1/10/2007

منذ سنة انطلقت عل المستوى الوطني، تجربة النضال ضد الغلاء ومن أجل الحياة الكريمة، حيث بادر المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، واعتمادا على التجربة الفتية لفرع الجمعية بالرباط خلال شتنبر 2006، إلى تنظيم أسبوع وطني ضد الغلاء ومن أجل الحياة الكريمة من 02 إلى 08 أكتوبر 2006. وخلال هذا الأسبوع، تم تنظيم عشرات الوقفات بعدد من المدن، وبدأ الشروع في تأسيس تنسيقيات مناهضة الغلاء. واستمر مسلسل النضال ضد الغلاء ومسلسل تأسيس التنسيقيات بعد انتهاء الأسبوع الوطني. وتوج هذا العمل الجماعي والوحدوي بمسيرة الرباط ليوم 24 دجنبر 2006 والتي عرفت نجاحا مهما من حيث قوة المشاركة ومن حيث التنظيم، رغم ما طبعها من طغيان للشعارات السياسية على الشعارات ذات الطابع الاجتماعي المرتبطة بالمطالب الاجتماعية للفئات المستضعفة من المواطنين والمواطنات.

وقد ساعد على إنجاح المسيرة امتداد حركة مناهضة الغلاء إلى جميع مناطق المغرب وتأسيس حوالي 70 تنسيقية. ومنذ ذلك الوقت، ارتفعت بعض الأصوات لتنتقد طغيان السياسي على المطلبي مما قد يؤدي إلى إضعاف جماهيرية حركة مناهضة الغلاء، بل إلى نشوب صراعات سياسية كابحة لتطور الحركة. وفي نفس الوقت، طرحت فكرة تطوير تنسيقية مناهضة الغلاء وتوسيع مهامها من التصدي للغلاء إلى الدفاع عن مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنات والمواطنين.

واليوم بعد مرور سنة على تجربة التنسيقيات، بما لها وما عليها وخاصة بعد مسيرة 02 شتنبر بالرباط ومسيرة بوعرفة في 05 شتنبر وبعد الهزة الاجتماعية لمدينة صفرو يوم 23 شتنب، يمكن أن نسجل ما يلي:

  • إن حركة مناهضة الغلاء، عرفت إلى حدود بداية شتنبر تراجعا ملحوظا على مستوى مسارها العام؛ فمسيرة الدار البيضاء في 25 مارس 2007 شكلت تراجعا بالنسبة لمسيرة 24 دجنبر 2006. والمسيرة الثالثة بالرباط (02 شتنبر) عرفت تراجعا أكبر بالنسبة للمسيرة الثانية وأحرى بالنسبة للأولى، ناهيك عن التسييس الشاذ لهذه المسيرة الذي أدى إلى تهميش هدفها الاجتماعي: مناهضة الغلاء.
  • على خلاف ذلك، أظهر النجاح الكبير لمسيرة بوعرفة من حيث التنظيم وقوة المشاركة أن حصر الحركة في مناهضة الغلاء، يشكل إحدى ضمانات النجاح والاستمرارية.
  • إن تراجع حركة مناهضة الغلاء في العديد من المدن وتصاعدها من جديد، بعد موجة الغلاء الجديدة لما بعد انتخابات 07 شتنبر يظهر أن هذه الحركة مرتبطة هي الأخرى بالتموجات التي تعرفها أثمان المواد والخدمات الأساسية بالنسبة للفئات المستضعفة.
  • إن الهزة الاجتماعية ليوم 23 شتنبر بمدينة صفرو، أظهرت أن القدرات التأطيرية الحالية غير كافية لتأطير مسيرة ذات طابع جماهيري شعبي.

انطلاقا من الملاحظات السابقة، يمكن القول بأن المقترح الذي جاء به المؤتمر الوطني الثامن للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في أبريل 2007 والمتعلق بخلق شبكة للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (إلى جانب 3 شبكات كبرى أخرى: شبكة مناهضة الإمبريالية وشبكة الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية وشبكة الدفاع عن حقوق المرأة) أو ما سمي كذلك بشبكة التضامن الاجتماعي هو مقترح واقعي وله راهنيته وسيكون من الإيجابي الشروع في تطبيقه.

إن إيجابية تأسيس شبكة التضامن الاجتماعي تكمن في:

أولا، الانتقال من الاهتمام بالدفاع عن القدرة الشرائية الحالية (مناهضة الغلاء) إلى الاهتمام بقضايا اجتماعية أخرى تشمل:

  • الدفاع عن الحق في التنمية وما يرتبط به من ضرورة التصدي لمقومات النظام الاقتصاي السائد ببلادنا (نظام الرأسمالية التبعية الممخزنة) ومن ضرورة التصدي للفساد الإقتصادي وللإفلات من العقاب في هذا المجال والتصدي لبرنامج التقويم الهيكلي بمختلف تجلياته والتصدي للمديونية ولخدماتها الكابحة لأي تنمية والتصدي للتبعية المؤسساتية (اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، …).
  • الدفاع عن الحق في الشغل: دعم العاطلين عامة والمعطلين حاملي الشهادات بصفة خاصة في نضالهم من أجل الشغل ومن أجل التعويض عن العطالة، دعم العمال في وضعية هشة لتمكينهم من عمل قار، التضامن مع العمال المسرحين من أجل الرجوع للعمل أوإيجاد فرصة ملائمة للشغل دون فقدان المكتسبات.
  • الدفاع عن حقوق العمال، أولا بالمطالبة بتطبيق المقتضيات الإيجابية لقوانين الشغل وهي المقتضيات المستهدفة من طرف الباطرونا والحكومة على حد سواء وثانيا بالمراجعة الإيجابية لمدونة الشغل.
  • تمتع الجميع بالضمان الاجتماعي وبالحق في الصحة.
  • المساواة بين الرجل والمرأة في مجال التشغيل والعمل وسائر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
  • الحق في التعليم الذي يساير روح العصر وهو ما يفرض أولا وقبل كل شيء إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وجعل حد للخوصصة في هذا المجال المصيري.
  • الحق في السكن اللائق للجميع، والحق في مجال للسكن تتوفر فيه البيئة السليمة والماء والكهرباء، ومرافق الواد الحار والطرق والنقل ومختلف المرافق العمومية الضرورية.
  • الحق في أجور وفي دخل قار يضمن الحياة الكريمة للجميع مع النضال ضد غلاء المعيشة.
  • الحق في الثقافة للجميع وفي الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية.
  • الدفاع عن حق الساكنة في خدمات اجتماعية جيدة وبثمن مناسب وهو ما يمر عبر إعادة النظر في خوصصة الخدمات المتعلقة بالخصوص بتوزيع الماء والكهرباء والصحة والتعليم والنقل الحضري.
  • التصدي للاستغلال الاقتصادي للأطفال.
  • الدفاع عن الحق في البيئة السليمة.
  • دعم المهاجرين الأفارقة الوافدين على بلادنا من جنوب الصحراء حتى يحصلوا على حقوقهم الإنسانية دون تمييز.

ثانيا، الحفاظ على الطابع الحقوقي والاجتماعي لحركة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتفادي السقوط في التسييس الفج والاعتباطي لهذه الحركة مما يسمح بتجميع كافة القوى الديمقراطية المعنية بالدفاع عن مصالح أوسع فئات المواطنين داخل شبكة التضامن الاجتماعي ومما يسمح كذلك بانخراط أوسع الجماهير في حركة موحدة منهم وإليهم يسهل عليهم فهم وتبني أهدافها باعتبارها تجسيد لمطامحهم.

وللمزيد من التأكيد، إن النضال من أجل فرض تمتع عموم المواطنات والمواطنين بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليس بالعمل السهل لأن المواطن(ة) في هذا المجال يواجه العولمة الليبرالية المتوحشة والإمبريالية العالمية والفئات المستفيدة من الاستغلال المكثف في إطار العولمة والمحمية من طرف السلطة المخزنية. وإنه من المستحيل على أي هيئة مهما كانت قوتها وطبيعتها أن تحقق بمفردها مكاسب جدية في هذا المجال. لذا لا بد من التكتل في إطار شبكة للتضامن الاجتماعي منظمة بقوة وعلى أسس ديمقراطية ولها قاعدة جماهيرية واسعة ومستقلة عن الجميع إلا إن مصالح ومطامح الفئات المهضومة الحقوق.

هذه مسألة جوهرية إذا كنا بالفعل نطمح إلى جماهيرية هذه الحركة وبالتالي إلى فعالياتها.

ثالثا، الهيكلة التنظيمية للشبكة التي يجب أن تجمع بين المرونة والقوة حتى تكون قادرة على تأطير أي نوع من أنواع التحركات النضالية المشروعة من أجل تحقيق المطالب البسيطة والصعبة المنال في نفس الوقت.

إن قوة الهيكلة لا يمكن الحصول عليها إلا بتسييد العلاقات الديمقراطية وأسلوب النقاش العلمي الهادئ والهادف إلى الاقناع والاقتناع وأسلوب عملي يربط بين القول والفعل. كما أن قوة الهيكلة تنبع من شجاعة ومصداقية وبعد النظر للأشخاص الذين يتم اختيارهم لقيادة العمل التشبيكي.

إن الهيكلة التنظيمية العامة لشبكة التضامن الاجتماعي لن تختلف من حيث الجوهر على الهيكلة التي تم اختيارها للتنسيقيات: شبكات محلية للتضامن الاجتماعي تضم ممثلين(2) قارين عن كل تنظيم منخرط في الشبكة مع فرز سكرتارية للشبكة ومنسق ونائبه أونوابه. إلى جانب الشبكات المحلية هناك الشبكة الوطنية للتضامن الاجتماعي مكونة من ممثلين(2) عن كل تنظيم وطني منخرط في الشبكة بالإضافة إلى ممثل عن كل شبكة محلية. وهذه الشبكة الوطنية تفرز بدورها سكرتارية وطنية دائمة ومنسق وطني ونائبه أو نوابه.

إلا أن العامل الأساسي لضمان قوة الهيكلة هم الأشخاص المنتدبين لتمثيل التنظيمات في الشبكات الوطنية المحلية واللذين يتم اختيارهم لتشكيل السكرتاريات ولتحمل مسؤولية التنسيق. إن هؤلاء الأشخاص لهم دور أساسي في إنجاح أو إفشال عمل الشبكات. يمكن لاحقا تحديد مواصفات هؤلاء الأشخاص الذين يرتبط بهم مصير العمل الشبكي الديمقراطي والذي يحظى بثقة أوسع فئات المواطنين والمواطنات.

لم يتم التطرق هنا للهيكلة الدقيقة للشبكة (المجلس، السكرتارية، علاقة الوطني بالمحلي، دورية الاجتماعات،…) وللمنهجية الديمقراطية الواجب اعتمادها لاتخاذ القرارات والتوصيات، وللجوانب المتعلقة بالأساليب النضالية المعتمدة من طرف الشبكة وللجوانب الفكرية والمعرفية والتوعوية في عمل الشبكة. فهذه الأمور وغيرها سيتم تناولها لاحقا إن إنجاح عمل شبكة التضامن الاجتماعي له أهمية قصوى بالنسبة للعمل الجماهيري المرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث سيمكن من خلق علاقات نوعية بين المناضلين الاجتماعيين والحقوقيين ــ وهم في العديد من الأحيان مناضلين سياسيين تقدميين كذلك ــ وبين أوسع فئات الجماهير الشعبية، ويمكن بالتالي من تغيير موازين القوى لصالح الجماهير التي ستصبح أكثر قدرة على الدفاع الذاتي عن حقوقها ومصالحها ولصالح المناضلين التقدميين باعتبار الثقة المحصل عليها لدى الجماهير.

المكتب المركزي