1/4/2006

اتفق أعضاء المنبر الدستوري المصري بمحافظة أسيوط على تشكيل لجنة صياغة من أساتذة القانون الدستوري والمحامين والنقابيين وبعض أعضاء مجلس الشعب وكذلك بعض طلبة جامعة أسيوط لإدخال تعديلات على عدد من مواد دستور 1971 والخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية وتعزيز الحقوق والحريات العامة ، وتم اختيار د.أحمد ياسين نصار أمين الحزب الناصري بمحافظة أسيوط مقررًا للجنة .

وناقش المنبر خلال اجتماعه بنادي الحقوقيين بأسيوط عدد من القضايا المتعلقة بالإصلاح الدستوري ورؤية فقهاء القانون ونشطاء المجتمع المدني وأعضاء هيئة التدريس من أبناء محافظة أسيوط لشكل التعديلات الدستورية المقترحة لصياغة دستور جديد يتلائم مع متطلبات العصر وحالة الحراك والإصلاح السياسي الذي تعيشه مصر حاليًا .

وأكد حافظ أبو سعدة الأمين العام لمنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى أهمية التواجد في كل المحافظات المصرية لمناقشة المفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي والسياسيين حول المقترحات الخاصة بتعديل الدستور قبل الاجتماع النهائي الموسع الذي سيعقد في القاهرة لتقديم دستور مصري تشارك كل المحافظات المصرية في وضعه ، ثم يقدم إلى مجلس الشعب والحكومة ورئيس الجمهورية ولكل المعنيين في هذا البلد باعتباره خلاص لفكر نخبة من المثقفين المصريين الممثلين لكل التيارات السياسية والفكرية في المجتمع المصري.

وأضاف أبو سعدة إلى أن هناك وجهتي نظر في الدستور, الأولى ترى أن الدستور القائم يعد دستور جيد، ولكن يجب إدخال عليه بعض التعديلات الضرورية التي تخص السلطات التنفيذية والتشريعية وصلاحيات رئيس الجمهورية وطريقة انتخابه وبعض المواد الخاصة بالنظام الاقتصادي, وهذه الرؤية تتبناها الحكومة والحزب الوطني.

أما الرؤية الثانية فترى أن هذا الدستور جاء في ظرف تاريخي محدد انتهى ويجب أن نضع عقد اجتماعي جديد بدستور جديد, لأن فلسفة وروح الدستور القائم لا تتناسب مع الوضع الحالي لمصر, وعند القول بأن نظام مصر اشتراكي ديمقراطي فهذا لا يتناسب مع الفلسفة الاقتصادية للحكومة القائمة، وعند التحدث عن الديمقراطية نجد أن هناك تناقض مع الصلاحيات الموجودة في دستور 71 والتي تجعل صلاحيات السلطة التنفيذية تتركز في يد رئيس الجمهورية فقط ، وعند التحدث عن القطاع العام في التنمية فنجد تناقض تماما مع بيئة القطاع العام الحالية، إذن هناك خلل في الدستور يجعله غير قادر على إيجاد مستقبل جديد لمصر يؤمن بتداول السلطة، ويحمي الحقوق والحريات العامة، ويعزز من دور مجلس الشعب في الرقابة على السلطة التنفيذية، ويجعل هناك فصلاً حقيقيًا بين السلطات، و يضمن استقلال حقيقي للقضاء.

وأوضح الأمين العام للمنظمة المصرية أن هناك عدة إشكاليات تخص الدستور الجديد المطلوب ويجب إيجاد حلولاً لها ، وتتمثل في ما هو نظام الحكم الأنسب لمصر الرئاسي أم البرلماني ، أم نظاما مختلطا يجمع بين الاثنين, فنجد في النظام الفرنسي مثلاً يتولى رئيس الجمهورية صلاحيات الجيش والسياسية الخارجية، بينما إدارة الحياة اليومية فتتولاها الحكومة التي تحاسب الرئيس أمام البرلمان وتسحب منه الثقة, وهناك طريقة أخرى أن يكون رئيس الحكومة حكماً بين السلطات ولا يمارس السلطة التنفيذية، ويحيل إلى رئيس الوزراء كل صلاحيات رئاسة الحكومة فيعرض للمساءلة والمحاكمة وتسحب منه الثقة، ويشكل الحزب صاحب الأغلبية الحكومة فهذه طريقة مختلفة.

وأكد أبو سعده أن لكل نظام سياسي مزاياه وعيوبه سواء برلمانيًا أو رئاسيًا ، ولكن الأصلح هو توافر مبدأ الفصل بين السلطات ومحاكمة الحكومة القائمة, ومن الإشكاليات الأخرى في الدستور الجديد طريقة انتخاب رئيس الجمهورية, فالتعديل الأخير للمادة 76 يعد أطول نص دستوري مقارنة بدساتير أخرى.

وعقب د أحمد ياسين نصار الأستاذ بجامعة أسيوط بقوله أنه من الواضح أن هناك ثلاث اتجاهات بشأن التعديلات الدستورية ، الاتجاه الأولى يرغب في الإبقاء على دستور 1971 كما هو بكل مناقضاته مع الواقع الذي يتغير ، والاتجاه الثاني يرغب في تعديل الدستور بما يواكب التغيرات التي حدثت في منظومة المجتمع، ويصبح السؤال هنا : هل نحن بحاجة إلى دستور جديد.

وأضاف أنه لكي يحقق أي مجتمع دوره التاريخى لابد من وجود مجموعة قوانين تنظمه، وهذه القوانين تعد العقد الاجتماعي المسماة بالدستور الذي ينظم شبكة العلاقات الاجتماعية , كما يقوم بتحديد الواجبات والحقوق عند كل فرد , مشيراً إلى أن غياب دستور تتوافق عليه القوى الشعبية يصيب المجتمع بالعشوائية والتخبط وتضيع حقوق الأفراد وتتأثر واجباتهم .

وأكد د.نصار أن التعديلات المطلوبة للدستور المصري يجب أن تسير في طريق إصلاح المؤسسات التي تدير منظومة القوانين وتحمي حقوق الأفراد وأهمها مؤسسة الرئاسة تليها السلطة التنفيذية المحددة لحركة المجتمع والمنفذة لتطلعاته , ثم المؤسسة التشريعية وهى المنظمة للتشريعات والقوانين التي تحكم المجتمع ، ثم السلطة القضائية.

ومن جانبه ، أوضح أ. جمال أسعد عبد الملاك عضو مجلس الشعب السابق أن عام 2005 شهد حراكًا سياسياً غير مسبوقًا متأثرا بحراك سياسي على المستويين الإقليمي والعالمي, ضمن ما يسمى بالإصلاح السياسي خاصة وأن النظام الذي نعيشه تبني منذ خمسة عشر عاما تطبيق سياسة الخصخصة ضمن الإصلاح الاقتصادي والذي لم يتواكب مع نظيره السياسي، وبالتالي بدأ الحراك من نقطة المطالبة بالإصلاح السياسي .

وأكد عبد الملاك أن الدستور وثيقة بين الحاكم والشعب تنظم العلاقة بينهما وتنظم أيضًا العلاقة بين السلطات, ولاشك أن مناقشة أي دستور في العالم تحتاج إلى مثل هذه الجلسات واستطلاع آراء كل الشرائح السياسية والاجتماعية والطبقية والفكرية لأي شعب، حتى يتم الاتفاق على وثيقة محددة , ولاشك أن الاتفاق يخلق صراعاً فكرياً حول القضايا والاتجاهات المتباينة اقتصاديا واجتماعيا وعقائديا…الخ.

وأوضح عضو مجلس الشعب السابق أن ليس كل ما جاء بدستور 71 مرفوضًا ، ولكن في ذات الوقت هناك مواد قد تجاوزها الزمن والوضع السياسي أيضًا, ولكن هل المواد التي لم يتجاوزها تطبق, وهل هناك الآلية لتفعيل حركة جماهيرية وسياسية من خلال الأحزاب والمجتمع المدني بحيث تمارس حق الدفاع وتطبيق هذه الحقوق….فهناك أسئلة لابد إن توضع في الحسبان.

ومما لاشك فيه أن هناك بعض المواد المرفوضة في دستور 71 التي تحول موقع رئيس الجمهورية إلى موقع المستبد بالقانون. وهذا موروث مصري قديم منذ الفراعنة بتأمين الحاكم والآن جاء الوقت بتقليص صلاحيات الرئيس لكل سلطة فيما يخصها…فمثلا كيف يكون هناك صلاحيات للسلطة القضائية ويوجد وزير العدل الذي يعين مجلس أعلى للقضاء للإشراف على القضاء, بالرغم من أن القضاة هم الحاكم والمدافع الحقيقي عن الحق والدستور، فلابد من الفصل بين السلطات والسلطة القضائية يجب أن تكون بعيدة عن أي علاقة بالسلطة التنفيذية.فصلاحيات رئيس الجمهورية التي ارتكزت مع صلاحيات السلطة التنفيذية ضمنا بمعنى أن رئيس الوزراء والوزراء ومن هم في ظل الوزراء يتحكمون ويسيطرون على الشعب بمنطلق أنهم رؤساء الجمهورية في أماكنهم يقتصون صلاحيات رئيس الجمهورية، ولذلك يجب إيجاد مواد واضحة في الدستور لمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء .

وتسأل الأستاذ جمال أسعد هل يوجد سلطة تشريعية في مصر ؟ فهذا عندما نبدأ التحدث عن السلطة التشريعية نجد أن الفصل في السلطات هو الحل الوحيد لوجود ديمقراطية حقيقية أو تساعد على وجود ديمقراطية حقيقية.فعندما لا يملك النائب أو مجلس الشعب القدرة على مناقشة موازنة الجيش والأعلام ورئاسة الجمهورية وكل هذه الممنوعات فلا يكون عضوا لمجلسا تشريعيا ولا عضو للمجلس أو يمثل الشعب .وبالنسبة للحقوق الاقتصادية نجد أن النظام الحالي يقهر العامل والفلاح مائة مرة عن ذي قبل .

ورفض عبد الملاك نص الدستور على تحديد نسبة للأقباط في البرلمان، مشيراً إلى أن هذا الأمر يقنن الطائفية في مصر، فالمطلوب من الدستور هو إحداث توافقا بين القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع، ومن الصعب أن يسقط اتجاهاً سياسياً أو فكرياً بحجة إعلاء مواد لبيرالية ، فهل يمكن الآن في ظل الظروف السياسية الحقيقية أن تسقط المادة الثانية من الدستور ؟ من الصعب إسقاط مادة جاءت بطريقة أو بأخرى, ولكن عند وجود إشكاليات في المادة يمكن أن تصاغ بطريقة تخفف من حدة التميز وتحولها إلى مواد تدافع عن حق المواطنة.

وأكد د. عبد العزيز خلف عضو مجلس الشعب أن الإصلاح الدستوري مطلب شعبي قبل أن يكون مطلب للسلطة, موضحًا أن البلد بحاجة إلى إصلاحات وتعديلات, وليس معنى تعديلات جديدة ضرورة تغيير الدستور برمته, ولكن هناك بعض المواد التي يجب أن تتغير مؤكداً على المشكلة تكمن في جملة توضع بعد كل مادة وهي “وفقا لأحكام القانون ” يعني تقييد القانون بالدستور فمن المفترض أن يشرع القانون وفقا للدستور وليس العكس.وطالب د. خلف بإلغاء قانون الطوارئ وخاصة أن البلد تعيش في حالة سلم منذ فترة طويلة .

و أقترح ناصر الكومي المحامي ضرورة التعاون بين السلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني في سن الدستور الجديد للبلاد ، مشيراً إلى أنه يجب أن تصاغ مواد لصلاحيات المنصب وليست لصاحب المنصب.

وتسأل أ. عبد الرحمن شحات المحامي هل نحن بحاجة إلى تعديل دستوري أم لا ؟ مشيراً إلى أننا لسنا بحاجة إلى دستور جديد ولكن بحاجة لتغير بعض مواد الدستور، وخاصة المواد المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية .

ومن جانبها أضافت الطالبة عزه منصور وهي عضو بالحزب الناصري أنه يجب مشاركة الشعب في تعديل الدستور وعدم اقتصاره على احد فالدستور للشعب، مضيفة بأنه على منظمات حقوق الإنسان تهيئة الناس وخاصة البسطاء لمعرفة كيف تتم المشاركة في تعديل الدستور بصورة صحيحة .

وأشار وائل حسن طالب بجامعة أسيوط إلى أنه هناك مواد دستورية واجب البدء في إدخال تعديلات عليها ، ولعل أبرزها المواد الخاصة بطريقة اختيار رئيس الجمهورية وصلاحياته، والمواد التي تكفل استقلال السلطة القضائية, فهذه هي أهم الأولويات وليس تغيير المادة الثانية من الدستور فقط .

ثم جاء تعقيب أ. جمال أسعد عبد الملاك على المداخلات السابقة بقوله أن الدستور آلية للتعديل , ومن يضع مواد الدستور هم المختصين وذلك عند البدء في صياغة المواد , ويجب على المختصين الأخذ في الاعتبار آراء المواطنين, فالهدف من هذا المنبر جمع حصيلة آراء جميع المواطنين بشأن التعديلات الدستورية المطلوبة .

وفي نهاية الجلسة عقب أ. حافظ أبو سعدة على فكرة التدخل الخارجي وخاصة من أمريكا لتعديل الدستور , مؤكداً أنه عندما يكون الشعب والسلطة وجهان لعملة واحدة فلا يستطيع أحد أن يخترق المجتمع المصري ، فلسنا في صراع مع أحد أو مع حزب بعينه على حساب الأخر، ولكننا مع تأسيس مشروعية للسلطة .

واختتم أبو سعده حديثه بقوله أن الدستور ليس كتابًا مقدسًا، فنحن الذي نصنعه لتغيير حياتنا اليومية , فالدستور هو التصور والرؤية التي يقدمها المثقفين للشعب المصري لتبنيها .