19/12/2005

رغم انتهاء أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة والنتائج الإيجابية الجزئية التي توصلت إليها، ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يظل مفتوحا ومطلب تشكيل الهيئة الوطنية المستقلة للحقيقة يظل مطروحا

خلال اجتماعه ليوم 19 دجنبر 2005 في دورته نصف الشهرية العادية، اهتم المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمستجدات الأساسية في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتبطة بالقمع السياسي والمتجسدة من جهة في انتهاء انتداب هيئة الإنصاف والمصالحة يوم 30 نونبر، وفي القرار الملكي بشأن نشر التقرير النهائي للهيئة، ومن جهة أخرى في مفاجأة الكشف ابتداء من 08 دجنبر عن مقبرة جماعية للقتلى ضحايا المواجهة القمعية العنيفة لأحداث يونيه 1981 بالدار البيضاء. وبعد تعبير المكتب المركزي عن أسفه لاستمرار المسؤولين الرسميين عن ملف الانتهاكات الجسيمة في محاولة تهميش الحركة الحقوقية، بما في ذلك على مستوى الإخبار، وبعد مناقشة المعطيات الجزئية المتوفرة في هذا المجال، فإن المكتب المركزي، وفي انتظار الإدلاء بموقف شمولي من التقرير النهائي بعد نشره والإطلاع عليه، يسجل المواقف الأولية التالية:

1. إن المكتب المركزي يستغرب لما وقع ابتداء من 08 دجنبر 2005 من نبش في المقبرة الجماعية لعدد من ضحايا أحداث يونيه 1981، الموجودة بثكنة الوقاية المدنية قرب مقبرة الشهداء بالدار البيضاء. وقد أدت هذه الأشغال ــ التي تمت في جنح الظلام وبشكل سري، بحضور بعض أعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة بعد انتهاء انتدابها، وفي غياب أي ممثل لعائلات الضحايا وللحركة الحقوقية ــ إلى تغيير معالم المقبرة وتبديد بعض معالم الجريمة الشنيعة وإلى تعقيد البحث عن الحقيقة مستقبلا، خاصة بشأن هوية الرفاة وظروف القتل والمسؤولية عن القتل وعن الزج بالجثامين في مقبرة جماعية. ورغم هذه الإجراءات الخطيرة التي أدت إلى تغيير معالم المقبرة الجماعية، والتي يجب مساءلة المسؤولين عنها، فإن فتح هذه المقبرة بضعة أيام بعد انتهاء أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة، يؤكد بشكل رمزي وواقعي أن ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ظل وسيظل مفتوحا بعد انتهاء انتداب هيئة الإنصاف والمصالحة.

2. إن المكتب المركزي وكتقييم عام أولي لما اطلع عليه من نتائج لأشغال هيئة الإنصاف والمصالحة، يعتبر أن هناك مكتسبات تتعلق بالكشف عن بعض الحقائق الجديدة، وبتوسيع جبر الأضرار لمجموعات أخرى من الضحايا، وبحفظ الذاكرة، وبالتوصيات حول الإصلاحات الدستورية والقانونية والمؤسساتية لتلافي تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا وعدم إفلات أصحابها من العقاب.

إلا أن المكتب المركزي، وهو يسجل إيجابية هذه المكتسبات، يعتبرها جزئية ولا ترقى إلى متطلبات المعالجة الديموقراطية والمبدئية لملف الانتهاكات الجسيمة كما سبق طرحها من طرف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمتجسدة في الحقيقة الشاملة حول الانتهاكات الجسيمة والمسؤوليات الفردية والمؤسساتية بشأنها، في المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، في الإنصاف المستند إلى جبر الأضرار الفردية والجماعية والمجتمعية واعتذار الدولة وحفظ الذاكرة، وفي بناء دولة الحق والقانون وما يستوجبه من إجراءات متعددة الجوانب لتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة مستقبلا وفي مقدمتها إقرار دستور ديموقراطي.

إضافة إلى ذلك يحق التساؤل عن مدى إلزامية مقترحات وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة للدولة، وعن الآليات الكفيلة بإعمال نتائج الهيئة حتى لا تظل حبرا على ورق.

3. إن الجمعية ومنذ اطلاعها على توصية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان التي تحولت إلى أرضية تأسيسية لهيئة الإنصاف والمصالحة، اعتبرت أن الهيئة لا يمكنها الوصول إلى الحقيقة وإنما إلى أنصاف الحقائق وهذا ما تأكد الآن على سبيل المثال لا الحصر من خلال النتائج المعلنة حيث يسجل: ــ غياب الجديد، وباعتراف الهيئة، بالنسبة لأعداد كبيرة من ملفات المختطفين مجهولي المصير مثل بنبركة والمانوزي والرويسي والوسولي وإسلامي..

ــ غياب الجديد في ملفات اغتيال عدد من المناضلين مثل عمر بنجلون وزروال وتهاني أمين. ــ ضعف المعلومات حول العدد الفعلي للقتلى ضحايا القمع العنيف للهزات الاجتماعية الكبرى وضحايا الانتهاكات المرتبطة بالنزاع حول الصحراء، وحول أماكن إقبار القتلى وتحديد هوية الرفاة مع العلم أن الهيئة حصرت العدد الإجمالي في حوالي 600 أو 700 بينما تقدر الجمعية عددهم بالآلاف.

ــ اعتراف الهيئة ولأول مرة “بتفاوت” تعاون الأجهزة الأمنية معها وبرفض عدد من المسؤولين المساهمة في الكشف عن الحقيقة.

ــ غياب أي إشارة للمسؤوليات الفردية عن الانتهاكات الجسيمة، بينما يظل التشخيص ضعيفا للمسؤوليات الدقيقة لمختلف المؤسسات عن الانتهاكات الجسيمة.

4. وبالنسبة لعدم الإفلات من العقاب،وهو المبدأ الذي يتبناه المنتظم الحقوقي الدولي دون تحفظ، بعد الإشارة إلى أن الأرضية التأسيسية للهيئة ربطت التشبث بالمساءلة بإرادة الانتقام والدغينة والفتنة، يسجل المكتب المركزي أن توصيات الهيئة ردت الاعتبار لمبدأ عدم الإفلات من العقاب. إلا أن الهيئة، ما زالت مستمرة في رفض تطبيقه على المسؤولين عن انتهاكات الماضي مرجحة تطبيقه بالنسبة للمستقبل فقط، ودون احترام الإجراءات الحاسمة لتفعيل هذا المبدأ مثل إقرار دستور ديموقراطي كمدخل لبناء دولة الحق والقانون، والتأسيس الدستوري والقانوني والإجرائي والتربوي لقضاء مستقل، نزيه وكفئ، وانضمام المغرب للمحكمة الجنائية الدولية.

ولا بد أن نسجل هنا بشأن عدم الإفلات من العقاب بأن الهيئة لم تتجرأ، وحسب ما نشر لحد الآن، حتى على طرح العزل الإداري للمسؤولين الضالعين في الانتهاكات الجسيمة ــ والتي سبق للجمعية أن حددت لائحة أولية في 45 مسؤولا ــ وكذا استرجاع الأموال المراكمة بشكل غير مشروع من طرفهم نتيجة نفوذهم وممارستهم للانتهاكات الجسيمة.

5. بالنسبة للقضايا المتعلقة بالإنصاف، يسجل المكتب المركزي أن عدد الذين سيتم تعويضهم ماليا أو سيتم تمكينهم من التغطية الصحية الإجبارية – التي لم يتم تحديد طبيعتها ومواصفاتها – ومن مقتضيات أخرى لجبر الأضرار، يقل عن عشرة آلاف من بين 16861 ملف تم دراستها والبث فيها.

وفي انتظار معرفة قيمة التعويضات والإجراءات الأخرى لجبر الأضرار، يسجل المكتب المركزي أن عدد المستفيدين من هذه الإجراءات قليل بالنسبة للملفات الواردة على الهيئة (22000 ألف في الوقت القانوني وحوالي 4000 ملفا إضافيا خارج الوقت القانوني) مما سيؤدي إلى تذمر لدى العديد من “الضحايا” الذين كانوا ينتظرون الاستفادة من إجراءات جبر الأضرار.

وبارتباط مع مسألة الإنصاف، يسجل المكتب المركزي أن مبدأ اعتذار الدولة للضحايا والمجتمع لم يتم تأكيده في ما نشر لحد الآن عن نتائج أشغال الهيئة.

6. وفيما يخص الإجراءات لعدم تكرار ما جرى فقد ورد في ما نشر عن التقرير النهائي للهيئة عدد من التوصيات الإيجابية لتعزيز مكانة حقوق الإنسان في الدستور المغربي، ولوضع “استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب”، ولسن إصلاحات في مجال الأمن والعدالة والتشريع والسياسة الجنائية.

إلا أن المكتب المركزي يعتبر أن هذه التوصيات، حتى وإن طبقت، لن تمكن من التأسيس لدولة الحق والقانون، بالمفهوم المتعارف عليه عالميا، على اعتبار أنها لا تمس بالجوهر الاستبدادي للدستور الحالي والذي يشكل مصدرا أساسيا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

كما أن غياب توصية لانضمام المغرب للمحكمة الجنائية الدولية لا يدفع إلى الاقتناع بالأمل في التخلص مستقبلا من الانتهاكات الجسيمة.

7. انطلاقا مما سبق، إن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ــ وفي انتظار دراسته وتحليله للتقرير النهائي للهيئة واتخاذ على ضوء ذلك ما يلزم من خطوات بمعية حلفاء الجمعية في الحركة الحقوقية ــ يعتبر أن ملف الانتهاكات الجسيمة سيظل، رغم التقدم في المعالجة الجزئية لبعض جوانبه، مفتوحا في جوهره، وهو ما يطرح على الجمعية مواصلة نضالها لمعالجة هذا الملف على أسس ديموقراطية مبدئية وعلى الحركة الحقوقية ومجمل الحركة الديموقراطية تعزيز وحدة العمل من أجل التصدي بنجاح لملف الانتهاكات الجسيمة على أساس خلاصات المناظرة الوطنية المتوافق عليها وفي مقدمتها تأسيس الهيئة الوطنية المستقلة للحقيقة.

الرباط في 19/12/2005
المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان