله وفى حق دينه وكتابة العزيز.

فثوابت الأيمان الديني هي العقائد والعبادات – الأيمان بالله وملائكته ورسله وباليوم الأخر وبالقدر خيره وشره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن أستطاع اله سبيلا وان كان الأيمان لا يستبعد الفهم والشرح ولتأويل. أما ما دون الثوابت الإيمانية العقائدية فهو يقع في إطار المعاملات الدنيوية المتغير والتي تدور وجوبا وعدما مع المصلحة ومع تطور المجتمع، فرغم أن الدين واحد إلا أن الأحكام تختلف من مكان إلى مكان، فالمرأة في شرق أسيا تحكم دولة والمرأة في السعودية لا تستطيع أن تحكم سيارة وفي مصر تجلس على منصة القضاء وفى مجلس الوزراء بنصف شهادة.

وليس أدل على أن ما دون العبادات متغير من تجميد الخليفة الشهير بعدله وحكمته عمر بن الخطاب لعدد من الأحكام القراء نية الثابتة، من أشهرها الحدود عندما منع قطع يد السارق الجائع فضلا عن أحكام سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن أستشعر قوة الإسلام وعدم احتياجه إلى شراء الولاء بالمال رغم ورود نص في القرءان بذلك.

كما استقرت الأنظمة القانونية في العالم على إلغاء الرق والعبودية، و باستثناء المملكة العربية السعودية تم تجميد العمل بآيات الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني, فمع تطور علم العقاب و الإصلاح الجنائي لم يعد من الممكن التعامل مع الآيات القراء نية بظواهر النصوص دون فهم مقاصدها.

والمشكلة الحقيقية ليست في رجاحة عقل النساء أو نعومة مشاعرهن، فمن يدعى الرفق بحالة النساء ويرأف بهن من الاختلاط بالمجرمين إذا أستدعى الأمر الشهادة، لم يكلف نفسه أو نسمع صوته لمأسى النساء في محاكم الأسرة التي تكتظ بنساء وأطفال يلحسون التراب ويتجرعون الضياع من ازدحام المحاكم و إجراءات قضائية تبلغ من طولها إلى سحق كرامة النساء وأجسادهن في انتظار حكم نفقة لا يتعدى أحيانا ثمن حذاء من النوع الرخيص ولا يستطعن حتى تنفيذه نتيجة تخلى الأب عن مسئولياته ووجباته، ولم يتبنى احد منهم لحملة بضرورة جلد الرجل الذي يترك زوجته وأولاده بلا نفقة ولا منفق لتضطر الأمهات أن تبيع أجسادهن ليس طلبا للمتعة وإنما طلبا للقمة.

المشكلة الحقيقية ليست في الذكورة أو الأنوثة أو الرقة والعاطفة، فهؤلاء ” الرقيقات ” الأتي يشفقون عليهن أو أنهن غير صالحات إلا بالشهادة فيما يتعلق بدورات المياه التي تظهر فيها عيوب النساء ولا يضطلع عليها الرجال.

هؤلاء الرقيقات يعلمن ثلث أسر هذا المجتمع و يعلمن المسائل الحسابية جيدا ربما أكثر من وزير الاقتصاد لأنهن أول من يشترى زجاجة الزيت في هذا البلد, و الثلث الأخر يساهم في إعالة الأسر جنب إلى جنب مع الرجال و الثلث الثالث تتحمل معه الباقيات الشاقيات كل فشل السياسات الاقتصادية وربما شهادتهن المالية تفوق خبرة وجودة بعض علماء الاقتصاد والمالية.

المشكلة الحقيقة هي أن مصر قد تم اختطافها من قبل مستثمري الدين في بورصات النفط في السبعينات وبورصات الفضائيات في التسعينات، والعمد إلى الخلط بين الفقه والفقهاء وتحويل الدين إلى تجارة في حياة البشر لندخل عصور أكثر ظلامية من عصور الكنيسة في العصور الوسطي في أوروبا وليدخل مدعى الفقه والعلم إلى حياتنا بدئا من غرف النوم إلى غرف المحاكم, فبعد أن كان التميز الرئسى للإسلام أن العلاقة بين المسلم وربه مباشرة بلا وسيط والأرض مسجد حتى فوف الأسطح وبجوار الترع, أصبح لكل مسلم شيخه الخاص الذي يستطيع استحضاره بحك المصباح، عفوا التليفون المحمول !

ولم نعد نستطيع التنفس إلا ونقع بين الدولة المدنية والمصالح المليونية، فما طرحته الدكتورة زينب رضوان حول شهادة النساء وميراث الكتابية هو التطور الطبيعي للتعديلات الدستورية والاتساق مع مبدأ المواطنة الذي كان البطل الرئيسي في هذه التعديلات، وفى حقيقة الأمر أن الجزء المتعلق بالمساواة في الشهادة هو تحصيل حاصل لواقع قانوني وقضائي ليس بجديد على مصر.

فموضوع الشهادة هو جزء من قواعد الإثبات التي تحكمها قوانين إجرائية تختلف باختلاف الوقائع، ولأن النظام القانوني في مصر وضع مع بدايات القرن الماضي قبل اختطاف مصر وفى وقت كان العلم للعلماء والقول القانوني لفقهاء القانون فان النظام القانوني في مصر في مجملة لا يفرق في الشهادة بين النساء والرجال.

فالمحاكم الجنائية تحدد الإجراءات فيها قانون الإجراءات الجنائية وهو لا يعرف الفرق بين زيد أو عبيد أو أم محمد، لا يعرف سوى الثقة في عدالة الشاهد ورجاحة عقلة, وتمكنه من المعرفة بالوقائع المنوط به أو بها الشهادة عليها.

كذلك القانون المدني والتجاري الذي يحدد الشهادة فيهما قانون الإثبات بصرف النظر عن الجنس أو الدين.

ويبقى الاستثناء في قانون الأحوال الشخصية الذي تم وضعة عام 1920 و لأغراض سياسية متعلقة بالملك آنذاك تم الاستناد إلى مذهب بعينة ليأسر كل النساء في فكر وتفسير واحد، وقد ربح العلماء والمفكرين وقتها تحرير النظام القانوني المصري إلا إن الضغوط المتعلقة ببناء الأسر وهيمنة الرجال حالت دون تحرير قانون الأحوال الشخصية وتم الادعاء انه مستمد من الشريعة الإسلامية على غير الحقيقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا تعرف الشريعة الإسلامية مصطلح بيت الطاعة أو تحويل الحياة الزوجية إلى سجن، فالشريعة لا تعرف سوى العلاقات المحترمة بين الزوجين فأما أمسك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعلى الرغم من ذلك فالجاري العمل علية في محاكم الأحوال الشخصية سابقا – محاكم الأسرة حاليا أن أغلب القضاة في حال شهادة المرأة فأنه يطلب اثنان على سبيل استكمال الشكل القانوني إلا انه لا يستمع إلا إلى امرأة واحدة لأن القضاة في الحقيقة يحملون أمانة هذا البلد وعلمها ويعلمون جيدا أن الشهادة من الأمور المتعلقة بعدالة الشاهد وعقلة ورجاحته سواء كان رجل أو امرأة، وليس بتلصصه على النساء في الأماكن الخاصة ودورات المياه.

نهاد أبو القمصان
المحامية والناشطة الحقوقية