20/7/2008

السيد المهندس معالى وزير التجارة والصناعة / رشيد محمد رشيد

نتوجه إلى سعادتكم في اطار التحضيرات للاجتماع الوزاري المصغر لمنظمة التجارة العالمية معربين عن دعمنا لمشاركتكم في اطار الاجتماع كممثلين عن المجموعة الأفريقية ومجموعة العشرين، بالإضافة إلى كونكم الممثل الوحيد لدولة عربية في اطار الاجتماع القادم.

كممثلين لمنظمات احترافية وطوعية للمجتمع المدني في الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال إفريقيا، نعترف ونقدر أهمية الدور والميزات التي يمثلها نظام كفء وعادل للتجارة الدولية. ومن هذا المنطلق، نحن نكتب للاضاءة على بعض الاعتبارات المقلقة والتساؤلات المتَّصلة بالاجندة المطروحة للنقاش في اطار المؤتمر القادم.

لقد تعهدت منظمة التجارة العالمية في ديباجتها بتحقيق أهداف نتقاسمها جميعًا، ومنها تحقيق مستويات أعلى من العيش والنمو الاقتصادي تتوافق مع “التنمية المستدامة وتوفير العمل للجميع.”، بما يتناسب مع تطبيق وإعمال متوازن للمبادئ التي تحفظ حقوق الإنسان. غير أننا قد لاحظنا أنه بالرغم من بعض الاستجابات التصحيحية، فإن أجندة المفاوضات المطروحة ودور حكومات البلدان النامية لم تكن قادرة على التصدي للمد المتزايد من انعدام التكافؤ الاقتصادي الذي يتسبب في نزع الملكية، خاصة عن أكثر الناس استضعافًا في بلادنا.

في هذا الإطار، نتوجه اليكم مؤكدين على ضرورة بذل اقصى الجهود لحماية الفضاء السياسي والمرونة في المجالات الاستراتيجية التي يتم التفاوض عليها في ظل الاجتماع القادم.

الزراعة وأزمة الغذاء العالمي

في مجال الزراعة، يقلقنا الوضع الحالي للمفاوضات خاصة وأن الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لا يزالان يعرقلان الآليات المقترحة حول السلع الزراعية الخاصة واليات الحماية الخاصة Special Products and Special Safeguard Mechanism (SP/SSM) ، والتي من شأنها أن تحسن قدرة البلدان النامية، مثل البلدان العربية، على حماية أمنها الغذائي والتنمية الريفية ومعيشة المزارعين.

ينبع قلقنا العميق انطلاقا من كون الزراعة تمثل مصدر رزق لأكثر من 40% من سكان المنطقة (غرب آسيا وشمال افريقيا)[1]. وبالتالي فهي تشكل قطاعًا استراتيجيًا ووسيلة للعيش والرزق حيث تكون المهن البديلة مفقودة؛ هذا بالرغم من أن المنتجات الزراعية لا تمثل الصادرات الرئيسية للدول العربية.

وقد انعكست أزمة الغذاء في ظواهر اجتماعية كثيرة غلب عليها الحرمان وضياع الحقوق والشعور بالهوان وضياع الكرامة بعد أن فقد كثير من المواطنين في دول عربية مختلفة فرصة الحصول على الخبز. ولقد عادت طوابير الخبز إلى مصر بصورة هي أشد مما خبرته مصر أيام الحروب، وهي أدل ظاهرة على انعدام العدالة في تصميم ووضع السياسات التي غالبا ما تأتي إرضاء للسياسات الدولية الجائرة على حقوق المواطنين.

وبالتالي، فاننا نطالب بمراجعة لمسار المفاوضات الحالي في قطاع الزراعة، خاصة وأن أجندة الدوحة كما هي مطروحة اليوم ستزيد من أزمة الغذاء التي استفحلت مؤخرًا من خلال زيادة اعتماد بلداننا على الصادرات الزراعية وتعزيز سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على مصادر الغذاء العالمي.

السوق غير الزراعي

بالاضافة الى الزراعة، فإن الاتفاقية الخاصة بالوصول إلى السوق غير الزراعي ذات أهمية كبيرة للمنطقة العربية ومستقبلنا الصناعي. ونحن نثني على الدور الايجابي لمجموعة NAMA11، التي تنشط مصر كعضو مؤثر فيها، والتي اكدت على أهمية ضمان صيغة للتخفيض الجمركي تشمل الجوانب التنموية القائمة على الظروف والحاجات الخاصة لكل دولة على حدة. لكن يتنامى قلقنا مع إصرار بلدان متقدمة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي على تمرير صيغة ستجبر البلدان النامية على تخفيض جذري على مستوى التعرفة للمنتجات غير الزراعية، مما سيسبب بخسارة لفرص العمل في بلداننا، ولفرص بناء قطاع صناعي قادر على المنافسة دوليا، وعلى تأمين العائدات التي تخول الدولة توفير الخدمات الصحية والتعليمية المناسبة.

لا بد الإشارة هنا إلى أن الارقام لعام 2005-2006 (صادرة عن برنامج الامم المتحدة الانمائي) تشير إلى أن معدل مستوى التعرفة المطبقة على السلع غير الزراعية تراوح ما بين 24- 26% في المغرب وتونس وجيبوتي، 18-20% في الجزائر ومصر والسودان، 10-12% في الاردن وموريتانيا، و5-7% في لبنان واليمن وبلدان مجلس التعاون الخليجي. إن هذه المعدلات أدنى من المعدلات المطبقة في بلدان نامية أخرى. لكن، لا يزال انتاج كما صادرات البلدان العربية متركز في قطاع البترول، بعائد محدود على خلق فرص العمل. لذلك لا بد من السعي باتجاه المحافظة على القدرة على تنفيذ سياسة تنموية لتعزيز القطاع الصناعي القادر على المنافسة.

وإننا نؤكد على ضرورة الضغط في اطار المفاوضات المقبلة باتجاه (1) المحافظة على 25 نقطة (كحد ادنى) فارق ما بين البلدان النامية والمتقدمة في عامل التخفيض (coefficient) الذي سيستخدم في تحديد التعرفة على السلع غير الزراعية (2) احترام وتطبيق التزام المعاملة التفاضلية لصالح البلدان النامية (3) تعزيز المرونات المتاحة في مجال انتقاء السلع المعفية من التخفيض أو التي تتعرض لتخفيض أقل من السلع الاخرى (4) والمحافظة على مساحة لتعديل المرونات في المستقبل.

الخدمات

أما في قطاع الخدمات، فمن المثير للقلق الضغط الذي تقوم به البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وكندا، وأستراليا باتجاه فرض تنازلات من قبل البلدان النامية في مجال الولوج إلى اسواق الخدمات، خاصة خدمات الطاقة والاتصالات والتعليم والسياحة والبيئة والخدمات المالية، وذلك في مقابل إنجاز المفاوضات في مجالي الزراعة والسلع غير الزراعية. وان النص الذي يروج له في إطار المفاوضات الحالية إنما ينافي طبيعة الاتفاقية العامة حول التجارة في الخدمات GATS والتي وفرت مساحة نسبية لمراعاة التنمية وضمان تحقيق المرونة بالنسبة للتعامل مع الدول النامية (الفقرة الخامسة عشر في إعلان الدوحة، المادة الرابعة والتاسعة عشر من (GATS.

من هنا، فإننا نناشدكم اخذ المواقف الحازمة حول ضرورة استثناء الخدمات الأساسية بما فيها التعليم والمياه والصحة والحماية الاجتماعية والطاقة من التحرير ضمن منظمة التجارة العالمية؛ وهو أمر أساسي لتحقيق التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية. علاوة على ذلك، فإن خصخصة السلع والخدمات العامة مثل الأرض والمياه، لا تتلائم مع ثقافتنا التي ترتكز كثيرًا على العقيدة والأرض. كما أنها- أي الخصخصة- غير فاعلة بالنسبة لحقوق شعوبنا في تقرير المصير؛ فخصخصة العناصر العامة للعيش الإنساني في منطقتنا قد أدى إلى رفع التكاليف، وتعميق الفقر، ودعم الفساد، وتقليص الرأسمال الاجتماعي المطلوب لتحقيق الإدارة المستقلة، كما أنه استنزف البيئة الطبيعية، وركز الثروات، وخرب العلاقة بين السلطات المحلية والمواطنين.

قضايا تنموية

في هذا السياق، نشدد على أن التحرير التجاري ينبغي أن يكون وسيلة لتحقيق تنمية مستدامة وليس هدف في حد ذاته. وبالتالي فإن الهدف لا ينبغي أن يتمثل في تحرير التجارة بل في إرساء سياسات تجارية ترتكز على الأولويات الوطنية والإقليمية للتنمية وتضمن تحقيق وإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع.

ومن الجدير بالذكر أن إعلان الألفية قد عكس بشكل واضح الاعتراف العالمي بإن قيم حقوق الإنسان والديمقراطية تضمن السلام والأمن ودعم الكفاح ضد الفقر. وكان قد أعلن مؤتمر فيينا العالمي لحقوق الإنسان 1993 أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان إنما يشكل المسئولية الأولى للحكومات.

لكن الاعتبارات التنموية والحقوقية لا تزال مهمشة في اطار منظمة التجارة العالمية، مما يظهر في نواحي مختلفة من المفاوضات والواقع الذي وصلنا اليه. فقد أشار تقرير التنمية البشرية للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مرارًا إلى تحذيرات ضد العواقب السلبية للاتفاقية حول الجوانب المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، خاصة على الأمن الغذائي والمعرفة الأصلية والأمن الحيوي والحصول على الأدوية والرعاية الصحية. وكانت قوى المجتمع المدني قد رحبت بإعلان الدوحة الخاص باتفاقية حقوق الملكية الفكرية والصحة العامة كخطوة إيجابية تبناها المجلس الوزاري لمنظمة التجارة العالمية عام 2001. إلا أن التجربة قد أثبتت أن هناك المزيد والمزيد من الحاجات التي ينبغي انجازها لضمان أن تكون البلدان النامية قادرة سياسياً وفنياً على الإفادة من المرونة المتضمنة في كل من الاتفاقية والإعلان بغرض حماية حقوق مواطنيها في الحصول على الأدوية.

كما علينا اليوم أن نواجه السؤال حول سبب تركز 70% من الفقر في دولنا في المناطق الريفية. فأراضينا الزراعية، في ظل أشكال من الحيازة أقل مساحة وأكثر تركيزاً، لم تعد بأية حال منتجة أو قادرة على تلبية الحاجات المحلية أو الوطنية، بل انها تنتج وباضطراد من أجل المستهلكين في الخارج. والمأساة أننا نستورد وبشكل متزايد لتغطية حاجاتنا الغذائية. في ظل هذا الواقع يتزايد النزوح الى المراكز الحضرية، وهضم التاريخ الثقافي المحلي لأهل الريف، وازدياد الاحياء الفقيرة التي غالبا ما تشكل المصادر الرئيسية للاضطراب وعدم الاستقرار.

دور الدولة في ظل تشعب نظام الحكم العالمي

هذه الظروف، بالاضافة الى إعادة الهيكلة الاقتصادية والمؤسسية التي جرت استجابة للسوق العالمي، إنما تقود إلى انتهاكات الالتزامات الأساسية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطن[2]. لكن الدول المشاركة في منظمة التجارة العالمية إنما هي ملتزمة كذلك بضمان الانسجام بين حقوق الإنسان والسياسات الاقتصادية الداخلية والخارجية. ولابد لمعايير حقوق الإنسان أن تشكل الاساس لصياغة السياسة الاقتصادية الدولية بحيث يمكن تقاسم المنافع الخاصة بالتنمية البشرية لنظام التجارة العالمي وبشكل متساو بين الجميع.

لذلك، نحن ندعو حكوماتنا إلى اعادة تملك قراراتها السياسية والاقتصادية بعدما شهدنا الآثار السلبية على مصادر رزقنا ومواردنا العامة نتيجة إحالة هذه القرارات إلى أيدي الشركات والأسواق الخارجية. وبالتالي فإننا ندعو حكوماتنا إلى قياس وتقييم مدى تماسك واتساق سياساتها التجارية على الصعيد العالمي والإقليمي والثنائي. ومن هنا فإن الحكومات الإقليمية بحاجة للعمل على تحقيق الانسجام بين سياسات التكامل التجاري لديها في ظل المنطقة العريية الكبرى للتجارة الحرة، وذلك قبل المضي قدمًا في التوقيع على اتفاقيات تجارة مع كتل ودول أخرى. ومن ثم فإننا ندعو كل دولة من دولنا أن تجري دراسة كاملة حول اثار برامج التحرير الاقتصادي على واقع حقوق الإنسان والمجالات الاجتماعية والاقتصادية في بلداننا[3].

الهيئات الموقعة

  • البرنامج العربى لنشطاء حقوق الإنسان
  • الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
  • المرصد المدنى لحقوق الإنسان
  • المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدنى وحقوق الإنسان
  • اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات العمالية
  • جمعية التنمية الصحية والبيئية
  • شبكة حقوق الأرض والسكن
  • مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان
  • مركز هشام مبارك للقانون
  • مركز الجنوب لحقوق الإنسان
  • ملتقى الحوار والتنمية وحقوق الإنسان